لقد سحب الفرنسيون قواتهم من مالى وبوركينا فاسو وهم فى طريق اتخاذ قرار مشابه فى النيجر، ولملمت المنظومة الدولية آخر أوراق الشراكة المحتملة مع الحكام العسكريين فى مالى، وأغلقت معسكرها، وأعادت أتشاد إنتشار القوات أتشادية فى ظرفية إقليمية معقدة، بعد أن فرض الماليون ذلك، تاركين خلفهم قدرا من التضحية فى جبال آفوغاس، لم تر الحكومة المالية الجديدة حاجة لحفظه وتثمينه، معتقدة – وهي خاطئة دون شك- أن المرتزقة الروس قادرون على ملإ الفراغ الذى تركه الأشقاء والحلفاء، وإسكات الأصوات الأزوادية المطالبة بالتحرير، أو تصفية الحركات الجهادية الحالمة بالإنتقام لقتلى الإجتياح الغربي والإيفريقى لشمال مالى منذ 2012، مستفيدين من عزل باماكو لنفسها عن محيط، شكل عامل إسناد وقوة لقواتها أكثر من مرة، وتولى عنها فى العديد من الأوقات سبر أغوار الجبهات الساخنة والتضحية بخيرة ضباطه وجنوده، والتصدى للإرهاب فى عقر داره، وضرب منظومته التحتية دون هوادة وشل قدرته على التحرك بأريحية، عبر القوة الناعمة التى يتمتع بها، والتأثير العابر للحدود.
لقد كان مؤلما لنا كجيران للشعب المالى ما آلت إليه الأمور من قتل وإستباحة للأراضى فى "غاو" و"تيمبكتو" و"ليره" و"جوارا" وأرشان" خلال الأيام الأخيرة، وتساقط معسكرات الجيس المالى أمام قوات "نصرة الإسلام والمسلمين"والجيش الأزوادي" وينتاب القلق كل الحالمين بغد أفضل لدول الساحل، من إنهيار الوضع الأمنى فى بلدان، تشكل عامل إطمئنان للكل، ونتقاسم معها الحدود والتاريخ والقيم والعادات، ونستشعر بألم كل مايمسها من أذى، ولو كنا غير قادرين على المساهمة فى إخماد الحريق الذى شب، بعدما أدارت لنا الظهر، وفتحت أبوابها للغير، وقلصت مساحة التحالف الذى تعتقد بأنه قادر على حماية أرضها ومؤسساتها السياسية والأمنية والإقتصادية، كما قال الرئيس الإنتقالى فى تغريدته يوم السابع عشر من سبتمبر 2023 حينما غرد قائلا" لقد وقعت اليوم مع رئيسي بوركينا فاسو والنيجرعلى ميثاق ليبتاكو-جورما لإنشاء تحالف دول الساحل بهدف إنشاء إطار للدفاع الجماعي والمساعدة المتبادلة".
لقد أستمعنا لوزير الدفاع المالى عبد الله ديوب وهو يتحدث بفخر عن الميثاق الجديد. قائلا إن "أي اعتداء على سيادة ووحدة أراضي طرف متعاقد أو أكثر يعتبر عدوانا على الأطراف الأخرى يستوجب تقديم المساعدة، بما في ذلك استخدام القوة المسلحة لاستعادة الأمن وضمانه". لكن ماتجاهله الوزير وهو يرسم ملامح تحالف هش ، أن شعب مالي والقائمين عليه يحتاج دوما إلى مساعدة طرف ثالث اسمه موريتانيا، أكثر من حاجته إلى إستجداء المساعدة من بوركينافاسو الباحثة عن تحرير أراضيها من قبضة القاعدة وأخواتها، أوالنيجر المحاصرة من أقرب المقربين إليها (نيجيريا وبنين)، إن من لايستطيع توفير الكهرباء للمنشآت الرسمية ولايمكنه فرض قراراته السيادية، يكون من العبث التفريط فى الشريك المجرب لصالحه، ومن ظن أنه بقرارات من هذا القبيل يمكنه حمل الموريتانيين على الإعتراف بالتغيير غير الدستوري الذى قاده جد واهم، تماما كما لايمكن للغير إستخدامها لتقويض الإستقرار فى دول الإقليم بدعوى فرض الديمقراطية وحماية المؤسسات الدستورية.
إن الأوضاع الحالية تتطلب من عقلاء المنطقة وشركائها المهتمين بإستقرارها التحرك بشكل فورى لمواجهة الأوضاع الحالية، والتحضير الجيد لقادم الأيام، فلن يستطيع الجيش المالى لوحدة الصمود أكثر من شهرين فى الشمال أمام الضربات المتتالية للحركات الجهادية بالساحل والحصار المفروض على تيمبكتو- إذا أستمرت الأمور على هذه الوتيرة-، ولن يكون للتحالف المعلن بين الدول الثلاثة من دور غير ماتم يوم توقيعه ( تشتيت جهود الحلفاء ودق إسفين فى سفينةى مشتركة بذل الكثير من الوقت والجهد والمال للنهوض بها) ، ونحن نعرف أكثر من غيرنا بأن القوات المالية إذا أمام الحركات الجهادية للمرة الثانية، فستكون المنطقة بالكامل أمام وضع جد معقد، وتركة ثقيلة لايمكن مواجهتها دون تقديم تكاليف باهظة فى الأرواح والمعدات. إن الحريق إذا أستفحل صعب إخماده، والبنيان الذى ستعيد بنائه إذا أنهار يجب عليك أن تتحرك لترميمه قبل إنهياره..