شكلت تجربة مدارس الامتياز ونجاحها الباهر وسام إعادة اعتبار للمدرسة العمومية الموريتانية التي تعرضت على مدار عقود لتمييع شبه ممنهج تمثل في استنزاف كوادرها البشرية إما تفريغا أو إعارة أو استقطابا من طرف المدارس الخاصة، نتيجة الوضعية المزرية التي وجد المدرس نفسه فيها بفعل جمود الرواتب وضعف التحفيزات وضئالة العلوات، والاهمال التام اللبنية التحتية المدرسية إضافة لعوامل أخرى لا يتسع المجال لسردها، ما نتج عنه مع مرور السنوات تحول قطاع التعليم إلى أبرز ميدان يجسد التفاوت الاجتماعي بين مكونات وطبقات المجتمع الموريتاني، فعمق هذا الواقع من معضلات لا يزال القطاع يغالب لرفع إرثها الثقيل، منها تدني المستويات والتسرب المدرسي وإزدراء مهنة التدريس، وقد ترتب عن ذلك منمشاكل سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية ما صارت تهديد لمستقبل أجيالنا ووحدتنا الوطنية، الأمر الذي يتطلب منا جميعا التفكير في وضع حلول ناجعة تسهم في ترقية التعليم وتطويره.
إن التوجه لتعميم مدرسة جمهورية قادرة على تكوين أجيال الوطن تحت سقف واحد- يتلقون تعليم نموذجي قائم على طرق وأساليب التدريس الحديثة ويتشربون من خلاله القيم الوطنية السامية- يمر حتما وأولا من خلال التحول نحو مدارس امتياز جمهورية وتلك مهمة نبيلة رغم ما قد يعترض سبيلها من معوقات جمة يمكن تفاديها من خلال وضع خطة عمل تشاركية بإشراف عالي المستوى من أجل وضع القطار على السكة مع الافتتاح الدراسي القادم، ويمكن ذلك من خلال:
تشكيل لجنة وزارية مهمتها تشكيل والإشراف على عمل لجان على مستوى الولايات تنبثق عنها لجان مقاطعية ميدانية تتشكل من ممثل عن المقاطعة وممثل عن البلدية وممثل عن وزارة التهذيب وممثلين عن منظمات المجتمالمدني وممثلين عن نقابات التعليم حيث ستتمحور مهمة هذه اللجان الميدانية في زيارة أحياء المقاطعات، مستهدفة الأسر الهشة التي لديها أبناء بلغوا سن الولوج المدرسي من أجل تسجيلهم في الحصة المخصصة لهذه العملية والتي يجب أن تكون مقدار ثلث الطاقة الاستيعابية لأقسام السنة الأولى ابتدائية في كل مدرسة امتياز، وكذلك تسجيل الأطفال المنحدرين من الطبقات المغبونة والذين تشير كشوفات الامتحان الأخير للعام الدراسي المنصرم إلى تفوقهم في الامتحانات النهائية لمختلف الأقسام وذلك لدمجهم في مدارس الامتياز على أن تتم زيادة الطاقة الاستيعابية لمدارس الامتياز بنحو الثلث، بذلك تكون مدارس الامتياز مؤهلة للتصنيف كمدرسة جمهورية وفق لمعايير تكافئ الفرص والتنوع، وستستطيع مع ذلك المحافظة على الجودة والتميز.
إن الإرادة الجادة لإصلاح هذا القطاع التي مرت على بزوقها سنوات يجب أن يتم دفعها من جديد من خلال اتخاذ إجراءات جدية تدفع بالاصلاح إلى بلوغ هدفه المنشود في المستقبل المنظور ولن يتأتى ذلك دون مواصلة سنة التشاور بين الفاعلين المعنيين بالقطاع وكذلك تبني كل الأفكار التي قد تسهم في وضع ولو لبنة واحدة في صرح هذا القطاع الحيوي الهام الذي يُعنى بالحفاظ على أهم ثروة وطنية وهي الثروة البشرية التي يعتبر الاستثمار في تعليم الأجيال جوهرها.