في مختلف أنحاء موريتانيا أشرفت السلطات الإدارية على إطلاق حفلات افتتاح العام الدراسي في تأكيد على جدية المدرسة الجمهورية التي تدخل عامها الثاني، بخطى وئيدة جدا إن لم تكن متعثرة في سيرها نحو الإصلاح المنشود.
ولم يعكس الاهتمام بجدية المدرسة الجمهورية خطاب رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني الذي كان مقتضبا للغاية، ولم يتجاوز إعلان افتتاح السنة الدراسية دون أن يقدم وعدا أو ينتقد ظاهرة، رغم ما تكلفت وزارة التهذيب من أموال طائلة وجهود متعددة من أجل تهيئة حفل الافتتاح وتزيين المدرسة المعدة لذلك.
أما خطاب وزير التهذيب الوطني، فقد كان من حيث الشمول والتنوع معبرا عن المشهد العام في قطاعه، من حيث ما تحقق من إنجازات في البنية التحتية، والزيادة الكبيرة في إعداد المدرسين المكتتبين.
ورغم مرور يوم الافتتاح في جو مقبول في مختلف ولايات موريتانيا في جو أقرب ما يكون للاستعراض الإعلامي، حيث تم التنسيق مع روابط آباء التلاميذ من أجل جلب عدد مقبول للظهور في يوم الافتتاح، وتوفير كميات قليلة من الملابس المدرسية لتوزيعها عليهم.
ومع انتهاء حفل الافتتاح، فقد اختفت كل المظاهر الدالة على الافتتاح وعاد التلاميذ في أغلب المدارس إلى وضعية العطلة، وخصوصا في مختلف مدن الداخل، وفي مختلف مؤسسات التعليم الثانوي في عموم موريتانيا.
ورغم سعي وزير التهذيب الوطني المختار ولد داهي إلى اكتمال ترتيبات الافتتاح مع بداية شهر سبتمبر، رغم الهالة التي يحيط بها كل أعماله، إلا أن جهوده تعثرت كثيرا حيث لم يتمكن من إصدار التحويلات الوطنية إلا في الأسبوع الأخير من الشهر المنصرم، وذلك في تأخر شديد عن الآجال المحددة أصلا.
المدرسة الجمهورية في سنتها الثانية
أخذت المدرسة الجمهورية التي بشر بها رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني سنتي حمل وتحضير قبل أن يعلن عن ميلادها مع افتتاح العام الدراسي المنصرم، ومع بداية هذا العام الدراسية يمكن إجمال حالة التعليم في المعطيات التالية:
- ارتفاع ميزانية التعليم من من 48 مليار أوقية سنة 2019 إلى 68 مليار سنة 2023
- ارتفاع عدد المعلمين من 9.607 إلى 17.222 معلما في المرحلة الابتدائية
- زيادة تشييد المنشآت التربوية، بأكثر من 4.600 فصل دراسي، من بينها قرابة 3.000 فصل دخلت في الاستخدام التربوي
وبالإضافة إلى هذا الجانب من المشهد، مازالت نقابات التعليم تتهم القطاع المختص والحكومة بشكل عام بالتقصير وسوء الأداء، مهددة بتنفيذ سلسلة من الإضرابات مع بداية العام الدراسي الحالي، وسط حالة دائمة من الخلاف بين النقابات حول الأساليب والتوقيتات المناسبة لاتخاذ الإجراءات التصعيدية.
أزمات متصاعدة.. نقص في المدرسين وفوضى في الخارطة المدرسية
ما يزال قطاع التعليم يعاني أزمات مزمنة ومن أبرزها:
- حالة النقص المتواصلة في القطاع، وذلك بسبب عجز الاكتتابات المتزايدة عن سد الحاجة، مع تزايد افتتاح المؤسسات، ووجود آلاف المدارس الابتدائية غير المكتملة، وهي الضرورة التي لا يمكن مواجهتها بغير مزيد من الاكتتابات نظرا لفوضى التقري العشوائي، وحق السكان وحاجتهم إلى التعليم
- تزايد النقص في مدرسي الفرنسية والمواد العلمية، نظرا لضعف النجاح في مسابقات الاكتتاب.
- تردي نسب النجاح في الامتحانات الوطنية وخصوصا في الباكالوريا، وذلك نتيجة لضعف التلاميذ
- وإضافة إلى ذلك يواجه التعليم أيضا تحديين ظرفين وهما فتح الباب أمام التقاعد بعد ثلاث سنوات من تأجيلها، والثاني هجرة الشباب نحو الولايات المتحدة الأمريكية، وقد هاجر عدد كبير من المنتسبين إلى حقل التعليم ضمن قطاعات وظيفية أخرى.
- أزمة الهوية اللغوية للتعليم: وتعني استمرار الفرنسية في السيطرة على المشهد التعليمي، وقذف آلاف الطلاب سنويا إلى مهاوي الإخفاق بسبب العجز التعليمي المنبثق عن سيطرة الفرنسية.
- ضعف مستويات المدرسين نظرا لضعف ومحدودية دور مدارس التكوين، زيادة على ضعف الإشراف التربوي وخصوصا في التعليم الثانوي
- انعدام التحفيزات المالية للمدرسين وتردي ظروفهم المادية، مما يضفي مزيدا من التعقيد على العملية التربوية بشكل عام
هل إلى إصلاح من سبيل
أعلنت وزارة التهذيب الوطني عن برنامج وطني للإصلاح كان نتيجة المنتديات الوطنية، وتشمل هذه الإصلاحات:
- العودة المتدرجة إلى اللغة العربية خصوصا في التعليم الابتدائي
- الاسترضاء الفئوي من خلال إقامة نموذج تعليمي يلفق بين اللغة العربية والفرنسية في التعليم الثانوي
- وعود متواصلة بتثمين مهنة المدرس والرفع من قدراته المادية وزيادة تكوينه
وبين كل هذه الإجراءات ما زال التعليم بعيدا عن الإصلاح، وما زالت الافتتاحات تكرارا للحظة منصرمة، غير أن ما يميزها هذه السنة هو الحضور الإعلامي الصاخب، والخطاب المقتضب لرئيس الجمهورية، والغياب التام للتلاميذ، وسعي أغلب الوزاء في رضى الرئيس عنه، لا أن يرضو هم الشعب عن النظام ورئيسه.