أن تعيش فرحاً عظيماً، وحزناً فظيعاً، وخذلاناً كبيراً في وقت واحد، فهذا أمرٌ غير مألوف، وشعورٌ نادر الوقوع، وهو من الظواهر الغريبة التي لا يمكن أن تحدث إلا في ظرف استثنائي جدا، كالذي نعيشه اليوم مع معركة طوفان الأقصى.
إن كل عربي، وكل مسلم، بل وكل إنسان حر، لا يمكن إلا وأن يعيش فرحا عظيما، وهو يتابع في زمن الهزائم الكبرى يوميات ملحمة عظيمة سيخلدها التاريخ تحت عنوان طوفان الأقصى، وذلك بعد أن بدأت المقاومة في كتابة فصولها ذات صبيحة يوم سبتٍ مباركٍ صادف السابع من أكتوبر من العام 2023.
من منا لم يشعر بفرح عارم، وهو يشاهد الجيش الأكثر إجراما في عصرنا الحديث يتذوق طعم الهزيمة جرعة جرعة خلال الخمسة والأربعين يوما الماضية؟
من منا لم يشعر بفرح عارم، وهو يشاهد الجيش الذي أقنعتنا دعايته الكاذبة بأنه جيش لا يهزم، وأن مخابراته لا تخترق، وأكدت لنا جيوشنا العربية دعايته تلك، من منا لم يشعر بفرح عارم، وهو يشاهد ذلك الجيش الذي "لا يهزم" يتذوق طعم الهزيمة جرعة جرعة؟
من منا لم يشعر بفرح عارم، وهو يرى الصورة الكاذبة الخادعة التي رسخها العدو في العالم عن وداعته وإنسانيته ومظلمته التاريخية، وهي تتكسر وتتحطم شيئا فشيئا، وذلك بعد أن أصبحنا نسمع عن عشرا ت، بل مئات المسيرات والاحتجاجات والمظاهرات الكبرى في دول الغرب ترفع شعارات صريحة وواضحة تدين جرائم العدو وتتعاطف مع الشعب الفلسطيني؟
من منا لم يشعر بفرح عارم، وهو يتابع العالم كله، بخياره وأشراره، وما أكثر أشراره، منشغلا إعلاميا وسياسيا ودبلوماسيا بمعركة طوفان الأقصى وبالقضية الفلسطينية، والتي كان قد أدرج ملفها منذ سنوات بل ومنذ عقود في الملفات المنسية في سلة المهملات؟
لقد عشنا بالفعل فرحا عظيما لم نعرفه من قبل، وذلك بعد أن استيقظنا ذات صبيحة سبت مبارك على انتصارات كبرى لم يكن أي واحد منا قادرا على أن يتخيلها أو حتى أن يحلم بها وهو يغط في نوم عميق، ولذلك فلا تلوموا من لا يزال يُفرك عينيه حتى الآن غير مصدق لما يشاهده من ضربات موجعة وموثقة يتلقاها العدو من المسافة صفر.
في المقابل من منا لم يعش خلال الخمسة والأربعين يوما الماضية حزنا فظيعا فوق قدرة تحمل البشر، وهو يتابع مشاهد إبادة جماعية غير مسبوقة، لقطة لقطة وبالعرض البطيء، يتعرض لها أهلنا في غزة، ولم يسلم منها المرضى والجرحى والأطفال الخدج؟
من منا لم يعش حزنا فظيعا فوق قدرة البشر على التحمل، وهو يشاهد لأول مرة في حياته حرباً إجرامية لم تعرف لها البشرية مثيلا، حرباً تنقل بشكل مباشر، وتخاض ضد المستشفيات والمرضى والأطفال، ويكون فيها الانتصار بعدد المستشفيات التي أخرجت من الخدمة، وعدد سيارات الإسعاف والأجهزة الطبية التي دمرت، وعدد المرضى والجرحى والأطباء والأطفال والنساء والشيوخ الذين تم قتلهم؟
ومن منا كذلك لم يعش خذلانا كبيرا وهو يتفرج على سلبيته وعجزه، وعلى ملياري مسلم (ربع سكان العالم) خارج دائرة التأثير، وعلى57 دولة عضوا في منظمة المؤتمر الإسلامي تشارك العدو في جرائمه غير المسبوقة إما بالدعم غير المعلن، أو بالتفرج على ما يجري من جرائم دون فعل أي شيء، أو تشارك في أحسن الأحوال بالقنابل والمفرقعات الصوتية الموجهة فقط للاستهلاك الإعلامي.
فهل يُعقل أن يمر شهر ونصف شهر على هذه المذبحة الإجرامية التي زاد الشهداء فيها على 12 ألف شهيد، ومع ذلك لم نسمع عن اعتصام شعبي واحد أمام سفارة دولة العدو في إحدى الدول العربية أو الإسلامية المطبعة استمر حتى إعلان قطع العلاقات مع العدو، ولم نسمع عن اعتصام شعبي واحد أمام سفارات الولايات المتحدة الأمريكية في أي دولة إسلامية استمر إلى أن تم استدعاء سفير أمريكا في تلك الدولة من طرف حكوماتها لتوبيخه على موقفه المتمالئ مع العدو، وتهديده بالطرد وقطع العلاقات مع أمريكا إن استمرت أمريكا في دعم العدو.
هذا عن الشعوب أما بخصوص حكومات الدول العربية والإسلامية فلا أحد كان يأمل أو يتوقع منها مواقف شجاعة على مستوى الحدث، ولذا فنحن نقترح على تلك الحكومات خطوة بسيطة جدا، تمثل الحد الأدنى من الحد الأدنى مما كان يجب على الحكومات في الدول العربية والإسلامية أن تقوم به. تتمثل هذه الخطوة البسيطة في إطلاق قافلة إغاثة محملة بالمواد الطبية والغذائية ترفعُ أعلام 57 دولة عضو في منظمة المؤتمر الإسلامي، وتُمثل كل دولة فيها بأحد علمائها الكبار، وتفتح لها مصر المعبر، فإن اعترض العدو للقافلة وقصفها يكون قد أعلن الحرب على 57 دولة، وإن تركها تكون الدول الإسلامية قد كسرت الحصار.
ختاماً
إننا أمام بشائر نصر استثنائي عظيم، والانتصارات الاستثنائية العظمى تكون كلفتها دائما كبيرة جدا، وهذا هو ما يمنحنا القدرة على أن نتعايش مع أحزاننا الكبيرة. كما أن الانتصارات الاستثنائية العظمى لا يُشارك فيها إلا الخيار والشرفاء، وربما يكون هذا هو سبب حرمان حكومات الدول الإسلامية من المشاركة في هذا النصر القادم، ولو بقافلة إغاثة تحمل الأعلام.
حفظ الله فلسطين..