قراءة في خطاب فخامة رئيس الجمهورية في الجمعية العامة للأمم المتحدة- التار ولد أحمده

لم يأتِ حضور بلادنا لاجتماعات الدورة الـ78 للجمعية العامة للأمم المتحدة لكونها عضوا في المنظمة الدولية فحسب، وليس لمجرد تسجيل الحضور، ولا لملء المقعد الشاغر، وإنما حضرت لأنها تمتلك رؤيةً إستراتيجيةً محكمةً كفيلة بأن تضع معالمَ محددةً للطريقة المُثلى لما يجب أن يكون عليه التعاون والتنسيق في مواجهة التحديات التي تُحدق بالمجتمع الدولي ككيانٍ واحد.
 حضر فخامة الرئيس وهو يمتلك رؤية واضحة لتعزيز التعاون الدولي، وإثراء النقاش البناء والتخطيط الأممي الهادف إلى تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز الأمن والسلم الدوليين، وقد كان ذلك جليا من خلال اللقاءات المكثفة التي أجراها فخامته مع ممثلي مختلف الدول والمنظمات الدولية والإقليمية، وتناولت قضايا في غاية الأهمية.
من هذه المنطلقات جاء خطاب فخامته الذي امتاز بكونه جاء عدْلاً وسطاً ليس به ذلك الإسهاب المُمل ولا الاختصار المُخل، معبراً عن تطلعات وطموحات الشعب الموريتاني وشعوب المنطقة الإفريقية وكل دول العالم الثالث، استعرض فيها التحديات، وكشف العراقيل، وأظهر المشاكل، واقترح الحلول.
 تحدث فخامة الرئيس في خطابه عن رؤية بلادنا لحل المشاكل الاقتصادية، وعن المستويات التي قطعتها في سبيل تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وعكس مجموعة من الحقائق الهامة، حول الأوضاع المعقدة التي يعيشها العالم، والتي تُلقي بالكثير من الظلال القاتمة على بعض الشعوب، داعيا إلى مراجعة السياسات التنموية لتكون أكثر رأفة بتلك الشعوب حيث قال: "على الرغم من قتامة هذا المشهد، لا يزال الأمل في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، قائما، لكنه أمل رهين بقدرتنا الجماعية على تدشين مسارات جديدة للتعاون المتعدد الأطراف، وتصحيح ما تنطوي عليه، منظومة المساعدة الإنمائية من اختلالات، واستحداث آليات أكثر نجاعة في توفير الموارد الضرورية لتمويل التنمية المستدامة. ولذا فإن الدورة الحالية للجمعية العامة للأمم المتحدة ذات أهمية بالغة، لما تتيحه من مراجعة عند منتصف المسار، لتنفيذ أهداف التنمية المستدامة، والتداول حول أمثل السبل لتسريع وتيرته".
أفرد فخامته حيزاً معتبراً استعرض فيه بعض الإنجازات التنموية المشهودة التي حققتها بلادنا رغم الأوضاع الصحية والاقتصادية والأمنية العالمية غير المواتية فقال: "كافحنا الفقر والهشاشة والإقصاء من خلال بناء شبكة أمان اجتماعي واسعة، تعزز صمود مواطنينا الأكثر هشاشة، وتدعم قدرتهم الشرائية بصيغ متنوعة، وتوسع الضمان الصحي الاجتماعي على نحو يؤدي تدريجيا إلى ضمان صحي شامل.
 
كما أجرينا إصلاحات هيكلية تساعد على بناء اقتصاد متنوع أقوى صمودا، وأقدر على خلق فرص العمل وإنتاج القيمة المضافة، وعززنا الحكامة في المجال الاقتصادي، والمالي والنقدي مع الحرص على ترقية قطاعاتنا الإنتاجية من زراعة وصيد وتنمية حيوانية، سعيا إلى تعزيز أمننا الغذائي وتحقيق الاكتفاء الذاتي".
فخامته أبرز أن من بين المشاكل الاقتصادية الجمة التي تعاني منها عدة شعوب وتشكل عائقاً كبيراً وتحدياً خطيراً أمام النهوض باقتصاداتها، مشكل المديونية، داعيا إلى إيجاد حل جذري لها: "إننا ندعو إلى إيجاد حل لمشكل المديونية، ومراجعة منظومة المساعدة الإنمائية، وتحفيز الدعم لصالح الدول الأقل نموا، والأكثر هشاشة وترقية التعاون المتعدد الأطراف".

كما أشار صاحب الفخامة إلى أن بلادنا تعمل دون كلل لتحقيق أهداف المنظمة ومبادئها، وفي مقدمة ذلك الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، ودعم جهود التنمية الدولية، وتعزيز حقوق الإنسان وترسيخها، والمشاركة في الجهود والمبادرات الجماعية لمعالجة التحديات التي تواجه العالم، داعيا إلى السعي إلى إصلاح هذه المنظومة الأممية المهمة: "ومنظمتنا، منظمة الأمم المتحدة، ترجمة مؤسسية لوعينا بوحدة المصير وإلزامية التعاون والتعاضد، في رفع تحدياتنا المشتركة، وفقا للقيم الإنسانية الجامعة.
وعلى هذا الاساس، يتعين علينا العمل، معا، وباستمرار على إصلاحها، لتصير مقاربتها للأزمات الدولية، يوما بعد آخر، أكثر توازنا، وإنصافا، ومراعاة للدول الأقل نموا، فيطرِد ازدياد ثقة الجميع بها، وتتحسن نجاعة عملها، في سبيل تعزيز السلم، والأمن الدولبين، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة".

لم يخلُ خطاب فخامته -كما هو دأبه في كل خطاب- من التأكيد على موقف بلادنا المبدئي والمعروف من القضية الفلسطينية، والتعبير عن موقفنا من بعض القضايا التي تعرفها بعض دول العالم: "إنني أجدد من هذا المنبر، تأكيدنا على حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولة مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، وفقا لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، ومبادرة السلام العربية، وكذلك تمسكنا بالحلول التي تحفظ الوحدة الترابية، وترسي دعائم الاستقرار والأمن، في كل من ليبيا، واليمن، وسوريا".

كما أكد على موقفنا الثابت الرافض لاستخدام القوة للسيطرة على الحكم داعيا  دول الساحل الشقيقة، التي شهدت انقلابات عسكرية للإسراع في العودة إلى وضع دستوري سليم.

 خطاب فخامة الرئيس كان ترجمة أمينة لهموم شعوب العالم، ونَقَل معاناة ملايين البشر من الذين لا صوت لهم، ليس هذا فحسب، إنما قدم أيضا ما يمكن اعتباره خريطة عمل، أو بوصلة طريق، للوصول إلى بر الأمان، عبر تقديمه لحلول واقعية مرنة وسلسة وناجعة.