قرر القادة العرب والمسلمون أن يجتمعوا في قمتين غير عاديتين في الرياض بالسعودية، وذلك بعد مرور أكثر من شهر على انطلاق معركة طوفان الأقصى، وكان هذا التأخر في الاجتماع يكفي لوحده للقول بتقصير القادة العرب والمسلمين وخذلانهم البَيِّين لأهلنا في فلسطين عموما، وفي قطاع غزة خصوصا.
وفي ختام القمتين المتأخرتين لأكثر من شهر، أصدر القادة العرب والمسلمون قرارا، أقول قرارا، وليس بيانا كما كان يحدث في الماضي، ومن سمع كلمة قرار قد يُخيَّل إليه لأول وهلة أن القادة العرب والمسلمين قرروا هذه المرة أن يكونوا أكثر جدية وصرامة، وأن يُصدروا قرارا يجب تنفيذه، وذلك بدلا من الاكتفاء بإصدار بيان كما كان يحدث في الماضي، يُضاف إلى عدد كبير من البيانات التي كان يُقال عنها إنها مجرد حبر على ورق، وأن قيمتها أقل من قيمة الورق الذي كُتبت عليه.
إن أول ما يلفت الانتباه في قرار القمتين المتأخرتين هو تكرر كلمة "فوري" بشكل غير مسبوق، وقد رصدتُ خلال قراءتي لنص القرار ثمان فقرات وردت فيها كلمة "فوري"، وإليكم فقرات القرار الثمانية التي وردت فيها كلمة "فوري":
1 ـ كسر الحصار على غزة وفرض إدخال قوافل مساعدات إنسانية عربية وإسلامية ودولية، تشمل الغذاء والدواء والوقود إلى القطاع بشكل "فوري"؛
2 ـ دعم كل ما تتخذه جمهورية مصر العربية من خطوات لمواجهة تبعات العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة، وإسناد جهودها لإدخال المساعدات إلى القطاع بشكل "فوري" ومستدام وكاف؛
3 ـ مطالبة مجلس الأمن اتخاذ قرار "فوري" يدين تدمير إسرائيل الهمجي للمستشفيات في قطاع غزة؛
4 ـ ضرورة أن يفرض القرار على إسرائيل، بصفتها القوة القائمة بالاحتلال، التزام القوانين الدولية والغاء اجراءاتها الوحشية اللاإنسانية هذه بشكل "فوري"؛
5 ـ بدء تحرك دولي "فوري" باسم جميع الدول الأعضاء في المنظمة والجامعة لبلورة تحرك دولي لوقف الحرب على غزة؛
6 ـ التأكيد على ضرورة العودة "الفورية" لهؤلاء النازحين إلى بيوتهم ومناطقهم؛
7 ـ التأكيد على ضرورة اتخاذ المجتمع الدولي خطوات "فورية" وسريعة لوقف قتل المدنيين الفلسطينيين واستهدافهم؛
8 ـ التأكيد على ضرورة تحرك المجتمع الدولي "فوريا" لإطلاق عملية سلمية جادة وحقيقية لفرض السلام على اساس حل الدولتين الذي يلبي جميع الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
يمكننا أن نلاحظ بعد مرور ثلاثة أيام على قرار القمتين المتأخرتين، أن الأوضاع في غزة ساءت أكثر مما كانت عليه من قبل انعقاد القمتين المتأخرتين، وأن العدو الصهيوني رد على قرار القمتين المتأخرتين بتكثيف الهجوم على المستشفيات وإخراجها عن الخدمة والبدء في تنفيذ أسوأ محرقة في التاريخ ضد الأطفال الخدج ومرضى السرطان والكلى في مستشفيات غزة.
لم يتحقق أي شيء من "فورية" قرار القمتين، فلا قوافل للمساعدات تم إدخالها بشكل فوري كما جاء في القرار، ولا مصر اتخذت خطوات فورية، ولا مجلس الأمن أصدر قرارا فوريا، ولم يلغ العدو إجراءاته الوحشية بشكل فوري، ولم نشاهد تحركا دوليا فوريا، ولا عودة فورية للنازحين، ولا وقف فوري لقتل المدنيين، ولا تحرك دولي فوري لإطلاق عملية سلام جادة وحقيقية.
بعد مرور ثلاثة أيام على إصدار قرار القمتين المتأخرتين، وبعد وصول جرائم العدو إلى مستوى فوق التحمل والتخيل، وصل إلى حد ترك جثث الشهداء دون دفن لتنهشها الكلاب الضالة، أليس من حقنا بعد هذا كله، أن نطرح السؤال: ماذا تعني كلمة "فوري" في قرار القمتين المتأخرتين؟
للأسف الشديد لا يختلف حال الشعوب العربية والإسلامية عن حال الحكومات، فكلاهما ، أي الشعوب والحكومات، قد خذل أهلنا في غزة، وهذه حقيقة لابد أن تُقال الآن، وبأعلى صوت.
إن القول بتقصير الحكومات العربية والإسلامية هو قول صحيحٌ لا خلاف فيه، ولكن الصحيح أيضا هو أن الشعوب العربية والإسلامية قد قصرت هي الأخرى في حق أهلنا في غزة، ولم يكن تحركها خلال الأسابيع الماضية بحجم الجرائم والمجازر التي يرتكبها العدو في غزة.
لقد كان من المفترض أن تكون تحركات الشعوب العربية والإسلامية أقوى مما شاهدنا حتى الآن، وخاصة من بعد تركيز العدو في هجومه على المستشفيات، وحصاره للمرضى في سابقة إجرامية لم يشهد لها العالم مثيلا من قبل، فكنا نتوقع أن ترد الشعوب العربية والإسلامية على هذه الجرائم غير المسبوقة باعتصامات مفتوحة أمام سفارات الدول الغربية الداعمة للعدو، وكذلك أمام سفارات الدول العربية المطبعة، وأن تستمر تلك الاعتصامات المفتوحة دون توقف إلى ان تُراجع تلك الحكومات مواقفها.
وإذا كانت بعض حكومات أمريكا اللاتينية قد فضحت الحكومات العربية والإسلامية بمواقفها القوية الداعمة لأهلنا في غزة، ففي المقابل، فإن بعض الشعوب الغربية بمسيراتها المليونية وبأنشطتها المتعددة قد فضحت هي الأخرى الشعوب العربية والإسلامية، والتي لم يكن - للأسف - تحركها مناسبا لبشاعة جرائم العدو، ولا لاستثنائية معركة طوفان الأقصى.
حفظ الله فلسطين..