عاد قانون النوع إلى احتلال مساحة جديدة من الجدل، بعد أن أنهت وزارة العدل في موريتانيا الجلسات النقاشية للنسخة الثالثة والأخيرة من القانون الذي يمثل إقراره رهانا أساسيا لدى منظمات غربية متعددة، وذلك وفق ما أكدته مصادر متعددة من ضغوط ومناشدة من سفيرة غربية، لنواب برلمانيين موريتانيين من أجل التصويت لإقرار هذا القانون، زيادة على زيارة خبيرات الأمم المتحدة المتخصصات في مجال النوع إلى موريتانيا.
وينضاف إلى ذلك ضغط أمريكي خلال السنة المنصرمة حيث ساءل المندوب الأمريكي المكلف بمنطقة الساحل وزير العدل الموريتاني حول قانون النوع، ومالذي يؤخر إقراره.
وإلى جانب ذلك تعمل جمعيات حقوقية موريتانيا منذ سنوات من أجل إقرار هذا القانون، بزعمها حمايته للمرأة ومواجهة لما يرونه انتشارا متصاعدا للعنف ضد النساء.
أليس من الأجدر بالحكومة أن تعامل المواطن العادي معاملة تليق، ولعله من المخجل أن لايستطيع المواطن قضاء حوائجه من إدارة ما، ليس له فيها معارف، فأين تقريب الإدارة من المواطن.
ويتسائل البعض إن كان الموريتاني العادي الذي لايجد قوت يومه، ويعاني بلده من خلل قانوي يطال جوانب الحياة المختلفة كملكية الأرض وطريقة تحصيل المواطن العادي لقطعة منها، وكالحاجة لتحيين قانون الصفقات الذي يمكن وصفه بالتخلف.
وكالحاجة لمحاكم مختصة في قضايا الأسرة، منطلقة منا ومن واقع مجتمعنا وقيمنا التي أرسى الدين قواعدها، بعيدا عن تخريصات بعض الضعاف الذين لايحملون فكرا ولارأيا وإنما يمثلون أجندات المسخ الغربي البغيض.
وكالحاجة لتعليم أطفالنا من أبناء كل الشرائح وفي مقدمتهم أبناء شريحة لحراطين الذين يعانون من ضعف التعليم قبل غيرهم.
وكوضعية السجون المزرية التي أصبحت من وجهة نظر الكثيرين مرصادا للظاغين، ومدرسة لتأهل الجريمة.
وقبل ذلك، ألم يكن الأجدر التفكير في تطبيق صحيح القانون بحق القتلة والجناة الذين خرج بعضهم من السجن وماتزال دماء ضحاياهم لم تجف، وإلا فما قيمة القانون إذا ظل كعرائس الشمع، وفي أدراج المحاكم.
قانون النوع ...هل يجيز البرلمان النسخة الثالثة
أعادت الجهة القانونية المشرفة على إعداد قانون النوع تنقيحه للمرة الثالثة، قبل أن تصر في الأخيرة على ما ترى أنه النسخة الأكثر توافقا مع الشريعة الإسلامية، وهو ما ترفضه شخصيات علمية متعددة، رأت فيه محاولة جديدة لتدمير الأسرة وتحطيم انتظامها الديني وقوامة الوكيل الشرعي.
ومن أبرز الملاحظات التي سجلها فقهاء وقانونيون على القانون الجديد: (إذا تجاوزنا فلسفة العقوبة)
- فلسفة القانون: وانتماؤه إلى مجموعة من القوانين التي تسعى الدول الغربية إلى فرضها وتطبيقها بشكل حرفي في مختلف أنحاء العالم، مستوردة بذلك القيم والصراعات التي تعيشها الأسر الغربية، والفلسفة السائدة التي تعمل على تحطيم البيت، والتي تحطم بشكل مستمر المجتمع والأسرة الغربية، المدمرة التي هي أسوء نموذج وبعده عن الواقعية والبيت السعيد.
- ضبابية التعريفات: حيث تقدم تقديم العنف ضد المرأة في تبوبيات مختلفة منها العنف الاقتصادي- الجنسي- العنف المعنوي
- ضرب قوامة الوكيل الشرعي: حيث حدد القانون مجموعات من العقوبات المتعددة، تزداد ضراوتها دائما ضد الوكيل الشرعي من زوج أو أب أو محرم.
- فتح الباب أمام التهم الجزافية: فعلى سبيل المثال تعتبر المادة: 25 مجرد اللمس الجنسي المتكرر من المحارم محاولة للاغتصاب، وهو ما قد يفتح الباب للبنات المنحرفات لاتهام وكلائهم الشرعيين من آباء بمحاولة الاغتصاب وجرجرتهم إلى العدالة.
- ضبابية مفهوم الخطف والاحتجاز في المادة 28 من القانون، وهو ما قد يفتح الباب أمام البنات الراغبات في الخروج عن الوصاية الشرعية وادعاء أنهن تحت الاحتجاز والخطف.
- الإكراه على الزواج: وهو ما يعني أيضا كسر القوامة الشرعية للوالدين، ويمنح البنات الحق في رفض الزواج بمجرد عدم رضاهن عن اختيار الوالدين، وهو ما قد تنتج عنه كوارث كما حدث سنة 2007 عندما تقدمت فتاة موريتانية مقيمة في إسبانيا بشكوى ضد والديها، لأنهما زوجاها وهي في الرابعة عشرة من عمرها، وقد تم سجن الوالدين عدة سنوات.
- وصاية المنظمات الحقوقية: التي أصبح بإمكانها أن تأخذ الإسناد القانوني للضحايا المزعومات، وهو ما قد يزيد من تعقيد النزاع.
خلاف بين أعضاء مجلس الإفتاء
وفي جانب النقاش الشرعي أكدت مصادر قوية لموقع الفكر وجود خلاف قوي بين أعضاء مجلس الإفتاء-(النظام الحاكم لعمل مجلس الإفتاء هو الإفتاء وفق مشهور المذهب المالكي، فأين هي الغرامات المالية، من مشهور المذهب) في موريتانيا بشأن القانون المذكور، حيث ذهب عدد من أعضاء المجلس إلى اعتبار هذه النسخة الثالثة مخالفة للشريعة ولا يمكن تنظيفها، فيما ذهب رئيس المجلس وبعض أعضائه الآخرين إلى محاولة تنقيح القانون، حيث قدم المجلس عبر رئيسه مذكرة حول القانون، كما قدم أكثر من 17 تعديلا لمواد القانون.
وفي كلمة لرئيس مجلس الإفتاء الفقيه اسلم ولد سيدي المصطف قال " قد حورنا بعض المواد القانونية، واقترحنا إلغاء بعض المواد التي رأينا أنها لا يمكن تهذيبها، وأَحَلْنَا إلى مسؤولية الدولة ما كان مسندا لغيرها ثقة منا بالحكومة الموريتانية، وكنا نرى - ولا زلنا - أن مدونة قانون الأحوال الشخصية لا ينبغي أن تطالها يد التغيير من خلال هذا القانون، لأنها في حقيقة أمرها تنظيم ديني بحت، منظم بالقرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة، وأنه إذا كان القائمون على الأمر يرون ضرورة تحسينها ، أو تحيينها فإن ذلك ينبغي أن يكون من خلال مراجعتها هي نفسها مراجعة عامة، لا من خلال هذا القانون لما في ذلك من تشرذمها، وتعريضها للتبديل، لا للتهذيب، أو للتحسين."
وتؤكد المصادر أن عددا من التعديلات التي تقدم بها مجلس الإفتاء تم رفضها من اللجنة المعدة للقانون في وزارة العدل.
فيما أكد مصدر مطلع من وزارة الطفولة لموقع الفكر أن الورشات الأخيرة شهدت تعديل 90% من مواد القانون الجديد، وأن المحاضر والتعديلات بين يدي القضاة.
المدافعون عن القانون: يسد ثغرة ويحمي المرأة
يزعم عدد المدافعين عن القانون إلى أنه يسد ثغرة تشريعية، فيما يتعلق بالاغتصاب( متناسين ما ورد في كتاب الموطأ)، والتحرش الجنسي والابتزاز الذي تتعرض له المرأة والفتاة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كما قد يحل بعض الإشكالات المتعلقة بالعضل ومنع الفتيات من الإرث، أو الاعتداءت الجسدية على الزوجات، حيث تنتشر بعض هذه الممارسات في عدد من القوميات الموريتانية، وخصوصا القوميات الزنجية.
ويرى المدافعون عن القانون أن نسخته الأخيرة حظيت بنقاش كبير شارك فيها العلماء والقانونيون والحقوقيون، وأبدى الجميع آراءه بوضوح، وتم الأخذ بتوصيات العلماء في التعديلات المرتقب إدخالها على القانون
وبين الرافضين والمدافعين يظهر أن القانون الجديد سيضفي من التأزيم على المشهد العام وعلاقة السلطة بالهيئات العلمية والقوى الدينية أكثر مما يمكن أن يسد من ثغرات التشريع.