لا تقتصر اهداف حرب الإبادة التي تخوضها إسرائيل ضد سكان غزة على عملية تطهير عرقي ومحاولة قهر إرادة الفلسطينيين واذلالهم، بل إنها تخفي مآرب تكتيكية أخرى يحاول الفريق الحاكم في إسرائيل عدم الإفصاح عنها ما أمكن. لأنها تتعلق بصراعاته الداخلية. فرئيس الوزراء اعترف بأنه في حرب سياسية داخلية ضد جزء من وزرائه ونظامه من اليمين المتطرف، مثل وزيري الأمن الداخلي والدفاع - لما قال اليوم بأن هذا الاخير رفض أن ينظم معه مؤتمرا صحفيا مشتركا.
فكل واحد من الثلاثة يعمل جاهدا من أجل أن يظهر عنيدا تجاه الفلسطينيين. المنافسة في التشدد أثناء الحرب ضد الفلسطينيين هو ما يحركهم. ولا يبدو أن سير صراعهم في هذا الاتجاه يزعج كثيرا الإدارة الأمريكية. الرئيس بايدن وفريق المقربين منه، مثل وزير الخارجية بلينكين، يشاطرونهم التوجه العام. فرغم ما يعلنونه حول الحاحهم على التقيد بالقانون الدولي في مجال الحرب، ونطرا لتباهي نتنياهو بكونه يقنع الأمريكيين دائما رغم الخلافات بينه معهم- حسب قوله، فإن الرئيس الأمريكي وجل فريقه يوحون إلى أكثرية المراقبين بأنهم يهمسون، منذ استئناف الحرب، في آذان النظام الصهيوني المتطرف:
"لا تبالوا عمليا بما نقوله في وسائل الإعلام، واصلوا الحرب كما تفعلون، لكن حسنوا من أداء اعلامكم."
وفعلا، نلاحظ تغييرات في تعامل إسرائيل الإعلامي مع الموضوع دون أن تغير شيئا في قيادة وسير المعارك: نفس الهمجية وجرائم الإبادة وجرائم الحرب متواصلة.. بينما يحاول نتنياهو اخذ المبادرة عن طريق الناطق باسم الحكومة ومستشاريه، حتى لا يترك المجال لمنافسيه وحدهم في اليمين المتطرف. كما أن مضمون الخطاب لدى حكومته صار يكرر أكثر فأكثر أن "إسرائيل تحترم القانون الدولي على عكس حماس وحزب الله" حسب ما يروج له الناطقون باسمه. وأن حماس هي من اخترقت الهدنة.
فهم يعملون جاهدين لئلا تكون المقاومة المسلحة أكثر منهم حضورا وفعالية على الساحة الإعلامية كما جرى خلال المرحلة السابقة من الحرب وخلال فترات الهدن وما تخللها من مشاهد تلفزيونية تخدم حماس، خاصة مشاهد تحرير الرهائن ومشاهد الدمار في المشافي وغيرها.
ولست أدري شخصيا إن كانت الولايات المتحدة تعمل حقا على تفادي وإزالة الصراعات الداخلية في اليمين المتطرف الإسرائيلي. فربما أن بايدن يجد فيها متعة وقوة حسب قاعدة "فرق تسد"، علما أن اسرائيل أداة عسكرية واستراتيجية في يد بلاده، "لو لم تكن لأنشأناها"، على حد قوله. لذا تبذل الولايات المتحدة دائما ما بوسعها بغية تقوية أداتها وعلى إن تظل طيعة لها.
مما يستدعي منها اللعب على الخلافات والصراعات الداخلية في النظام الصهيوني. صراعات لها تداعيات واصداء لا يستهان بها داخل المنظومة السياسية الأمريكية وصانعيها، مما يقتضي من هؤلاء مراقبة الصراعات الصهيونية/الصهيونية عن قرب حتى تبقى في حدود المقبول، داخليا وخارجيا، بالنسبة للإدارة الأمريكية.