الأزمة في منطقة الساحل: فرصة لفرنسا لتتساءل: ما هي مصالحها في افريقيا؟- ترجمة موقع الفكر

في هذا الحوار، يحلل المدير الإقليمي لشرق افريقيا في معهد الدراسات الأمنية، بول سيمون هاندي، أسباب الانتكاسة الفرنسية في النيجر وعلى نطاق أوسع في منطقة الساحل.

س: بعد الانسحاب من مالي وبوركينا فاسو، هل يعتبر الانسحاب المعلن للجنود الفرنسيين من النيجر فشلا سياسيا لباريس؟
على أية حال إنه انسحاب مهين. ان الموقف المتعنت الذي اتخذه إيمانويل ماكرون، الداعم للخط المتشدد ضد الانقلابيين منذ بداية الأزمة، يبشر بنتيجتين فقط: الصدام مع الجيش النيجيري أو الرحيل القسري.
 في البداية، كان الدعم للرئيس بازوم مشروعا، لأن الاتحاد الأفريقي والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (الإيكواس) يسيران على هذا الخط، لكن عندما يحدث تغيير في النظام - حتى ولو كان غير قانوني- يتعين علينا أن نكون واقعيين. 
ورغم أن الموقف الفرنسي جدير بالثناء، إلا أنه أخطأ بسبب غياب البراغماتية السياسية الدبلوماسية.

س: ماذا كشفت هذه الأزمة بخصوص وضع سياسة فرنسا الإفريقية؟
كشفت تناقضات هذه السياسة الواضحة: فرنسا تزعم أنها تدخلت عسكريا في منطقة الساحل لمحاربة الإرهاب بناء على طلب السلطات وليس لحماية الرؤساء، ولكن عندما أمرها الانقلابيون بسحب قواتها، أرادت إنقاذ الكرسي الرئاسي وضمانه لرئيس دولة النيجر المخلوع. 
في نهاية المطاف، خسرت باريس على الجبهتين: لم تعد موجودة لمحاربة الإرهاب وفشلت في مساعدة زعيم كان يعتبر أحد آخر حلفائها في منطقة الساحل.

س:هل يشكل هذا الانسحاب نقطة تحول في سياسة فرنسا الإفريقية؟
نعم، وهذه فرصة لفرنسا لكي تطرح على نفسها أسئلة جوهرية: ما هي مصالحها في أفريقيا؟ كيف يمكنها تبرير وجود القواعد العسكرية اليوم؟ ولحماية من؟.
يتعين على فرنسا أن تقدم إجابات واضحة، بعيداً عن الخطاب الأخلاقي حول الدفاع عن الديمقراطية الغارقة في التناقضات.

س: ماذا يستفيد المجلس العسكري النيجري من الانسحاب الفرنسي الذي اعتبره "انتصارا"؟
لا شيء على الإطلاق لأن الانقلابيين يفتقرون تماما إلى الوضوح السياسي.
 لقد حققوا إنجازًا يتمثل في الغضب من الدول المجاورة، مثل الاتحاد الأفريقي والإيكواس لكن حلفاؤهم الوحيدون - مالي وغينيا وبوركينا فاسو - هم أنظمة منبوذة وانقلابية. 
إن التحالف مع باماكو وواغادوغو أمر مثير للسخرية في هذا الصدد. بحكم ان إضافة التحالف مع الضعفاء لا تخلق قوة. 
كيف يمكن لدول فشلت في طرد الجماعات المتطرفة العنيفة من ديارها أن تصبح قوة مشتركة؟

س: هل يعتبر ذلك انتصارا في السياسة الداخلية؟ 
أجل، لقد نجح المجلس العسكري في تحفيز الرأي العام النيجري نوعا ما. وهذا ضروري لإثبات شرعيته. لكن هذا الدعم الشعبي يبقي هشا، لأن تداعيات العقوبات التي تفرضها المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا ستؤثر بشكل خطير على الحياة اليومية للنيجيريين.

س: كيف نفسر قرار المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (التي هددت منذ أيام الأولى للانقلاب) بالتدخل العسكري! هل هو الخوف من إثارة السخط الشعبي في الدول التي دافعت عن هذا الخيار (نتحدث عن نيجريا, السنغال وساحل العاج)؟
لم تعتبر المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا قط أن الطريق العسكري هو الخيار المفضل،  ومع ذلك، فقد ارتكبت خطأً في طرح هذا المسار في وقت مبكر جدًا. 
لقد أشار بيانها الأول إلى أنها مستعدة لاستخدام “جميع الخيارات، بما في ذلك العسكرية”.
وقد استخدم المجلس العسكري هذه الحادثة لتحفيز قواته والرأي العام النيجيري والإفريقي لكن المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا لم تقل إلا ما نصت عليه نصوصها في حالة انهيار العملية الدستورية.

س: هل يمكن أن تمتد موجة الرفض للوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل إلى دول أخرى في القارة؟ 
*الأمر المؤكد هو أن المنطقة الناطقة بالفرنسية تعبر الأحداث الجارية موجة عارمة تمزج بين النفور والجذب. نحن نهين فرنسا على شبكات التواصل الاجتماعي في المساء، وفي اليوم التالي نطلب تأشيرة دخول من السفارة الفرنسية.
 نقول إننا ندعم فلاديمير بوتين، لكننا لن نحاول الهجرة إلى روسيا.
هناك شكل من أشكال الفصام وأعراض لحظة ما بعد الاستعمار التي لم تنته بعد.
لدى الرأي العام وبعض السياسيين الأفارقة رؤية متحيزة لنفوذ باريس: فهم يمنحونها قوة أكبر مما تتمتع به.
وفي حقيقة الأمر، إن اتهام فرنسا بالمسؤولية عن كل العلل التي تعاني منها القارة، - كما فعل زعماءها مؤخراً في الأمم المتحدة - ليس إلا تصرفاً طفولياً. إنه يظهر فشلهم الذريع في الإدارة وفي ربط العلاقات مع فرنسا. 

س: في الأمم المتحدة، اتهم العقيد دومبويا، رئيس المجلس العسكري في غينيا، "الديمقراطية الغريبة "بأنها مصدر علل الدول الأفريقية. وبعد مرور ثلاثين عاماً على موجة التحول الديمقراطي في التسعينيات، هل مازال هذا الخطاب "صالح المفعول"؟
*إن خطاب دومبويا غير مفهوم، لأن غينيا لم تعرف سوى الدكتاتوريات العسكرية والمدنية. ومع ان رئيسها الأول سيكو توري يبني سياسته على رفض الهيمنة الفرنسية, فإن بلاده لم تتطور بالقدر الذي ينبغي لها. 
إن غياب النتائج الاقتصادية ليس نتيجة للديمقراطية، بل هو نتيجة لإخفاقات تخص بالأساس ضعف الدولة أو  حتى غيابها. وإذا كانت الأخيرة غير قادرة على توفير الخدمات الأساسية في جميع أنحاء أراضيها، فكيف يمكن للديمقراطية أن تعمل؟

س: عندما وصل إلى السلطة، تمتع إيمانويل ماكرون بصورة جيدة بين بعض الأفارقة, لكنه الآن يجابه شكلاً من أشكال الرفض لدى شريحة من الرأي العام الأفريقي. هل أسلوب الرئيس هو موضع التساؤل أيضاً؟
مما لا شك فيه أن لهجته الفظة - التي لا يستخدمها مع الأفارقة فقط - تلعب دوراً في هذا التصلب والرفض.
ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن تصريحاته غالبًا ما تكون أيضًا موضوعًا لحملات تضليل عبر الإنترنت حيث تم اقتطاع التصريحات لتكون بمثابة خطاب معادي:  لقد رأينا ذلك خلال المؤتمر الصحفي مع الرئيس الكونغولي فيليكس تشيسكيدي. كان إيمانويل ماكرون عادلاً في كلماته وملاحظاته، لكن كلماته أُخرجت من سياقها.

س: ماذا تبقى من رغبته في إصلاح سياسة فرنسا في أفريقيا، وخاصة موقف الشباب منه؟
لقد كان مسؤول عن أعمال مذهلة مثل القمة الأفريقية الفرنسية في مونبلييه، أو إنشاء مؤسسة الديمقراطية لكن لا ينبغي لنا أن ننسى أن السياسة الخارجية تُبنى أيضاً بالتعاون مع من هم في السلطة. 
ما يهم اليوم هو إعادة تعريف العلاقات بين دولة ودولة،  ويتعين على فرنسا أن تخرج من الوضع الهستيري والعاطفي وأن تعيد تعريف علاقاتها مع البلدان الناطقة بالفرنسية في أفريقيا: فرنسا لم تعد القوة التي كانت عليها في عام 1960،  لقد فقدت نفوذها، وعليها أن تعيد ترتيب علاقاتها في ضوء هذا الواقع الجديد. 
اليوم، يستطيع الأفارقة أن يتباهوا بتحالفات أخرى وتحتفظ لفرنسا تفاضلية نسبية في مجالات معينة مثل الخبرة العلمية في منطقة الساحل حيث  تظل العلاقات الثقافية قوية للغاية مع البلدان الناطقة بالفرنسية. ومن هنا استنكر لبعض تعليق فرنسا التعاون مع فنانين من منطقة الساحل. على الرغم من وجود تراجع. 
كان الأمر صادما. 

https://www.lemonde.fr/afrique/article/2023/09/27/la-crise-au-sahel-est-...