قال ضابط المخابرات النقيب السابق أحمد ولد أمبارك إن القبض عليه تم في مدينة روصو وقد عومل بكل احترام ومسؤولية لحظة اعتقاله من طرف الجيش.
وأضاف ولد أمبارك في مقابلة خاصة مع موقع الفكر إن الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني هو من تولى التحقيق معه بمقر قيادة المنطقة العسكرية السادسة، مضيفا "أن الرئيس الحالي خلال عملية التحقيق كان مرنًا ومحترما جدا، في البداية بادر بالسلام وخاطبني قائلا: أنت ضابط مخابرات ذكي وتعرف أهمية التفاصيل، ولديك طريقتين تختار إحداهما.. فإما أن تتعاون وتعطي كل المعلومات بتفاصيلها.. أو تختار الطريقة الثانية وهي التحويل للشرطة الذين يتولون وحدهم التعذيب فنحن لا نقوم بذلك"
أكد ولد امبارك تعذيب بعض المعتقلين من أمثال عبد الرحمن ولد مين وسيدي محمد ولد احريمو وولد أعمر جودة وآخرون بشكل بشع من طرف الشرطة.
وكان تقييم الضيف سلبيا لأداء الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني.
وهذا نص المقابلة:
موقع الفكر: نود منكم تعريف المشاهد بشخصكم الكريم؟
النقيب احمد ولد امبارك: بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على نبيه الكريم، انا أحمد ولد امبارك من مواليد العام 1967 في مقاطعة مال وكانت درا فيستي محظرية في البداية ثم التحقت بالمدرسة الابتدائية سنة 1977 لكني امضيت فيها 3 سنوات فقط لأحصل على شهادة ختم الدروس الابتدائية سنة 1981 .. والبكلوريا في العام 1987 وتخرجت من قسم التسيير بكلية الاقتصاد سنة 1991، ثم بعد ذلك انخرطت في صفوف القوات المسلحة وتخرجت برتبة ضابط في العام 1994 وتلقيت عدة تكوينات، منها دورة ملازم أول و دورة نقيب من المدرسة العسكرية لمختلف الأسلحة بأطار وأجريت دورتين في الاستخبارات العسكرية في الأردن..
وخدمت زهاء 7 سنوات في المنطقة العسكرية الخامسة في الكتيبة 51 بباسكنو في المنطقة الحدودية مع مالي في الفترة (1994- 1999) ثم حولت للاستخبارات العسكرية (المكتب الثاني) التي داومت فيها حتى مغادرتي للجيش في العام 2004... حيث كنت رئيس خلية التوثيق المركزية في القوات المسلحة، حيث أتولى تحرير جل التقارير والمذكرات الاستعلاماتية التي ترسل من قيادة الأركان لرئاسة الجمهورية.
هذه باختصار هي مسيرتي العسكرية.
بعد ذلك حكم عليّ بالسجن النافذ 15 سنة، قضيت منها سنة وأطلق سراحي بعد الانقلاب على معاوية في في بداية سبتمبر 2005.
لأدخل غمار السياسة من خلال ترشحي للانتخابات النيابية 2006 في مقاطعة ألاك محققا نسبة 49% في الشوط الثاني. وفي نفس السنة كنت مديرا لحملة المترشح أحمد ولد داداه في لبراكنة.. لأنهيّ غمار السياسة والترشح بعد ذلك.
موقع الفكر: هل صحيح أنكم حررتم في العام 2004، رسالة سرية للرئيس معاوية تتحدث عن تحضير مجموعة من الضباط لانقلاب عسكري وشيك؟
النقيب احمد ولد امبارك: لم يسبق لي قط ان تحدثت في هذا الموضوع، لكني سأقول مايمكن قوله، فلست من أرسل التقرير.. نعم أنا من حرر وطبع ذلك التقرير وعلى حاسوبي الشخصي.. لكن دوري أكثر هو دور "السكرتاريا". هناك ضابط أكبر مني هو الذي كلف بتبني ذلك التقرير وقد اتصل بي لأساعده في الأمر.
فكرة التقرير كانت تتلخص على ان جماعة "مكناس" وهم الضباط الذين تخرجوا من الكلية العسكرية بمدينة مكناس المغربية، يخططون للقيام بانقلاب، وعلى رأسهم المرحوم اعلي والرئيس السابق والرئيس الحالي والعقيد العربي.. هناك تفاصيل كثيرة في الموضوع لم يحن الوقت للإدلاء بها.
كما أن الكشف عن التقرير هو الآخر كان له دوره في باقي الأحداث.. فلقد أبلغت المجموعة موضوع التقرير، من خلال الرئيس الحالي، بعد اعتقالي.. وأهدف من وراء ذلك، إن كان هناك أمل في شيء ما أن لايضيع.
دداهي ولد عبدالله وجماعته كانوا وراء هذا التقرير.. لأنهم منكبون على التحضير لما بعد معاوية، فقد باتوا مقتنعين أن صلاحية نظامه انتهت (périmé)) ...
ومن الجدير قوله أن جل معلومات التقرير مختلقة.. ويهدفون من ورائها أن يموقعوا العناصر التي يثقون فيها من خلال إزاحة المجموعة موضوع التقرير..
لا يمكنني أن أقول الآن أكثر من هذا.
موقع الفكر: من أول من فاتحك في موضوع فرسان التغيير؟
النقيب احمد ولد امبارك: أول من كلمني في موضوع فرسان التغيير هو الرائد المحترم محمد الامين ولد الواعر سنة 1997 ونحن آن ذاك في باسكنو...
لقد أغرى صديقي ولد واعر اعتقالي في 23 أكتوبر 1995.. مع جماعة البعثيين، بأن يفاتحني في موضوع الانقلاب... حيث جلبوني حينها في طائرة خاصة من النعمة إلى قاعدة اجريده.. وتمت تبرئتي لاحقا. ليفاتحني هو في العام 1997. . وقد سجنت بعد ذلك سنة 1999 إبان إقامة العلاقات مع إسرائيل وأنا في المدرسة العسكرية لمختلف الأسلحة بأطار في دورة نقيب.
وحدثني ولد الواعر في مفاتحته لي أنهم مجموعة من الضباط تحضر لانقلاب عسكري رغبة في تغيير الواقع... وقابلني مع صالح ولد حنن بعد ذلك سنة 2000 فترة قبيل اعتقاله.. ثم تم الكشف عن محاولة الانقلاب 26/10/2000.
وقد أشادوا كثيرا بالدور الذي لعبت أثناء التحقيق معهم في المكتب الثاني.. الذي كنت حينها أحد عناصره.
موقع الفكر: ماذا عن فشل المحاولة الانقلابية في العام 2000؟
النقيب احمد ولد امبارك: فيما يتعلق بالمحاولة الانقلابية سنة 2000 فكان السبب في كشفها هو تأجيل العملية، حيث أن أحد ضباط الصف الذي أشعر بالعملية ثم أجلت، لم يتحمل ذلك الموقف وأبلغ في اليوم الموالي.
وقد تمت حماييته من طرفي بالإضافة إلى شخص آخر خلال أستجوابهما في المكتب الثاني .. ليتم إخراج سيناريو مفاده أن صالح تحدث مع بعض الضباط في موضوع الانقلاب بشكل غير جدي، أقرب هو للهزل، وأن أحد الضباط أعتبر ذلك أمر حقيقيا .. ليتم تعميم برقية لجميع الوحدات بهذا الفحوى.. تحذر من التحدث في هذه المواضيع في الهزل أو الجد.. وتم فصل صالح والمختار وبرب... لتستمر بقية المجموعة في مواصلة المسار الشائك والصعب ... رغم تخلي البعض في تلك المرحلة عن العمل.
موقع الفكر: متى علمت بالمحاولة الانقلابية المعروفة ب 8 يونيو؟
النقيب احمد ولد امبارك: أما فيما يتعلق بانقلاب الثامن يونيو 2003 فقد علمت به قبل شهر من تاريخه، من خلال ضابط كانت له به علاقة تنظيمة.. اتصلوا به.. وقد طرحنا عليهم من خلال هذا الضابط عدة أسئلة (عنصر صلتي ولد الواعر لم يكن موجودا في نواكشوط)،.. كانت الأسئلة تتركز على قطع الاتصالات؟ وهل هناك مركز قيادة وسيطرة يمكن من تبني خطط بديلة في حالة فشلت خطط الصدمة الأولى؟ وهل سيتعتقلون قادة التشكيلات العسكرية في نواكشوط؟
ونحو ذلك من الاحتمالات والاسئلة الواردة في عمل كهذا، فإذا بهم يركزون على قوة الدبابات فقط... مما أصابني بخيبة أمل.. فقمت بمحاولة ثني المجموعة عن التنفيذ، لقناعتي التامة بالفشل، فأتصالت بصديقي وأخي الأكبر الرائد حبيب أبو محمد في منزله وأقسمت له على المصحف على ان حديثنا لن يتسرب للعلن وأريد منهم وقف الموضوع، فأنا أعرف أنه من جماعة الانقلاب ولكنه لم يطمئن لي.. ونفى علاقته بالمجموعة..لكن بعد ذلك ضبطته يتناجى مع محمد ولد شيخنا ولم يرتاحا لمجيئي... وحاولت مباشرة مع محمد ولد شيخنا مساء 7 من يونيو..د. لكن بدون فائدة فقد كنت محل شبهة بالنسبة لهم جميعا..لكوني ضابط استخبارات. وقد سبب لي اتصالي مع محمد الاعتقال 50 يوما بعد الانقلاب مع الانقلابيين رغم عدم مشاركتي فيه.
فقد كان فشلي في ثني المجموعة عن التنفيذ بالأسلوب الذي وصلني والذي يفتقد للتخطيط الدقيق والمحكم وفقا للمتهج العسكري المعروف... دافعا لي في عدم المشاركة.
وقد أثبتت الأحداث يوم الثامن من يونيو تلك الشكوك وذلك التخوف الذي كان عندي..
لم يكن هناك مركز قيادة وسيطرة.. ولم تكن هناك شبكة اتصالات بين الدبابات والوحدات المشاركة في العملية.. كان الاعتماد على الهاتف الجوال الذي أزدحمت الخطوط فيه.
كما أن القائدين الرئيسيين للعملية (صالح ومحمد شيخنا ) كان على متن الدبابات يقاتلان. بدل أن يشكلا مركز قيادة للتنظيم والسيطرة.. فالقائد يقاتل بفكره لابجسده،. ومعاوية لجأ لقيادة الحرس والجماعة التي أرسلت إلى قيادة الحرس لم تنفذ مهمتها.. كان ينبغي التأكد من ذلك... ليقوم عنصر من الاحتياط بتنفيذ المهمة.
بالإضافة إلى أن قادة التشكيلات في نوا كشوط كانوا أحرارا جلهم يقود العمليات المضادة للانقلاب.
موقع الفكر: كيف بدأتم التنسيق والعمل بعد الثامن من يونيو؟
النقيب أحمد ولد أمبارك: بعد ما سكتت الضوضاء القوية لأحداث الثامن من يونيو. وبعد ثلاثة أشهر تقريبا من ذلك التاريخ بدأ العمل من جديد في مشروع قلب النظام.. واتصل سيدي محمد ولد احريمو مبعوث الجماعة في الخارج على الرائد حبيب ولد أبو محمد الذي عينوه منسق العمل على مستوى الداخل... واتصل على الفور بي وبدأنا من جديد في القيام بكل ما يمكن من أجل تنفيذ المهمة التي كان الطرف المدني مستعجل في تنفيذها كما هو الحال بالنسبة للمجموعة في الخارج.
فقد لمست ذلك في أول أتصال لي بالجناح المدني في قسمه الإسلامي (ولد احريمو وحمودي).. وقد نبهت إلى خطورة استعجالهم على المشروع بأسره.. وبينت لهم أن توفر الوسائل المادية والبشرية الكفيلة بتنفيذ العملية يجب أن يكون قبل التفكير في تاريخها..
لقد كانت من نتائج انخراط كثير من السياسيين (جماعة الإسلاميين، ضمير ومقاومة، محمد خونا هيدالة. أحمد ولد داداه، الشبخ ولد حرمة... إلخ) عبئا على سرية التنظيم الشرط الرئيسي لنجاح الانقلاب... فقد تغلب الطابع السياسي على الطابع العسكري البحت وأصبح التنظيم أدات لإزعاج النظام أكثر منه لقلبه... كما أن إنشاء "تنظيم فرسان التغيير" كان خطأ... كان الأحرى أن تسرب معلومات كاذبة للنظام أن الجماعة قتلوا ولم يعودو في هذا الكوكب ليتمكون من العمل بهدوء ودون لفت الأنتباه.. وقد بينت ذلك حينها...فأنت عندما تريد أن تصطاد "حبارة" ذلك الطير الذي لا يسمع لكنه يرى بقوة، لا يمكنك أن تقف ووتجه مباشرة نحوه.. فكيف بنظام في حالة فزع ولديه وسائله المختلفة .
ومع كل هذه الصعوبات حاولنا ان نقوم بعمل جاد يستفيد من أخطاء الثامن من يونيو.... لذلك حددت لعنصر الربط مع المجموعة في الخارج، الوسائل الضرورية الكفيلة بتنفيذ العملية من عتاد وأفراد ... وكان ذلك سببا في دخول الشاحنتين المحملتين بالسلاح والذخيرة ووسائل الاتصال المختلفة من مالي ...والتي ضبطت إحداهما في سوق مسجد المغرب قبل تفريغ حمولتها
ولقد لجأنا لاستراد السلاح والذخيرة لأنه لم يكن بمقدورنا الاعتماد على سلاح الوحدات خلال الصدمة الأولى...لأنه في وضع من الحراسة والقيود المفروضة تحول دون ذلك.
وحددت لهم المطلوب من الأفراد في حدود 400 شخص تضم العسكريين العاملين وما يمكنهم توفيره من الأفراد.. فقامت المجموعة في الخارج بضم مجموعة من "العسكريين السابقين من لكور" على رأسهم النقيب السابق محمود با مؤلف "كتاب جحيم إنال"... وتم إرسال مجموعة من المدنيين لساحل العاج للتدريب.
وتم تكثيف العمل في الداخل شهورا متتالية ليلا ونهارا.. لنكون قاب قوسين أو أدنى من الجاهزية سبتمبر 2004.
وكنا ننتظر إجازة الرائد محمد فال هنضي قائد كتيبة المدفعية في نواذيبو والتي ستستفيد سرية كاملة من كتيبته من الإجازة، سيختارها هو من عناصر ثقته ليتم زجهم في العملية دون علمهم بها قبل لحظة الصفر.
ولكن وقع خطأ بسيط في ظاهره عميق في تداعياته، هو الذي أفشل المحاولة وهو أن ضابطا من الجيش -أتحفظ على اسمه- كان آنذاك في اسبانيا وتم الاتصال عليه من أحد أفراد المجموعة في الخارج، فقام بالتبليغ عن التنظيم وتلقى الأوامر بالعودة الفورية الى موريتانيا وكان في الأصل من جماعة الناصريين ومن ضمن مجموعة محاولة 2000 ولكنه انقطع عن التنظيم بعد ذلك ..
هذا الضابط كان يراسل المجموعة في الخارج من مكتب قائد الحرس الرئاسي حينها الرئيس السابق.. وكانت الأسئلة أستخباراتية صرفة.. أنا معكم ومعي ثلاثون ضابطا لكن لا بد أن أعرف جميع المشاركين؟ لأطمئن على نجاح العملية، إذ من المعروف أن المعلومة تعطى بحسب الحاجة وليس بقدر الثقة" .. وفي ظل هذا العبث كُشف عن جل عناصر التنظيم وفوجئنا في أواخر شهرسبتمبر بالاعتقالات . حيث اعتقل الرواد ولد الواعر وحبيب وهنضي ووو..، والقائمة تطول.. ولم أكن ضمن المعتقلين لأنه لم يسرد اسمي في تلك المراسلة لأني لم أكن من ضمن قادة الوحدات لأقدم كعنصر تدخل كما قُدم الآخرون كما أني لم أكن ضمن الأسماء المقترحة للصاحب الوشاية لتربط به الأتصال بسبب فوارق السن والرتبة.
لقد أطلعت على نسخة كاملة من هذه المراسلات أربعة أيام بعد الاعتقال... فلم نكن قبل ذلك نعرف سبب الضربة التي تعرضنا لها... فأتصلت بولد احريمو الذي اتصل بالجماعة في وكادوكو وطلب منهم إغلاق حواسبهم.
تعد هذه الضربة أشد ضربة يتعرض لها التنظيم منذ نشأته.
ومن الجدير قوله أني خلال كل هذه المراحل كان تنسيقي مع الطرف المدني منحصرا على جماعة الإسلامين التي كانت هي القطعة الرئيسية الفاعلة في هذه المحاولة من الجناح المدني وكانت تحظى بثقة صالح ولد حنن ومحمد ولد شيخنا أكثر من الجماعة الأخرى.
موقع الفكر: ما السبب الحقيقي لهذا الانقلاب؟
النقيب احمد ولد أمبارك: نحن لدينا مشروع لقلب النظام ومايجمعنا هو مايعانيه البلد من فساد وانتكاس في القيم ومسخ للهوية وتطبيع الدولة مع إسرائيل وتحول الفضيلة إلى رذيلة وتصدر التافهين من المجتمع للمشهد، ونهب الأموال الممنوحة من صندوق النقد الدولي.. وشروط صندوق النقد الدوليةكانت مجحفة بالشعب الموريتاني حيث تنازلت الدولة عن مهامها الاجتماعية وسادت الليبرالية المتوحشة.. والتزوير المتكرر للانتخابات.. وتردي القيم والأخلاق.... حيث أصبح السارق بطلا يحتفى والمخدرات على قارعة الطريق...
كل هذه الأسباب جعلتنا نؤمن بضرورة قلب نظام الحكم.... وجمعتنا كأفراد مختلفين في المشارب والتوجهات.
موقع الفكر: بعد شهر من هذا الفشل دخل صالح وعبد الرحمن إلى موريتانيا.. هل كنتم بالفعل تفكرون بانقلاب آخر؟
النقيب: أحمد ولد أمبارك: نعم، اتصل بي ولد احريمو لنلتقي عند "كرفور ولد اماه" وكان صالح في السيارة، حيث قدمه لي.. وتجولنا في السيارة داخل المدينة حيث أخبرني صالح عز مهم على محاولة إعادة الكرة للمرة الرابعة.. لكن رأيي كان عكس ذلك.. وقد حاججته بحضور ولد احريمو بأن المحاولة 2000 والتي لم يتأكد النظام حينها من جديتها، لم يستطع التنظيم معاودة الكرة إلا بعد مرور ثلاث سنوات. في الثامن من يونيو 2003... فكيف نقوم بهذه المجازفة وبعد شهر واحد من هذه الضربة التي لا تقارن بضربة سنة 2000
لقد دخل صالح وعبد الرحمن ولد ميني ومعهم "مجموعة لكور" سابقة الذكر... لكن جماعة لكور كانت مخترقة هي الأخرى عن طريق مساعد أول متقاعد.
كما أن أحد ضباط المنطقة العسكرية السابعة في ألاك أبلغ عنهم بعدما ما زودتهم برقمه وأتصل عليه عبد الرحمن من خلال الثرياء... انطلاقا من معلومات سابقة أن المعني وافق على المشاركة من قبل من خلال اتصال أحد الضباط المعتقلين به،حيث لم أتمكن شخصيا من تحديد هوية هذا الضابط كما كانت العادة في الإبلاغات السابقة. .. حيث كان الضابط يحضر لمكتبي ليعطيني تفاصيل ما جرى بينه ومجموعتنا وإن كانت هناك تسجيلات أقوم بتفريغها.. وإرسال ذلك للرئاسة.
في هذه المرة وخلال تحريري مع قائد الاستخبارات حينها، الرئيس الحالي للتقرير الأسبوعي الذي نوجهه كخلاصة للعمل الأسبوعي لرئيس الجمهورية وفي فقرة الأمن العسكري قال قائد المكتب: أكتب بأن الجهود التي قيم بها كانت مثمرة، حيث أبلغ ثلاث ضباط عن اتصالات تنظيم فرسان التغيير بهم...فأرتعدت فرائسي خوفا من هذا الواشي الثالث الذي لا أعرفه، فقاطعته قائلا حضرات: هما ضابطان فقط لأني كنت على علم بإبلاغ اثنين. فقال لي هناك ضابط ثالث.. فعاودت المحاولة معه بذكر اسم الضابطين لعله يبوح لي بالثالث لكني لم أفلح.. فاتصلت بعد خروجي من عنده ودخول مكتبي منفردا بصالح لأبلغه أني لم أعد أتحمل مسؤولية حمايتهم فهناك ضابط ثالث أبلغ عنهم لم اتمكن من معرفته... واقترح عليهم الخروج...
ويبدوا أنهم صنفوا أحد الضباط الممتنعين عن العمل في تلك الظروف أنه هو المبلغ... ليواصلوا التنسيق مع الواشي الذي ظلوا على صلة به عن طريق ولد أحريمو مباشرة وولد ميني عن طريق الثرياء ... وبدأ الأمن يطرح تساؤلات عن إمكانية وجود عبد الرحمن في نواكشوط وقد لمست ذلك من خلال.. أتصال أجراه معي الملازم أول عالي ولد مولاي إبن أخت المفوض دداهي.. وكنت في عطلة الأسبوع خارج العاصمة في إطار العمل... وطلب مني بعض المعلومات عن عائلات صالح وولد شيخنا وعبد الرحمن ولد ميني مركزا على الأخبر... وطلبت من حمودي توفير المعلومات وعند مقابلتي لإبن أخت دداهي .. اخبرني أن الجماعة يشكون في وجد ولد ميني في نواكشوط. واثناء حديثنا اتصل عليه دداهي وقال له "حذاري أن يعلم أحد بالموضوع" .. تأكدت حينها أن الأمن أخذ خبرا مؤكدا بوجود ولد ميني في نواكشوط وكانت الساعة التاسعة... وأخبرت حمودي بالموضوع... وأكدت عليهم بضرورة أخذ الإجراءات الاحترازية... وبدل ذلك فإن ولد ميني التقى لأول مرة وبشكل مباشر مع الواشي قرب الملعب وتابع الأمن الموريتاني سيارتهما حيث تأكدوا من توقفها في لكصر قرب المنزل الذي يقيمون فيه ... فداهمت الشرطة المنزل مع بزوغ الفجر وتشاجر ولد احريمو مع عناصر الشرطة، حيث صفع أحدهم ليوفر الوقت لباقي المجموعة في الطابق العلوي للانسحاب... فتمكن صالح وملاي ولد ابراهيم من الخروج من النافذة لكن عبد الرحمن لم يتمكن من الخروج بسبب ضيق النافذة مقارنة مع جسمه "فتبارك الله" .
وقد ارتكبت أنا تلك الليلة المشؤومة خطأ حيث أغلقت هاتفي.. وحاولوا الاتصال بي بعد منتصف الليل بعد ما تأكدوا من خلال شخص في إدارة الأمن بوجود ولد ميني بتأكد الأمن من وجود ولد ميني في نواكشوط... وكان محتاجين لرأيي والمعلومات التي يمكن أن أساعد بها في تلك اللحظات الصعبة.
وفي صباح الغد التقيت ببعض جماعتي من المدنيين واخبروني بما وقع وقلت لهم إنني سأغادر البلاد بغية ازعاج النظام من بروكسل، لكنهم طلبوا مني التريث فأكدت لهم أن الوقت ليس في صالحنا فكل دقيقة تمر تعقد عملية الخروج.. إلا أن الوضع كان سيئا بالنسبة لنا فالسيارة بحمولتها من المتفجرات والسلاح في السوق لم تفرغ بعد وصالح مازل في المنزل الملاصق للمنزل الذي تمت مداهمته ولم يخرج بعد فتم تأجيل خروجي... وفي المساء قبيل المغرب اتصل بي حمودي قائلا بعبارة اهل الزفاف ان السيدة عثر عليها "لعروص اراهي انجبرت " يعني صالح ولد حنن، وكان رأي صالح بأني يجب أن لا أخرج.. وفي نفس الليلة علمت القيادة أني انا الشخص الرئيسي في هذه المحاولة وفي صباح اليوم الموالي ذهبت إلى مقر عملي بقيادة الأركان وقبل دخولي لمقر كتيبة القيادة والخدمات لم ارتح فطلبت من نقيب ومساعد أول كانا معي في السيارة النزول على أساس أنني سأصلح عطلا في سيارتي وأعود في الحال.. وسرت في سبيلي، حيث وردتني اتصالات من بعض الضباط يسألونني اين أنت فقلت لهم قرب العيادك المجمعة حيث اوهمتهم بذلك وانا قرب كرفور مدريد واتصلت بجناح الفرسان المدني الإسلامي ووفروا لنا الحماية وقضيت شخصيا حوالي أسبوع مختبئًا بمنزل النائب زينب بنت التقي مشكورة وأذكر هذا الموقف للتاريخ... فكانت العضو الوحيد من النساء في تنظيم فرسان التغيير.. وكانت تتحلى بكثير من الشجاعة والتماسك.. معرضة عائلتها ونفسها وأطفالها الصغار للخطر.
ثم بدأ التخطيط لسفري أنا وصالح إلى "روصو"... فقد تم اعتقال عدد كبير من جناح الإسلاميين الذين كانوا معنا وبقيتهم ظلت مختبئة لأنها مطلوبة. ثم أتت مجموعة أخرى منهم أتذكر وجوهها ولكن لا أعرف أسماءهم منهم مثلا :عربي أسمر من سكان "بيكة" وهو من انطلقنا من عنده رفقة ثلاثة آخرين، وكان البطل "ول ابنو" هو من كان يخطط لاستقبالنا في السنغال.
الإخوان أناس طيبون لكن ليس هذا مجالهم هههه..، لأن جل من كانو يحسبون على الإسلاميين كانو ممن نسميهم محليا "الطلبة" لذلك مازلنا نعاني في موريتانيا من تلك المشاكل المترتبة على ذلك، وللأمانة، لم يتم اختراقنا من جماعة الإخوان المسلمين بل اختُرقنا من جماعة الزنوج عن طريق عسكري متقاعد من الجيش وقد أقترحت علينا الجماعة الهروب في مركب صغير من نواكشوط إلى "سينلوي".
كان الذي أنطلقنا به من نواكشوط أنه في حالة قربنا من روصو أن نتجه للنهر لنقطعه.. سباحة.. كانت لدينا طوقين للنجاة.. لكن صالح أصيب في الطريق بسبب طول المسافة و ثانيا لأن الكثير من الحفر في الطريق، ذهبنا من نواكشوط مع صلاة المغرب ومشينا سيرا على الأقدام معظم الطريق وأحيانا نركب مع بعض رفاقنا إذ لديهم ثلاث سيارات ولكن هناك كثير من الدوريات، ففي النهار لا نستطيع الحركة بسبب الطائرات و في الليل الدوريات تجوب كل مكان، وإذا تأكدنا أن منطقة معينة لا توجد بها دورية نركب في إحدى السيارات أما أغلبية الطريق فمشيناها على أقدامنا ووصلنا "لكوارب" السابعة صباحا ، ارتكب الشباب أخطاء بسبب عدم التمرس منها أنهم ذهبوا إلى "البطوار" مساء وفي العادة لا يذهب الناس إلى "البطوار" إلا صباحا فكان ذلك مثيرا للاهتمام و أيضا لم نستخدم الثريا في التواصل بل استخدمنا وسائل اتصال محلية في التواصل مع "ول ابنو"، ذهب الزنوج إلى "ول ابنو" ونسقوا معه وأخذوا رقمه وأعطوه ل"المرحوم اعلي"، وأصبح هاتف "ول ابنو" مراقبا واتصلنا نحن عليه من "لكوارب" فَعٌرف أننا في روصو ... وحوصرت المدينة وفصلت السطارة مع باقي المدينة ... وفي حدود الواحدة من يومنا الثاني في روصو هجموا علينا في منزل في حي السطارة. بعد أن تتبع 'لكور" الذين كانوا معنا شابا أرسله لنا ولد أبنو.
ذهبت الشرطة بصالح وذهب العسكريون بي إلى مركز التكوين العسكري في روصو، وكانت معاملة قائده حمادة ولد بيدة لي على درجة كبير ة من الأحترام والمسؤولية.
وفي حدود الواحدة فجرا جاء قائد المنطقة العسكرية السادسة الكولونيل "ازناكي" ليصطحبني وطاقمه مع حراسة مشددة إلى نواكشوط.. ثم بعد ذلك تولى التحقيق معي الرئيس الحالي غزواني وفي الحقيقة كان مرنًا معي ومحترما جدا وسلم عليّ وقال أنت ضابط مخابرات ذكي وتعرف أهمية التفاصيل، لديك طريقان للتعامل معنا فالعسكر لايعذِّبون عكس الشرطة فهم من يقوم بتعذيب السجناء. وفعلا كان ذلك صحيحا فقد تم تعذيب السجناء لدى الشرطة تعذيبًا وحشيًا والصور التي عرضتها قناة الجزيرة حينها من تعذيب السجناء صحيحة وليست مفبركة فقد عذب ولد ميني ليلته الأولى لدى الشرطة عذابًا نكرا وكذلك ولد احريمو وولد أعمر جوده وكان ذلك تحت إمرة المفوض دداهي ولد عبدالله.
ونقلنا إلى سجن واد الناقة عند الدرك حيث كنت في السجن الانفرادي وكان جاري ولد احريمو. وكان شخصًا مثقفًا يندر مثله ومن الفتوة بمكان "فتى" ولديه الإجازة في القراءات السبع وله إنتاج أدبي رائع.
وأذكر من طرفه فترة الاعتقال أننا اشعنا انه سيأتي "كعباش" بمروحية ونفر من السجن معه فأخذ ضباط الدرك بتشديد الحراسة وأرسلوا جنودا لمراقبة السطوح وكان بحوزتي هاتف ويريد مني ولد احريمو أن أوصي أهله أن يبعثو له ببعض الأغراض بطريقة مشفرة يقرأ عليّ رقم اتصال أسرته فقال لي: نعرف نوبه عندي خمسَ تالب خمسَ وستياتِ ؤثنتين..
في إشارة الى رقم اتصال أسرته.. وتمت العملية بنجاح، ودخلنا في إضراب عن الطعام لمدة 28 يوم، احتجاجًا على وضع المراحيض السيء حيث لم يكن يسمح لنا بالذهاب إلى المرحاض إلا في دورتي الغداء والعشاء..
كانت هذه بعض ذكريات السجن رفقة ولد احريمو
موقع الفكر: هل ندمت على ما سبب لك هذا الاعتقال؟
النقيب احمد ولد امبارك: كلا، لست نادمًا، لماذا أندم عليه؟ فلقد كنت مستعدا لأسوء الاحتمالات في هذه القضية.
موقع الفكر: هل لديكم ملاحظة على طريقة الانتخابات في موريتانيا؟
النقيب احمد ولد امبارك: أعتقد أنه في موريتانيا نعيش هيستيريا عجيبة وهي أننا لم نأخذ من العملية الديموقراطية سوى صناديق الاقتراع
وطغت القبيلة بعد ظهور العملية الديمقراطية سنة 1992 بأشد مما كانت عليه من قبل، و معلوم أن القبيلة والدولة خطان متوازيان، والقبيلة اليوم هي المهيمن وكل يعمل لها ويرشح لقبيلته عكس الدولة ومصالحها، وهذا مدمر للبلد ولايمكن ان يدوم
فلا بد من اشراك جميع الطبقات المهمشة والعناية بها سبيلًا الى دولة ديموقراطية.
موقع الفكر: ماتقويمكم لأربع سنوات من حكم ولد الشيخ الغزواني؟
النقيب احمد ولد امبارك: بالنسبة لولد الشيخ الغزواني أعرفه شخصيًا كضابط في الجيش قادني فترة من الزمن وما أعرف منه فترة قيادته ليس كما هو الآن وذلك بسبب اكراهات "الديمقراطية " التي تتحكم فيه بواسطة القبيلة، والمؤسسة القبلية الرجعية التي أتت به إلى سدة الحكم ومن يحيط به من رموز هذه المؤسسة الرجعية.
وفي ظل أستمرار الفساد الذي لا يعلوا صوت فوقه فإننا في خطر حقيقي وعلى من يسوس هذه البلاد، أن يحسن "فن التوقع"... وإلا سنكون تحت رحمة فوهة بركان، خرجت حممه في المحيط وتوجد أمتداداته تحت أقدامنا!
وبالتالي فتقويمي إنه كان ينبغي إنجاز كثير مما لم ينجز.. من خلال محاولة فك التحالف والتعاضد مع الفساد ورموزه ومؤسسته لأن ذلك هو رأس كل خطيئة وتتشارك عنده كل طرق الفشل والاختلالات..، والمشكلة أعقد من حصرها في شخص رئيس الجمهورية.. فالذي يحكم البلاد هو مؤسسة الفساد التي تشكلت ونمت منذ 1992 وتتخذ من من هو على رأس السلطة واجهة لها... والأنظمة السياسية المتعاقبة مجبرة على الإنصياع لهذه المؤسسة بسبب الحاجة في الأصوات..، إنه أسر متبادل.
ولا يمكن الخروج منه إلا بثورة من رئيس الجمهورية هذا أو غيره...من خلال التوجه للتنمية الممزوجة بالعقل والعدالة والتوجه للشعب بشكل مباشر لإقصاء الناخبين الكبار، رموز المؤسسة الرجعية.
الدولة في أسر الفساد الذي قد يجرها إلى الفشل كما هو الحاصل في الإقليم.