تعلَّمْنا على أيدي معلمين أفاضل، ولكن كان يصادفنا في أحيان قليلة بعضُ المعلمين، قساةِ القلب، فكانوا إذا عاقبوا عاقبوا بقسوة، وكان معنا بعض الزملاء من الطلاب، يتَّسمون بالجَلَد، أو قُلْ بالعِناد، فكانوا إذا عاقبهم المعلم صاحبُ القلب القاسي أبْدَى أحدُهم كثيرًا من التَّحمُّل والصمود، وكان يُبادِرُ ببَسْطِ يده للضرب، قبل أن يطلب المعلم منه ذلك، فإذا أوشك المعلم أن يُنْهِيَ جرعة الضرب المقررة، بادَرَهُ ذلك الطالب: هل من مزيد؟!
أذكر أن هذا الموقف كان يغيظ المعلم غيظًا شديدًا، ويجعله يستشيط غضبًا، فيزيد جرعة الضرب عددًا وعُنفًا.
الصلابة النفسية إذن، والجَلَد، والثبات، واستِعْلاءُ الحق، كلُّها عوامل هزيمة، وقهر، وإذلال لعدوِّك- مع الفارق في التشبيه بالطبع-.
ومن أجمل الأمثلة على هذه الصلابة خروجُ مراسل قناة الجزيرة القوي وائل الدحدوح أمام الكاميرا لتغطية العدوان على غزة قبل مرور أقل من أربع وعشرين ساعة على استشهاد زوجته، وابنه، وابنته، وحفيده، في مصاب جَلَل، لا يُطيقُهُ إلا أمثالُ الجبال صلابةً، وثباتًا، وشموخًا.
قال وائل- وقد ذرف دمعه على شهداء أسرته بإذن ربهم-: هذه دموع الإنسانية، وليست دموع الخوف، والجبن، والانهيار.
لما انتشر خبر وفاة النبي- صلى الله عليه وسلم- في غزوة أحد، قام أنسُ بنُ النَّضْر- رضي الله عنه-، وقال بأعلى صوته: " قوموا فموتوا على ما مات عليه نبيكم".
إنها القوة المعنوية، والصلابة النفسية التي تَحُولُ بينك وبين الوهن المُدمِّر، والحزن المُحبِط المُقْعِد .. الصلابة النفسية، التي تجعلك ثابتًا، شامخًا، واثقًا بربك، مُوْقِنًا بوعده، لاجئًا إلى ركنٍ شديد، هو الله، القوي العزيز، الكبير المتعال، رغم الضربات الغبية للعدو الجبان، ورغم الدماء والأشلاء، ورغم القتل والإصابات، ورغم كل شيء.
لا مجال للنفوس المُهْترِئة، ولا الفرائص المُرْتعِدة، ولا الأيدي المُرْتعِشة، فالأيدي المُرْتعِشة لا تتحكم في قلمٍ لتكتب، ولا بسيفٍ لتضرب، ولا برايةٍ لتَرْفع.
ثابتون_بإذن الله