حول عنونة الشعر.../ محمد فال عبد اللطيف

من أشنع البدع التي ظهرت في العصر الحديث عنونة القصائد الشعرية وهو شيء ما كان معروفا في الجاهلية ولا في صدر الإسلام ولا في العصور الذهبية الأخرى فما تعاطاه امرؤ القيس ولا النابغة ولا الأعشى ولا الفرزدق ولا جرير ولا جميل ولا بشار ولا أبو نواس ولا أبو تمام ولا المتنبي ولا الشريف الرضي ولا ابن زيدون ولا البارودي ولا ابن حنبل ولا ابن محمدي ولا ابن الشيخ سيديا ولا ابن الطلبه ولا غيرهم.

والذي أراه شخصيا هو أن عنونة القصائد العربية هو تشبه ساذج وسمج بالأشعار الأوروبية فما بال القصيدة الموزونة تعنون بكلمة أو عبارة من النثر تلطخ إن لم أقل تنجس نقاء وجاذبية الشعر فعنوان القصيدة أشبه ما يكون بالعبارة الجافية التي يواجه بها بعض البوابين من يدخل في المكاتب الذين هم بوابون عليها.

ومن استقرأ الأدب العربي سيلاحظ بسهولة أن القصائد العربية ما كانت تعرف بالعناوين وإنما تطلق عليها أسماء مستوحاة من داخلها أو من ملابسات لها بها صلة كاسم الشاعر أو المناسبة التي قيلت فيها أو إحدى مميزاتها فقد سمى ابن حنبل رحمه الله قصيدته الرائعة في مدح النبي صلى الله عليه وسلم ب"أنس الإطار" وسميت قصيدة اليدالي على حرف الهمزة "الكنز والكيمياء" وسميت همزية الشيخ محمد المامي "بالجرادة الصفراء" وسميت قصيدتا ابن أحمذيه وابن آلا بالربابيتين وسميت قصيدتا ابن أبن والمصباح بالمصغرات وسميت قصيدة ابن الونان بالشمقمقية وميمية البصيري بالبردة ومرثية متمم بن نويرة على حرف العين بأم المراثي وسميت مقصورة ابن دريد بالدريدية وسميت لامية الشنفرى بلامية العرب ولامية الطغرائي بلامية العجم وبائية جرير بالدامغة ولامية بكن بالبادة...الخ

وقد ولد هذا الشعور عندي القناعات التالية:

- القناعة الأولى: أن من يجعل لشعره عنوانا لا يخلو من ضعف في الملكة وانحراف في الذوق وانجراف وراء الأدب الغربي (وأنا ممن يتذوق الأدب الغربي).

- القناعة الثانية: هي أن كل شعر احتاج إلى عنوان فهو شعر ناقص لم يستوعب الموضوع الذي حرر فيه حتى احتاج إلى كلمة من النثر تكمله.

- القناعة الثالثة: أن الشاعر غير واثق بالمتلقي بل عنده حكم مسبق حول المتلقي أنه بليد لابد أن يبين له موضوع الشعر المعروض بكلمة من النثر لا يفهمها الشعراء.

- القناعة الرابعة: أن عنونة الشعر تصد كثيرا من المتلقين عن قراءته لأن كثيرا من أهل الذوق السليم إذا رأوا العنوان حسبوا القطعة محضرا أو عقدا من العقود المدنية فيحرمون بذلك من الاطلاع على كثير من الإبداع الذي يحويه الشعر.

ومع هذا فقد جارى كثير من الشعراء المبدعين المفلقين الناس في هذه الموضة الغربية ولا شك أنهم معذورون لأن هذه العنونة يمكن اعتبارها هي أضعف الإيمان بالنسبة للحداثة التي هي مطمح كل شاعر وأديب.

وقد نجى الله شعرنا الحساني من هذه البدعة.

وبعد فهذا رأي شخصي وذوق خاص والذوق ليس من الأشياء القابلة للنقاش كما هو معلوم.