الانقلاب القضائي. (عمل النيابة العامة والضبطية القضائية)
وبرغم الحملة الإعلامية المغرضة الممولة والموجهة التي واكبت صدور تقرير "لجنة التحقيق البرلمانية"، فقد جاء تقريرها خاليا من توجيه أي اتهام للرئيس محمد ولد عبد العزيز رغم ما بذله رئيسها من جهد مستميت في العثور على ما يؤسس به اتهامه (مسرحية جزيرة تيدره مثلا) ورغم حرص جل أعضائها المعروفين بعداوتهم للرئيس محمد ولد عبد العزيز على إيذائه! إلا أنهم كانوا يدركون جميعا أن لا سبيل إلى ذلك دون وجود بينة على ارتكابه الخيانة العظمى. وهذا ما صرح به نائب رئيس تلك اللجنة معالي الوزير الأول الأسبق الأستاذ يحي ولد الوقف الذي رفض التحقيقُ ورفضت محكمتكم الموقرة استدعاءه والاستماع إليه في هذه المسطرة.. حين قال: "عندما ينظر الإعلام إلى التقديم الذي قدم به النواب عملهم يرى أنهم لم يتكلموا عن العشرية، ولا عن النظام، ولا عن الرئيس. تكلموا عن قطاعات معينة يريدون التحقيق فيها. ثم إن رئيس الجمهورية ليس مسؤولا بشكل مباشر عن التسيير؛ فالدستور واضح في أنه لا تمكن متابعته حول تسيير أي مرفق من المرافق العمومية. فحسب الدستور لا تمكن متابعته إلا في حالة الخيانة العظمى. فالإعلام ركز على العشرية وعلى النظام.. وأخرج اللجنة عن نسقها الحقيقي". (مقابلة مع الأخبار في 01 فبراير 2020)
ومع ذلك كله، فقد استمر الاستهداف والتمالؤ المبيتان من طرف تحالف قوى داخلية وأخرى خارجية استعمارية وصهيونية، ظلت تعمل في الظلام على الانتقام من الرجل. وقد مثل تحالف المعارضة - وخاصة حزبي تكتل القوى الديمقراطية واتحاد قوى التقدم- ظاهرها الشبيه بظاهر جبل الجليد. واستمرا يضغطان من أجل تحريك الملف وإحالته بعد أن اختلقا له الأسباب "القانونية" ("الاستشارات والنظريات القانونية" و"الخطط التآمرية" و"فريق دفاع عن الدولة") بواسطة قياداتهما في سلك المحاماة وبعض حاضنتهما الاجتماعية من محامين وقضاة.. ومن شهود أيضا!
وفي نهاية هذا المطاف، أحيل تقرير "لجنة التحقيق البرلمانية" إلى وزارة العدل!
ومن خلال شهادة وزير العدل السابق الدكتور الأستاذ حيمود ولد رمظان أمام محكمتكم الموقرة يوم الثلاثاء 14/10/2023 تجلت بعض ملامح الانقلاب الذي أحدثته تلك الإحالة، وانجلى بعض غوامض هذا الملف المزور!
يقول معالي الوزير السابق إن تقرير "لجنة التحقيق البرلمانية" وصل إلى وزارة العدل بطريقة غير رسمية! (أي عن غير طريق وزارة العلاقات مع البرلمان) وأنه دعا طاقم وزارته لدراسته فعكفوا عليه ثلاثة أيام، وأجمعوا حوله على ثلاثة أمور هي: وحدة الجانب وعدم الموضوعية والتأسيس، أنه لا يوجد فيه ما يدل على ارتكاب أفعال مجرمة، أن رئيس الجمهورية السابق غير معني به من قريب أو بعيد لأنه يتمتع بحصانة مطلقة بموجب المادة 93 من الدستور، ولأن التقرير لا يوجه إليه أي اتهام! وقد حمل معالي الوزير هذه الخلاصة إلى رئيس الجمهورية الذي تفهمها وطلب منه أن ينقلها إلى الوزير الأول، وأن يحيل التقرير إلى النيابة العامة ويتابع الموضوع، ففعل. وكانت إحالته للتقرير يوم الأربعاء 5/8/2020 و"من أجل القيام بإجراءات المتابعة اللازمة".
وبإحالة تقرير "لجنة التحقيق البرلمانية" إلى النيابة العامة بأمر من رئيس الجمهورية لوزير عدله، جرى انقلابان ناعمان في موريتانيا:
الانقلاب الأول: وهو انقلاب سياسي قامت به السلطة التنفيذية على نفسها. أو قام به بعضها على بعض! وقد تمثل في إقالة حكومة المهندس إسماعيل ولد الشيخ سيديا يوم 06/8/2020 أي في اليوم الموالي لإحالة التقرير إلى النيابة العامة. وورد في "ويكيبيديا" حول إقالة الحكومة ما يلي: "في 06 أغسطس 2020 استقالت حكومة المهندس إسماعيل ولد الشيخ سيديا بعد إحالة تقرير لجنة تحقيق برلمانية إلى القضاء الموريتاني، للنظر في ملفات فساد شملت ذكر أسماء وزراء في الحكومة (من بينهم اسم ولد الشيخ سيديا نفسه) بجانب عدد من كبار المسؤولين في عهد الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، ليكلف المهندس محمد ولد بلال بتشكيل الحكومة الثانية في عهد الرئيس محمد ولد الغزواني، وقبل يومين من إعلانها استدعي ولد بيه على وجه السرعة من سلطنة عمان التي كان يتولى سفارتها، وسط تكهنات بدخوله الحكومة الجديدة، وفعلا حينما أعلن عن الحكومة أوكلت مهمة الوزارة السيادية الأهم فيها (وزارة العدل) له". وقد جرى هذا الانقلاب خرقا لنصوص الدستور الموريتاني، ولنظام الجمعية الوطنية الداخلي الذي يزعم دفاع النيابة أنه قانون نظامي تارة، ومكمل للدستور تارة أخرى! ذلك أن أركان النظام وأطر الدولة ووزراءها الواردة أسماؤهم في التقرير المشؤوم، خرقت في حقهم المادة 136 من النظام الداخلي التي تنص حرفيا على ما يلي:
"1. للجمعية الوطنية أن توجه اتهاما للوزير الأول و/ أو لأعضاء الحكومة أمام محكمة العدل السامية طبقا لأحكام المادتين 92 (جديدة) و93 (جديدة) من الباب الثامن من الدستور.
2. لا يعتبر قرار المتابعة وكذا الاتهام نافذا إلا بعد التصويت عليه بالأغلبية المطلقة من الأعضاء المشكلين للجمعية الوطنية في اقتراع علني. وفي هذه الحالة، يقدم الوزير الأول أو عضو - أو أعضاء- الحكومة المتهمون استقالتهم".
لقد تم الاعتداء (ممن؟ وكيف؟) على رئيس الحكومة والوزراء الواردة أسماؤهم في التقرير ولطخت سمعتهم، وألقوا في الشارع وسجن بعضهم وحوكم؛ وكان عزاؤهم في هذه المحنة أن قدمت لهم مواساة لفظية على لسان مدير ديوان رئيس الجمهورية في بيان تلاه بهذه المناسبة "بأن من برئ منهم سيعاد له الاعتبار"! في حين أنهم لم يتهموا أصلا من طرف الجمعية الوطنية (البرلمان) التي تملك وحدها حق اتهامهم! وكل ما في الأمر أن أسماءهم وردت شططا وظلما وبغيا متعمدا في تقرير باطل صادر عن لجنة فضولية غير قانونية. ولم تجر في حقهم قط إجراءات الاتهام المنصوصة في الدستور (المادتان 92 و93) وتلك المنصوصة في المادة 136 من النظام الداخلي ("المكمل للدستور" حسب قول النقيب)! بل ظلموا ظلما شنيعا، لسبب بسيط، هو أنه كان عليهم أن تتم تصفيتهم لعدم صلاحيتهم للمرحلة الجديدة، مثلهم كمثل وزير العدل الدكتور حيمود ولد رمظان الذي شكل رأيه القانوني الصريح عقبة في طريق الانقلاب، وأن يتركوا مقاعدهم لآخرين يصلحون للمرحلة طال وقوفهم في الطابور انتظارا لدورهم في اقتسام الكعكة الوطنية!
الانقلاب الثاني: وهو انقلاب قضائي قام به القضاء الواقف على الحكومة التي تم تبرير الإطاحة بها بإحالة تقرير لجنة التحقيق البرلمانية إلى القضاء؛ وعلى الدستور وجميع القوانين المعمول بها في البلاد، وعلى الحق والعدل أيضا؛ ولا يزال هذا الانقلاب ساريا إلى يومنا هذا! وقد جرى على مرحلتين: علنية، وسرية:
المرحلة العلنية: وقد بدأت بإحالة وزير العدل بأمر من رئيس الجمهورية تقرير "لجنة التحقيق البرلمانية" إلى النيابة العامة لدى المحكمة العليا يوم الأربعاء 05/8/2020. وفي اليوم نفسه (الأربعاء 05/8/2020) أحالت النيابة العامة لدى المحكمة العليا ذلك التقرير إلى النيابة العامة لدى محكمة الاستئناف. وفي اليوم نفسه (الأربعاء 05/8/2020) أحالت النيابة العامة لدى محكمة الاستئناف التقرير بدورها إلى وكالة الجمهورية بنواكشوط الغربية التي يتولى وكيل الجمهورية فيها تنسيق فريق مكافحة الفساد بالنيابة العامة؛ وهنالك ألقى التقرير "المسكين" عصا الترحال بعد يوم شاق من السفر! ومن المؤكد – حسب عامل الوقت - أن أيا من النيابتين العامتين لم تطلع على محتواه (365 صفحة) ولم تعط فيه تعليمات غير تلك المقدمة من طرف وزير العدل! لماذا؟
وفي يوم الخميس الموالي 06/8/2020 تمت إقالة وزير العدل ضمن حكومة المهندس إسماعيل ولد بده ولد الشيخ سيديا!
وهنا تتبادر الأسئلة التالية:
* كيف تمت الإحالات الثلاث المذكورة في يوم واحد رغم أساليب الروتين والإهمال السلحفاتية السائدة في الإدارة الموريتانية؛ وخاصة في مرافق القضاء؟ وما هي دواعي الاستعجال في الموضوع ذلك اليوم؟ وما هي التعليمات الواردة في إحالتي النيابتين العامتين؟ وكيف تم التوصل إليها دون إلقاء نظرة على التقرير الذي ظل على جناح سفر طيلة يوم الأربعاء 05/8/2020؟
* كيف استطاع السيد وكيل الجمهورية أن يستنتج أن "إجراءات المتابعة اللازمة" هي ما قام به من إجراءات خطيرة تمثلت في فتح مسطرة بهذا الحجم (ضد أزيد من 300 مسئول) في فترة شغور منصب وزير العدل؟ ثم من كان يتابع الأمر معه ويزوده بالتعليمات التي تَرجمت "إجراءات المتابعة اللازمة" إلى ما ذهب إليه؟ أهو وزير العدل حيمود ولد رمظان الذي يفترض تسييره للشؤون الجارية حتى تتشكل الحكومة الجديدة؟ أم السيد محمد محمود ولد بيه الذي لم يصبح بعد وزيرا للعدل رغم وصوله هو وأفراد أسرته إلى نواكشوط في طائرة خاصة يوم 07/8/2020 وكان شائعا في وسطه الاجتماعي أنه دعي على عجل ليتقلد منصب وزير العدل؟ أم إنه عمل منفردا طيلة أيام الخميس والجمعة والسبت والأحد التي قطع فيها الملف على يده أشواطا كبيرة؟
* لماذا أقيل الدكتور حيمود ولد رمظان أستاذ القانون؟ وهل لإقالته علاقة بموقفه هو وطاقمه من تقرير "لجنة التحقيق البرلمانية"؟ ولماذا جيء بالسيد محمد محمود ولد بيه إلى غير اختصاصه، وهل لتعيينه هو خصوصا وزيرا للعدل علاقة بما يجب فعله خارج القانون في تقرير "لجنة التحقيق البرلمانية"؟ ولماذا تم نقله في طائرة خاصة؟ ومن وفر تلك الطائرة؟
المرحلة السرية: وهي الأكثر غموضا وتعقيدا وجراءة في الانقلاب القضائي. ونستطيع أن نسميها: عمل النيابة والضبطية القضائية.
ففي يوم الخميس 06/8/2020 أي اليوم الموالي ليوم الأربعاء الذي تمت فيه الإحالات الثلاث (وهو يوم ذو رمزية سياسية ربما كان تخليدها بهذه الطريقة وراء الاستعجال، لأنه اليوم الذي جرى فيه الانقلاب الذي جاء بالرئيس محمد ولد عبد العزيز وصحبه إلى السلطة سنة 2008) جرى حدثان أساسيان هما: الإطاحة بحكومة إسماعيل ولد بده ولد الشيخ سيديا كما أسلفنا، وتجسيد تعليمات وزير العدل حيمود ولد رمظان الذي لم يعد وزيرا للعدل في طلب إجراء بحث ابتدائي حول الوقائع الواردة في تقرير لجنة التحقيق البرلمانية. فقد أصدر وكيل الجمهورية تعليمات إلى مدير شرطة مكافحة الجرائم الاقتصادية والمالية يكلفه فيها بالقيام ببحث ابتدائي وبحث مالي مواز جاء فيها:
إلى ضابط الشرطة القضائية/ مدير مكافحة الجرائم الاقتصادية والمالية بالإدارة العامة للأمن الوطني:
نحن ... منسق فريق مكافحة الفساد بالنيابة العامة؛
بناء على التعليمات الصادرة إلينا من النيابة العامة، بموجب المحول رقم 1288/2020 بتاريخ 05/8/2020 الذي يحيل إلينا تقارير لجنة التحقيق البرلمانية، من أجل القيام بالمتابعات اللازمة.
وبعد الاطلاع على تقارير لجنة التحقيق البرلمانية: تقرير الصياغة – تقرير التحقيق والتدقيق القانوني والمالي المعد من طرف مكاتب الخبرة المنتدبة – تقرير التدقيق القانوني والمالي المعد من طرف خبراء محكمة الحسابات.
...
نكلفكم بمباشرة إجراء بحث ابتدائي حول الوقائع الواردة في التقارير المذكورة، والبحث عن المشتبه بهم، وعن كل من تظهر أدلة ضدهم، وموافاتنا بنتائج ذلك.
وتزامنا مع ذلك نكلفكم بإجراء بحث مالي مواز، بشأن الجوانب المالية ذات الصلة بالقضية، وعلى وجه الخصوص:
- تحديد واقتفاء متحصلات الجرائم تمهيدا لإخضاعها لإجراءات الحجز والتجميد والمصادرة.
- جمع الأدلة، على أن تشمل التحري حول جميع ممتلكات المشتبه بهم المنقولة والعقارية، والتعرف عليها، وجمع بياناتها الكاملة، بما في ذلك البيانات المصرفية.
وموافاتنا بذلك.
تجدون مرفقا بهذا التكليف تقارير لجنة التحقيق البرلمانية، وهي: تقرير الصياغة – تقرير التحقيق والتدقيق القانوني والمالي المعد من طرف مكاتب الخبرة المنتدبة – تقرير التدقيق القانوني والمالي المعد من طرف خبراء محكمة الحسابات".
الاسم والتوقيع.
ومن خلال هذا التكليف تتبادر أسئلة أخرى أكثر تعقيدا وأكثر إلحاحا، وتحتاج إلى ألف جواب وجواب! وهي:
- هل كان اختيار يوم الخميس 06/8/2020 عن وعي بما له من رمزية سياسية، أم كان ذلك محض صدفة؟ ولعل طابع الاستعجال في الإحالات الثلاث يعطي جوابا بالإيجاب على هذا السؤال!
- كيف أصبح تقرير اللجنة البرلمانية الواصل للسيد الوكيل ثلاثة تقارير بعد أن كان تقريرا واحدا، وكيف استخلص منه السيد الوكيل ما ذهب إليه من تعليمات مفصلة انصبت كلها أساسا على "التحري حول جميع ممتلكات المشتبه بهم المنقولة والعقارية.. إلخ". وعلى "تحديد واقتفاء متحصلات الجرائم تمهيدا لإخضاعها لإجراءات الحجز والتجميد والمصادرة.. إلخ". دون أن يقوم بدراسته، وعلى أي أساس تصرف؟ وهل كان للمادة 47 من قانون الفساد حضور في تلقائية وارتجال تلك التعليمات؟ أم إن اهتمامات القيادة الجديدة للحزب الحاكم وقلقها من ثروة الرئيس محمد ولد عبد العزيز كانت قد وصلت إلى كواليس العدالة؟ ولماذا الاستعجال في اتخاذ هذه الإجراءات في فترة ريبة لا يوجد فيها وزير عدل ولا حكومة؟
- ما هي التعليمات التي جاءت إلى منسق فريق مكافحة الفساد بالنيابة العامة من طرف رؤسائه، وهل هي كما ذكر "من أجل القيام بالمتابعات اللازمة" وإذا كانت كذلك، فكيف تسنى له أن يترجم تلك العبارة إلى الإجراءات الخطيرة التي قام بها في ظرف وجيز وقبل أن يطلع على التقرير الذي تحول بين يديه إلى تقارير، ودون أن يجد الوقت الكافي لإشراك فريقه في الأمر؟
- هل كان هو الآمر الناهي في هذا الملف؟ أم إن هناك فريقا آخر أكثر حميمية أعطى تعليمات أخرى أكثر تفصيلا من عبارة "من أجل القيام بالمتابعات اللازمة" ولديه خطة جاهزة في أمر أبرم بليل؟
وعلى كل حال، فإن ما هو أكثر دلالة وغرابة في هذا الملف هو ما جرى مباشرة بعد هذا التكليف تحت إشراف السيد وكيل الجمهورية، خاصة في أيام 07، 11، 12، 17!
* ففي يوم الجمعة 07/8/2020 الموالي، وعلى تمام الساعة الثالثة والنصف بعد الظهر، قام المدير المركزي لمكافحة الجرائم الاقتصادية والمالية ضابط شرطة قضائية مساعد السيد وكيل الجمهورية لدى محكمة ولاية نواكشوط الغربية بناء على تكليف وكيل الجمهورية المذكور بفتح محضر بحث تمهيدي ليس "حول الوقائع الواردة في التقارير المذكورة، والبحث عن المشتبه بهم، وعن كل من تظهر أدلة ضدهم" كما ورد صراحة في التكليف الوارد عليه من وكيل الجمهورية؛ بل "حول ممتلكات محمد ولد عبد العزيز وأفراد أسرته ومحيطه...". وعلى هامش المحضر ملاحظتان. الملاحظة الأولى: "نوع القضية: تنفيذ أوامر النيابة العامة. والملاحظة الثانية: "محضر بحث حول ممتلكات محمد ولد عبد العزيز وأفراد أسرته ومحيطه"!. وكان أول من استمع إليه في هذا المحضر الموثقُ محمد محمود ببكر/ أحمد معلوم الذي سئل: "هل وثقتم باسم الرئيس السابق أي عقد بيع أو تنازل"؟ فأجاب: "لم يتم في مكتبي توثيق أي عقد يتضمن اسم الرئيس السابق"! والثاني محمد المشري صالح المدير المالي لهيئة الرحمة الذي عذب حتى الجنون لكي يعترف على الرئيس محمد ولد عبد العزيز وأفراد أسرته ومحيطه، والذي صرح في مثوله الثاني أمام المباحث زوال يوم 15/8/2020 كي يدرأ عن نفسه العذاب قائلا: "فيما يخص تسييري لبعض أموال هذه الأسرة سأتعاون مع لجنة التحقيق تعاونا مطلقا من أجل تسهيل مهمتها". ثم غيب حتى هذه اللحظة! ولم يتم استدعاؤه أمام محكمتكم الموقرة! ومع ذلك لا يزال السيد وكيل الجمهورية ودفاع النيابة يستشهدون بأقواله!
لقد تمت إذن - وكما ترون- عملية غش وتزوير وتلاعب بأوامر القضاء، وجرى تبديلها في مخافر مديرية شرطة مكافحة الجرائم الاقتصادية، وجرى تغيير موضوعها الذي هو تكليف "بمباشرة إجراء بحث ابتدائي حول الوقائع الواردة في تقارير لجنة التحقيق البرلمانية، والبحث عن المشتبه بهم، وعن كل من تظهر أدلة ضدهم" إلى البحث "حول ممتلكات محمد ولد عبد العزيز وأفراد أسرته ومحيطه..."! وبدأ البحث باستجواب موثق عقود، والقائمين على هيئة الرحمة؛ وهي هيئة خيرية ذات نفع عامة وذمة مالية مستقلة! مع العلم أن محمد ولد عبد العزيز لا يوجد له ذكر ولا اتهام في تقرير (أو تقارير) لجنة التحقيق البرلمانية – أساس المتابعة، ولا في التكليف! وقد صرح كل من وزير العدل ونائب رئيس "لجنة التحقيق البرلمانية" أنه غير معني بالقضية، لا من قريب ولا من بعيد!
وبهذا الغش والتزوير الفاضح تم إقحام الرئيس محمد ولد عبد العزيز غدرا واحتيالا في متابعة لا علاقة له بها، وجُعل منه فاعل رئيسي ومتهم رقم واحد في ملف لا علاقة له به! وهذا هو سبب اختفاء تقرير (أو تقارير) "لجنة التحقيق البرلمانية" من الملف الذي أسس عليه! وذلك لعدم وجود ذكر للمتهم الأول في المسطرة في التقرير (أو التقارير) الذي أسست عليه المسطرة!
وهنا أتوجه أولا، بسؤال إلى السيد وكيل الجهورية، فأقول: سيدي وكيل الجمهورية أين تقرير لجنة التحقيق البرلمانية الذي بنيتم عليه متابعتكم؟ ولماذا غاب عن الملف، وحجب عن القضاء؟ وكيف يقوم أو يستقيم بنيان تم هدم أساسه بيد بانيه؟ ثم إني أعلن ثانيا، باسم هيئة الدفاع عن الرئيس محمد ولد عبد العزيز أمام محكمتكم الموقرة، وقلبي يتفطر حزنا وألما أن نصل إلى مستوى يمكن أن يجري فيه ما جرى في مرفق العدالة المقدس: اتهامنا للنيابة وضبطيتها القضائية بالغش والتزوير والتلاعب بإجراءات المتابعة من أجل التآمر والاحتيال على الرئيس محمد ولد عبد العزيز وتوريطه في مسطرة لا علاقة له بها لأنها مؤسسة على تقرير "لجنة التحقيق البرلمانية" وتقرير "لجنة التحقيق البرلمانية" لا يتهمه بشيء، ولا علاقة له به! وندلي أمام محكمتكم الموقرة بشهادتي وزير العدل السابق الوزير حيمود ولد رمظان (طي الملف) ونائب رئيس "لجنة التحقيق البرلمانية" معالي الوزير الأول الأسبق الأستاذ يحي ولد الوقف! كما ندلي بالتكليف الصادر من السيد وكيل الجمهورية إلى الضبطية القضائية يوم 06/8/2020 وبالمحضر الصادر من الضبطية القضائية بتاريخ 07/8/2020، وبعدم وجود تقرير "لجنة التحقيق البرلمانية في الملف رقم 001/2021 وقد صرحتم فضيلتكم بذلك أثناء المرافعات. وها نحن نسلم نسخة من التقرير المذكور إلى محكمتكم الموقرة ليكون بينة على ما أعلناه، وجزء من الملف تتأكد من خلاله براءة موكلنا الذي لم يتهم فيه، ولا يمكن أن يتهم!
سيدي الرئيس، السادة أعضاء المحكمة الموقرة،
لو بغير الماء حلقي شرق كنت كالغصان بالماء اعتصار!
أين حسن النية المفترض في ممارسة الحق؟! وأحرى من أمناء الدعوى العمومية والضبطية القضائية!
أوليس القضاء هو الملاذ الآمن الأخير المفترض لكل المظلومين؟ فكيف إذا فتح باب الظلم من جهته خدمة لأهداف سياسية آنية، وانتقاما من أبرياء لصالح خصوم أعماهم الحقد والحنق؟ "لعياط إلى جاء من شور الكدية لهروب اعلين"؟!
وإذا ساغ أن يظلم القضاء نهارا جهارا رئيس جمهورية سابق بقامة وشموخ وعزة وقوة الرئيس محمد ولد عبد العزيز في عهد خلفه وصديقه محمد ولد الشيخ الغزواني، فما ذا عسى أن يكون مصير المواطن البسيط؟
إن هذا الفعل يشكل مخالفة صريحة للفقرة الأخيرة من المادة 25 من ق.إ.ج التي يرجع إليها مدير مكافحة الجرائم الاقتصادية في محضره المذكور، والتي تحدد مهمات موظفي مصالح الشرطة القضائية، فتقول: "معاينة الجرائم في القانون الجنائي، طبقا لأوامر رؤسائهم..." كما يشكل جناية معاقبة بالأشغال الشاقة المؤبدة بنص المادتين 141 و142 من القانون الجنائي! بالإضافة إلى ما يترتب عنه من ضرر يلحق بالغير!
ومما لا يمكن تصوره أن يحدث مثل هذا الفعل في دولة تحترم نفسها وتدعي أنها دولة قانون! وإذا قدر له أن يحدث، فإن المسؤولية الأخلاقية تفرض استقالة جميع المسؤولين عنه بمن فيهم الوزراء الأوصياء!
* وفي يوم نفسه (الجمعة 07/8/2020) الذي اتخذت فيه إجراءات البحث الابتدائي وجهة غير التي تم تحديدها في تكليف النيابة آنف الذكر، توجهت وكالة الجمهورية بخطة عمل إلى النيابة العامة لدى المحكمة العليا تقترح عليها فيها مسار إجراءات البحث الابتدائي في ملف التحقيق البرلماني، وكأنها ما تزال تبحث عن طريق وتتشاور مع رؤسائها! وتحتوي هذه الخطة التي تم تسريبها - من بين ما تحتوي- ثلاثة أمور جديرة بالملاحظة: تشكيل لجنة عمل من قادة الشرطة تعطي للقضية زخما كبيرا وتخلق حوافز لديهم، وتضفي طابع العمل الجماعي على ما تقوم به وكالة الجمهورية، الآمرة الناهية وحدها في الملف؛ تعبئة جهاز الدولة في خدمة المهمة الكبرى التي تضطلع بها وكالة الجمهورية؛ إبراز دور "الإعلام" وضرورة تعبئته خلف وكالة الجمهورية! الشيء الذي يفتح باب الشائعات والإرجاف، ويروج ما تريد وكالة الجمهورية ترويجه!
* وفي يوم 11/8/2020 أذن السيد وكيل الجمهورية لمدير شرطة مكافحة الفساد في إطار "إجراءات البحث الابتدائي الذي تباشره مديريته بناء على نتائج التحقيق البرلماني في عدة ملفات... وتأسيسا على أحكام المادة 38 من القانون رقم 014/016 بالقيام بالتفتيشات والمعاينات وإجراءات الحجز التي يراها ضرورية لمصلحة البحث المشار إليه". وهذا يعني بكل بساطة إعطاء مديرية مكافحة الجرائم الاقتصادية الضوء الأخضر لإطلاق سيبة في "ممتلكات السيد محمد ولد عبد العزيز وأفراد أسرته ومحيطه" الملف الوحيد المفتوح آنذاك! وعملا بالمادة 38 من قانون مكافحة الفساد التي لا علاقة لها بذلك من قريب ولا بعيد!
* ولم ينته الأمر عند هذا الحد؛ إذ في يوم 12/8/2020 أي اليوم الذي صرح فيه عميد المرجعية القيادي في حزب الاتحاد من أجل الجمهورية السيد الخليل ولد الطيب (شفاه الله) لصحراء ميديا بقوله إنهم "لن يقبلوا أن ينافسهم ولد عبد العزيز بثروات الشعب الموريتاني قبل أن يصدر القضاء حكمه في الملفات التي اتهمت الرئيس السابق بالفساد" في هذا اليوم بالذات أصدر السيد وكيل الجمهورية إذنا آخر لمدير شرطة مكافحة الجرائم الاقتصادية يبيح له فيه اللجوء إلى أساليب التحري الخاصة بما في ذلك "الكشف عن السر البنكي – الرصد الالكتروني واعتراض المكالمات الهاتفية – الاختراق". وذلك عملا بالفقرة الأخيرة من المادة 26 من قانون مكافحة الفساد! علما بأن هذه المادة وفقرتها الأخيرة لا علاقة لهما البتة بصلاحيات وكيل الجمهورية. بل إن الاختصاص للقاضي المختص؛ وفي هذا خرق سافر للمادة التمهيدية من ق.إ.ج التي تنص على وجوب الفصل بين سلطتي الاتهام والحكم. وبهذا الإذن أعطى السيد وكيل الجمهورية لشرطته شيكا على بياض لتمارس ما تشاء ضد محمد ولد عبد العزيز وأفراد أسرته ومحيطه حتى لا يبقى لدى القيادي في حزب الاتحاد من أجل الجمهورية ما يخاف منه ويحذر! ثم كيف عرف هذا القيادي يوم 12/8/2020 أن ولد عبد العزيز متهم من طرف القضاء بالفساد، وهو لم يتهم بعد؟ وفي لمح البصر صادروا كل شيء دون تمييز بين ممتلكات محمد ولد عبد العزيز وممتلكات أفراد أسرته البالغين، وصادروا أملاكا من تركة أحمدو ولد عبد العزيز رحمه الله، وأموال هيئة الرحمة ذات الذمة المالية المستقلة؛ ناهيك عن ممتلكات الأقارب والمحيط المصرح في المحضر باستهدافها بغيا؛ ولم يتركوا للأسرة ما تعيش به! لحد قطع مخصصات تقاعد الرجل من الجيش، ومخصصاته كرئيس سابق حتى يومنا هذا!
* وفي مساء يوم 17/8/2020 استدعي الرئيس محمد ولد عبد العزيز للحضور إلى مديرية شرطة مكافحة الجرائم الاقتصادية دون أجل واعتقل هناك دون غيره! وبدأت محنته التي ما تزال مستمرة إلى هذه اللحظة بسبب توريط بالغش والتزوير في مسطرة لا علاقة له بها أصلا!