يبدو أن هذا التعبير صار شعار أهل فلسطين عامة، وأهل غزة خاصة.
فعندما يتقبل الفلسطيني استشهاد زوجته، أو ابنه،أو ابنته فيقول بلهجته الغَزَّاويَّة:" اللي ييجي من رب العالمين يا ماحلاه"، فهذا رضا، ويقينٌ رفيعُ المستوى، وعندما يُهدَم بيتُه، أو متجرُه، أو تُحرَق سيارتُه، فيتلقى ذلك بالرضا والقبول، فهذا خيال .. وكأني بهؤلاء لم يعد يفرق معهم لا هذا، ولا ذاك؛ لأنهم باختصار شديد يتعاملون مع الموت من المسافة صفر.
عندما يجعل الإنسان الآخرة أكبر همِّه، ومبلغ علمه، يكفيه الله همَّ الدنيا، وغمَّها، ونَصَبَها، وأذاها.
إنها نصيحة الحبيب محمد- صلى الله عليه وسلم-:" أكثروا من ذكر هاذم اللذات" .. لأن كثرة ذكر الموت، والاقتراب منه إلى المسافة صفر يجعله في عينك كبيرًا عظيمًا، وتراه بأبعاد وملامح تفصيلية، فيصغر في عينك كلُّ ما سواه، وتحتقر كلَّ ما عداه، فيهون عليك كلُّ شيء.
أما حب الدنيا وكراهية الموت، فهو داء الأدواء، وأكبر عوائق الانطلاق.
المسافة بين الفلسطيني وبين الموت صفر، فهو يعيش بهذا الشعور، ويدرك أن الموت أقرب إليه من شراك نعله- إن كان له الآن نعل-.
إننا الآنَ في أمسِّ الحاجة إلى جعل المسافة بيننا وبين الموت صفرًا؛ حتى لا نَأْسَى على ما فاتنا، ولا نفرح بما آتانا، وحتى يسهل علينا البذل بلا تردد، والعطاء بلا حدود، والتضحية بلا شُحٍّ أو بُخْل، وكلُّ أنواع الجهاد المختلفة بلا وجل أو خوف.
عِشْ فيها كأنك غريب أو عابر سبيل، وتحرك فيها وأنت مُتَخفِّف، ولا تحزن عليها، ولا تُلْقِ لها بالًا.
اعمل لآخرتك كأنك تموت اليوم أو غدًا، وإذا أصبحت، فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت، فلا تنتظر الصباح.
هذه هي المسافة صفر مع الموت .. المسافة التي تمكنك من تفجير إغراءات الحياة، وتدمير جرافات الشهوات، والتَّصَدِّي لزحف جنود إبليس من الجن والإنس، وإيقاف تقدم الباطل، ورفع راية الحق عالية خفاقة.
لا تبالغ في أمر الحياة الدنيا، واعلم أن الدار الآخرة خيرٌ وأبقى، وأنها الحيوانُ على الحقيقة.