لئن كان الوفاء بالعهد ركنا ركينا وأساسا لبناء الثقة بين الناس، فقد ظل أيضا سمة بارزة ونهجا قويما اتسم به فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني منذ أن قرر الترشح لنيل ثقة الشعب الموريتاني، فسمى برنامجه الانتخابي به، وبدأ في تطبيق ما ضمنه فيه مما ينفع الناس ويمكث في الأرض مباشرة بعد توليه مقاليد الحكم، وقد نال المجال الدبلوماسي حظه من تطبيق تلك التعهدات، يُعضده في ذلك عزم فخامته على تطوير دبلوماسية ديناميكية وفاعلة انسجاما مع تقاليد بلادنا في مجال حسن الجوار، وسعيها دوما إلى تحقيق التوافق والعمل من أجل الحفاظ على السلم والأمن، فتوالت النجاحات الدبلوماسية، وتسنمت بلادنا ولا تزال المناصب الدولية السامقة، وأصبحت أعناق المنظومة الدولية تشرئب لتعزيز التعاون مع بلادنا لما لمسته من تحسن مطرد طرأ على حكامتها خلال الأربع سنوات الماضية، ولعل خطاب فخامة رئيس الجمهورية، الذي ألقاه أمام الدورة الـ 78 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك خير الشواهد على ذلك.
فقد أبان فخامته في خطابه المليء بالمعاني، الزاخر بالعبر والحكم البالغة، فضلا عن كونه واثق النبرة، صادق العاطفة عن وعي تام، ودراية منقطعة النظير بما يجتاح عالمنا اليوم من أزمات حادة ومتنوعة قال بالحرف الواحد "إنها تؤكد بفعل تداخلاتها وتغذية بعضها لبعض وشمول آثارها السلبية على الجميع وإن بنسب متفاوتة عمق ترابط مصائرنا جميعا وحاجتنا الملحة إلى الإسراع في تنفيذ أهداف التنمية المستدامة طبقا لما التزمنا به جماعيا في إطار أجندة 2030، داعيا في الوقت ذاته المجتمع الدولي إلى تدشين مسارات جديدة للتعاون متعدد الأطراف، وتصحيح ما تنطوي عليه منظومة المساعدة الإنمائية من الاختلالات، واستحداث آليات أكثر نجاعة في توفير الموارد الضرورية لتمويل التنمية المستدامة".
ولعل ابلغ تصور لتجسيد الدبلوماسية الديناميكية والفعالة، وانطلاقا من انتماء بلادنا للمغرب العربي ولإفريقيا بصورة أعم جاء تضامن فخامته مع القضايا العادلة كما هو دأبه، فجدد تأكيد بلادنا على وقوفها إلى جانب الشعب الفلسطيني الشقيق، وحقه في إقامة دولة مستقلة عاصمتها القدس الشرقية وفقا لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة ومبادرة السلام العربية، دون أن ينسى تمسك بلادنا بالحلول التي تحفظ الوحدة الترابية وترسي دعائم الاستقرار والأمن في كل من ليبيا واليمن وسوريا، فضلا عن دعوته المجتمع الدولي إلى بذل كل الجهود الممكنة لوقف الاعمال القتالية بشكل دائم وفعال في جمهورية السودان والتأسيس لحل سياسي شامل فيها، معلنا في الوقت ذاته الوقوف إلى جانب الحكومة الصومالية في سعيها إلى تحقيق الأمن والاستقرار، ومجددا موقف بلادنا الثابت من النزاع في الصحراء الغربية ودعمها لجهود الأمم المتحدة ولكل قرارات مجلس الأمن ذات الصلة الرامية إلى إيجاد حل مستدام ومقبول لدى الجميع.
وانطلاقا من الاستثناء الذي مثلته بلادنا في منطقة الساحل من ناحية القدرة على التكيف مع ظروف المنطقة الطارئة بشهادة المجتمع الدولي، من خلال لعب دورها المحوري المرتكز على ثنائية الأمن والتنمية، ونجاحها خلال تولي فخامة رئيس الجمهورية للرئاسة الدورية لمجموعة دول الساحل الخمس، حيث كانت بلادنا محل إشادة وتثمين من قبل الشركاء الدوليين، بعد تبنيها لاستراتيجية أمنية مندمجة ومتكاملة مكنتها من العمل على استعادة الأمن والاستقرار في شبه المنطقة عبر مجموعة دول الساحل الخمس، ومشاركتها في قوات حفظ السلام الأممية في جمهورية إفريقيا الوسطى، واحتضانها لـ 100 ألف أو يزيدون من أشقائنا الماليين اللاجئين بسبب الاضطرابات الأمنية.
ولعل حرص فخامة رئيس الجمهورية على تبني بلادنا لإطار مرجعي لعملها الإنمائي العمومي هو ما مكنها من قطع أشواط كبيرة في مكافحة الفقر والهشاشة والإقصاء من خلال بناء شبكة أمان اجتماعي واسعة تعزز صمود مواطنينا الأكثر هشاشة، وتدعم قدرتهم الشرائية بصيغ متنوعة وتوسع الضمان الصحي والاجتماعي على نحو يؤدي تدريجيا إلى ضمان صحي شامل، فضلا عن الإصلاحات الهيكلية التي تساعد على بناء اقتصاد متنوع أقوى صمودا وأقدر على خلق فرص العمل وإنتاج قيمة مضافة.
وبما أن خدمة المواطنين وضمان العيش الكريم لهم من آكد أولويات فخامته فقد مكنت جملة المشاريع الإصلاحية التي تم إطلاقها خلال السنوات الأربعة الماضية من تحسين نسب النفاذ إلى الخدمات الأساسية، حيث بلغت نسبة النفاذ إلى الماء الصالح للشرب 72.33%، وإلى الكهرباء 91.84% في الوسط الحضري، و53% على مجمل التراب الوطني، مع زيادة حصة الطاقات المتجددة في مجال الاستهلال الطاقوي، حيث وصلت إلى 34% في سنة 2020، مع التخطيط للوصول إلى نسبة 50% سنة 2030، ولم يكتف القائمون على الشأن العام بذلك فحسب بل وسعوا الآفاق في هذا المجال، حيث قطعت بلادنا أشواطا متقدمة من خلال إطلاقها لبرنامج واسع لتطوير الهيدروجين الأخضر، سيوفر هو الآخر مصدرا بديلا ومستداما لطاقة نظيفة، فضلا عن خفضه للانبعاثات الكربونية بنسبة 11%.
ولا ريب أن العناية الكبيرة التي يوليها فحامة رئيس الجمهورية للاستثمار في رأس المال البشري آتت أكلها مبكرا، فتم رسم وتنفيذ برامج عديدة لتكوين الشباب وتأهيله وتمكينه من ولوج سوق العمل وحمايته من الغلو والتطرف، بالإضافة إلى برامج أخرى خاصة بتمكين المرأة وإشراكها بقوة في الحياة السياسية وتسيير الشأن العام، ينضاف إلى ذلك حرص فخامته على ترقية حقوق الانسان وحماية المرأة والطفل ومحاربة الاسترقاق في أشكاله العصرية ومخلفاته القديمة.
وانطلاقا من شروعه فخامته المبكر في إرساء قواعد المدرسة التي طالما حلمنا بها لأجيالنا الصاعدة، فقد عملت بلادنا ولا تزال على تنفيذ إصلاحات واعدة لمنظومتنا التربوية هدفها بناء مدرسة جمهورية تتيح لكافة أبنائنا الاستفادة من تعليم ذي جودة عالية في ظروف حسنة متماثلة، رُصدت لها الإمكانيات الكفيلة بتطبيقها وتجسيدها واقعا ملموسا، صاحبت ذلك جهود حثيثة لإذابة الفوارق، كان آخرها توجيه فخامة رئيس الجمهورية تعليماته السامية لوزارة التهذيب الوطني وإصلاح النظام التعليمي بالعمل بشكل فوري على توسيع قاعدة المستفيدين من مدارس الامتياز، وفتح أبواب المدارس المتميزة أمام أبناء الأسر المدرجة في قاعدة بيانات السجل الاجتماعي، كما وجه فخامته بضرورة تصميم برنامج دعم وتقوية خاص بهذه الفئة، حتى تتمكن من مجاراة بقية نظرائها في هذه الأقسام.
ومن اللافت أن ما يميز كل هذه الإصلاحات كونها تمت في كنف دولة القانون والحكامة الرشيدة التي أرسيت دعائمها، بعد أن وُطدت اللحمة الاجتماعية، ورُسخت الحريات الفردية والجماعية في ظل مناخ سياسي هادئ طبعه الحوار والانفتاح على الجميع بوصفه نهجا ثابتا في تسيير الشأن العام، صاحب ذلك إصلاح عميق لمنظومتنا القضائية ترسيخا لاستقلالية السلطات وتكريسا للفصل بينها، مع أن كل هذه الإصلاحات لم تمنع زمرة المفسدين وظهيرها ممن لا يريدون الخير لبلادنا من مواصلة تزييفهم للحقائق، وطمسهم للإنجازات الشاهدة، لكن هيهات أن تذبل جذوة أمل بناء وطننا الحبيب، ومعاذ الله أن يخذل الله ربان سفينة التعهدات، التي ظلت ولا تزال تمخر عباب بحر متلاطم مليء بتراكمات الفساد، الذي صُفد مردته مع بداية هذا العهد الميمون، فلنركب سفينة أمان وطننا ملتفين خلف فخامة رئيس الجمهورية داعمين إياه، وداعينه إلى مواصلة نهجه القويم، بعد أربع سنوات خُضر، ظلت وتيرة التعمير والبناء خلالها متواصلة رغم شُح الموارد، والظرف الدولي بالغ التعقيد.