القضاء على الالحاد في موريتانيا بيد رئيس الجمهورية- لمرابط محمد الخديم

  الأحداث المتسارعة والغير مسبوقة فرضت علي كغيري من المراقبين أن نعيد النظر في القضايا التي جعلت الحادثة تتكرر ولماذا يركبها البعض دائما باسم النصرة عن قصد أو غير قصد؟! ولماذا دائما نرجح العاطفة على العقل؟! وهل من سبيل الى القضاء عليها الى الأبد؟!

   سؤال طرح نفسه بعد الأحداث التي شهدتها موريتانيا وتزامنا مع حرق المصحف الشريف في كل من السويد والدانمارك  وعاد بنا إلى أجواء مقال المسيئ ولد أمخيطير منذ سنوات مضت!!

    بدأت القصة عندما فتح مجموعة ممن يطلقون على أنفسهم الحداثيين صفحة فيسبوك تحت عنوان “‏من أجل موريتانيا علمانية حداثية ومتسامحة‏”، وحددوا لصفحتهم مجالا للتعاطي الفكري حول هذه القضية من خلال “العمل من أجل مجتمع موريتاني علماني، علمي، حداثي ومتسامح، مقابل مجتمع متخلف رجعي محافظ …

    وقد انتشرت تسجيلاتهم الصوتية عبر وات ساب على نطاق واسع في مجتمع موريتاني محافظ في جمهورية إسلامية بنسبة 100%، دستورها ينص أن الإسلام دين الشعب والدولة…

    قد لايفهم الكثير من الناس غرض هذه المجموعة من بث هذه المفاهيم التي تبدو ساذجة شكلا وغير مترابطة في المفاهيم والأفكار..

     وقد كتب سابقا حول هؤلاء وأمثالهم سلسلة مقالات بعنوان: الملاحدة الجدد بين الجهل والضياع من 40 حلقة..وسلسلة الهداية سعادة ونعمة والالحاد جهالة ونقمة!! 27حلقة.

     لكن في ظل القرية الكونية العالمية أصبحت الأمور مترابطة فما يحدث في أمريكا مثلا تتأثر به موريتانيا عن طريق الهواتف الذكية التي أصبحت في متناول الجميع وكل القضايا مطروحة في الشبكة بل ان الالحاد والاساءة للمقدسات وراءها جمعيات ومنظمات تنفق بسخاء وتقدم بضاعتها الفكرية لتجذب الكثير من  أبناء المسلمين بوسائط الصوت والصورة ليس بالضرورة ان يكون هؤلاء الأبناء ممن يريدون الالحاد ولكن مدفوعين اليه بسبب عوامل ليس أقلها المناهج التربوية!!

      في دراسة جديدة لنيل الماجستير في علم الاجتماع نشرتها وكالة الأخبار لباحثة موريتانية تظهر، أن 66.7% ممن شملتهم الدراسة يؤكدون أن الانترنت أذكت فيهم تبني الأفكار الإلحادية، في حين ترى نسبة 100% من عينة الدراسة (13 شخصا) أن مواقع التواصل الاجتماعي أثرت إيجابا في نشر الإلحاد في موريتانيا. ) والذي يظهر من الدراسة أن جل الملحدين شباب أي أنهم من طلاب المدارس النظامية...

كيف التعامل مع هذه الظاهرة؟!

      في هذا الوضع الخطير نطالب رئيس الجمهورية  بأخذ زمام المبادرة وتعيبن لجانا من الاسرة التعليمية والثقافية والدينية تتشكل من باحثين قدامى ومخضرمين من المشهود لهم  بالكفاءة العلمية والتربوية في تخصصات متعددة: اسلامية.. وعلمية... وأدبية...

    واليبدأ هذا الفريق اولا بمراجعة المناهج والبرامج التي تدرس وخاصة الجانب العقدي منها..ثم جرد للمكتبات وتنقيتها من الكتب االتي تتعرض للذات الإلهية والجناب النبوي صلى الله عليه وسلم.

   التعليم المدرسيّ الحديث، الذي جاء به المُستعمر وفرضه، قبل الاستقلال الوطنيّ، كان هو البوابة الكبرى التي خرجتْ منها النخبة الجديدة إلى الوجود مع دولة الاستقلال  أي عقلية مشابهة للعقلية الأوروبية في مفاهيمها وأفكارها ونظرتها إلى الحياة, لأن الباب الوحيد للعلم والتثقيف هو ذالك الذي يفضى إلى هذه الثقافة, التي تلقن في المدارس النظامية, على نمط المدارس المنشأة في البلاد الأوربية, من ابتدائية وثانوية وعالية. وهذه الثقافة بشكلها الحاضر وجميع ملابساتها أخذت واقتبست من الثقافة الأجنبية, وهى نفسها في الدواوين الحكومية وفى المهن الحرة وفى مجالات الحياة العملية المختلفة!!

      لقد اصبح المعلم أو الأستاذ يحفظ البرنامج منذ سنين بدون تجديد للمعلومات لان البحث والمراجعة وروح المنافسة غائبة...

      وهذا ما يؤدي إلى عدم إتقان المادة التي يدرسها المدرس فلا يكفي في التدريس أن يكون الشخص تخرج من جامعة أو معهد..بل يجب عليه أن يواكب التطور العلمي والتربوي..الشيء الذي لم يحدث إلى يوم الناس هذا...!!

    ليس في المؤسسات التعليمية النظامية وحدها بل حتى في المدارس الشرعية فلا توجد مجامع فقهية تواكب العصر كما كان يفعل الأجداد رحمهم الله حيث كانوا أمثلة مسهمة في صنع عصرهم، وتوجيه معاصريهم، من خلال اهتمامهم بالوقائع والمستجدات، مما جعلهم يسعون إلى تكييف العلوم والمعارف مع مجتمعهم وحياة أناسهم، فسايروا بذلك مختلف الأحداث، مستجيبين للبيئة وخصوصياتها فردوا على أهم الإشكالات التي وردت عليهم فكانوا كلما استفتوا عن النوازل افتوا وأفهموا وبينوا.!!

       أذكر أنه في زمن تأليف كتاب العلوم الطبيعية للسوادس العلمية والرياضية عندما قرأت الكتاب وانا آنذاك رئيسا للجمعية الوطنية التأليف والنشر قلت للفريق الذي الف الكتاب بالمعهد التربوي الوطني بان لانطباع الذي سجلته عن الكتاب كأي مهتم بالقضايا العقدية بعد قراءة مضامينه و مقرراته : هو التشويش الذهني للمتلقي!!!

      فمثلا: عندما تقرأ في الاستدلال العلمي ونظرية النشوء والارتقاء عند داروين ولامارك والصدقة والقوانين العشوائية ..وتنتقل من هذه النظريات إلى الآيات القرآنية في نهاية الكتاب بدون تمهيد للموضوع فان المتلقي سيعيش حالة من التشويش الذهني والخلط المفاهيمي ، حيث يتعذر الحصول على أي معلومة دقيقة أو إفادة في الموضوع والمنهج!!

     وقد كان لهذه الحادثة وقعا قويا في نفسي وكنت في كل مرة تراودني هذه الأسئلة وقد تطورت إلى اسئلة وجودية: عن الكون... والإنسان.. والحياة..!!

     وجاءت مؤلفاتي لاحقا جوابا عليها: معرفة الله دلائل الحقائق القرآنية والكونية(1) ودين الفطرة: استنطاق الرياضبات والفيزياء بلغة انسانية(2). 

تائه يبحث: مدخل علمي الى  الايمان(3).

      هذا مثال بسيط فما بالك بالبرامج الأخرى في الابتدائية والثانوية والجامعة فلن تستطيع استيعابها لغياب وحدة في معالجة المواضيع المختلفة والمتشعبة ...حيث نسجل الانتقالات غير السليمة من فلسفة ، ورياضيات وفيزياء وعلم أحياء واقتصاد وقانون  وشريعة..الخ  وعدم تجانس تلك المواد مع المراحل العمرية والدراسية..ومواكبة هذا كله بروح العصر وفقه الواقع.!!

       لقد أصبح من الضروري  تجديد الاسلوب الدعوي والرد على الشبهات بالأدلة العقلية والعلمية والشرعية لا بتكفير اولائك الذين يسألون أسئلة وجودية!! بل مناقشتهم بالأدلة العقلية والعلمية...

      فمن غير المنطقي اليوم أن ينطق رجل الدين أمام الناس..أو أمام الطلاب بقضايا  قال بها الأولون، دون أن يحاول مزج المعرفة التقليدية للجديد الذي يمليه الواقع المعاش... !!

     وأكثر ما تتجلى هذه المعرفة التقليدية في علم التوحيد أو الكلام أو مباحث العقيدة على اختلاف المصطلحات. حيث يصر بعض الأساتذة على حكاية النزاع بين المعتزلة وأهل السنة، والفرق بين الأشاعرة والماتريديه، ووجهة نظر الشيعة والخوارج!!

    (وكل هذا يدور في حلقة مفرغة، بعيدة عن تفكير الشباب المتحول، لأن هذا الكلام قد أدى وظيفته على خير وجه، حين كان جزء من صراع عصرهم حول المفاهيم والقيم، فلما مضى عصره أصبح جزءا من تاريخ الفكر، لا أساسا من أساس النقاش الحي النابع من التجربة المعاشة. ولذلك يعجز هذا الكلام من إقناع ملحد، حديث بخطئه، لأن أسباب إلحاده ليست من موضوعات الكلام،!!

    فالجدل الحديث ينافش حتمية المادة، ووجود المادة الواقعية والمادة العقلية، والعلاقة بين المادة والحركة،  والاحتمالات الرياضية لتأثير الصدفة في نشأة الكون، وامتداده، وحتمية التطور. وحقيقة الوجود في ضوء الإدراك الجديد لنسبية الظواهر الكونية وأهمها الزمان، ذالك البعد الرابع الذي كشفه، اينشتاين..( 4)

      في ظل غياب  مراكز بحث علمية ، وأكادميات متخصصة  تتولى بحث كل ظاهرة أو مشكلة ومعرفة أسبابها!!

    وجب تذكير رئيس الجمهورية بجائزة شنقيط كثقافة تستحيب لمتطلبات العصر كونها تمثل جميع معارف العصر من دراسات إسلامية : فقه عقيدة  فكر إسلامي نوعي, إعجاز علمي..أصول,فقه, تاريخ اسلامي…الخ.

علوم وتقنيات: رياضيات, فيزياء , كيمياء , بيوكيمياء , بيولوجيا, هندسة وراثية, تقنيات معلوماتية….الخ

آداب وفنون : نحو , نقد, رواية قصة, شعر, دراسات تاريخية….الخ 

  وقد بلغ عدد المتحصلين عليها في نسختها  الأخيرة سنة 2022م 78 عملا من أصل حوالي 3000 كتابا تقدمت لنيل الجائزة منذ نشأتها سنة2001م.

     تذكيري لرئيس الجمهورية جاء بعد لقائي به في مهرجان المدائن بتشيت السنة الماضية وكنت قد سلمت له ملفا متكاملا عن الحاصلين على جائزة شنقيط بعد ان ناهزوا المائة وتطلعاتهم بانشاء أكاديمية للعلوم والمعارف وضرورة أداء واجبهم الوطني خاصة بعد ان أصبحت انواكشوط عاصمة للثقافة الاسلامية 2023م وعاصمة للثقافة العربية في سنة 2024م. ولاشك أن انشاء أكاديمية متخصصة في هذا الظرف مطلب للجميع.

    كما انه وانطلاقا من تخصصاتهم المختلفة يمكنهم صياغة المناهج التربوية والمقرارات المدرسية من جديد وتقديمها للطلاب في جميع المراحل التعليمية الابتدائية الثانوية والجامعة  كما يمكنهم تشخيص واقع التعليم وخاصة الجانب العقدي منه وتقديم توصيات مناسبة لاصلاح المنظومة التعليمية،والتربوية وإيجاد حلول لها والقضاء على الأفكار الدخيلة من الماسونية والالحاد.

الهوامش:

1)معرفة الله:دلائل الحقائق القرآنية والكونية ،المرابط ولد محمد لخديم تصدير :الشيخ العلامة حمدا ولد التاه: تقديم:الدكتور حسين عمر حمادة رئيس الدراسات والبحوث باتحاد الكتاب العرب فرع دمشق الطبعة الأولى دار الوثائق دمشق 2001م الطبعة الثانية دار وحي القلم سنة 2002م وهو الحاصل على جائزة شنقيط للدراسات الإسلامية في نسختها الثانية سنة2003م

(2) دين الفطرة: استنطاق الرياضيات والفيزياء بلغة انسانية من تصدير: الدكتور محمد المختار ولد اباه رئيس جامعة شنقيط العصرية، والمفكر الإسلامي سمير الحفناوي عضو اتحاد الكتاب والمثقفين العرب بمصر، وتقديم الأستاذ الدكتور أحمدو ولد محمد محمود مدير مشروع دكتوراه تخصص الفيزياء بكلية العلوم والتقنيات جامعة انواكشوط العصرية، تصدير: سماحة الشيخ الدكتور أمين العثماني عضو اللجنة التنفيذية بمجمع الفقه الإسلامي بنيودلهي الهند الطبعة الأولى مجمع الفقه الاسلامي بالهند 2010م الطبعة الثانية دار المعراج بيروت لبنان 2014م

(3): تائه يبحث: مدخل علمي الى الايمان، تأليف مشترك مع الشيخ العلامة حمدا ولد التاه.(تحت الطبع).

(4)الإسلام يتحدى: وحيد الدين خان، ترجمة، ظفر الإسلام خان، (مدخل علمي إلى الإيمان)، مراجعة وتقديم، الدكتور عبد الصبور شاهين، الطبعة الثانية، المختار الإسلامي 1964 من المقدمة التي وضعها الدكتور عبد الصبور شاهين) (بالتصرف).