كامل الأسف لأن التغييرات الحكومية التي أعلن عنها اليوم كسابقاتها منذ عقود طويلة أكدت طغيان هيمنة التوازنات القبلية على ما سواها بقوة، وكأن فخامة الرئيس لم يأخذ في الحسبان أن غالبية الشعب لم تجن شيئا طيلة فترات الأحكام التي سبقته من وراء اللهاث خلف بارونات القبائل، في وقت تزدادا ظروفها المعيشية والحياتية صعوبة يوما بعد يوم، وأصبحت تتطلع إلى رئيس يقدم شيئا ملموسا للمواطنين، وإلى حكومة تخدم الشعب لا حكومة مرتهنة للقبائل وليس لحكامها وولاتها شغل سوى التعاطي مع القبائل ونقل صراعاتهم ومغاضباتم ودسائسهم ومطالبهم للسلطة إلى درجة يخيل معها لمن يقرأ التقارير الأمنية عن البلد أن القبائل وباروناتها من مسؤولين ورجال أعمال هم عصب الدولة الذي إذا فرطت فيه السلطة فستنهار فجأة.. وهذا وهم كبير يا فخامة الرئيس..
نعم قد تستفيد الدولة ويحق لها ذلك من التوازنات القبلية لكن ليس بالقدر الذي يضطرها إلى إهمال عاملي الكفاءة والنزاهة ولا بالقدر الذي يجعلها ترتهن لها وتخدمها شأنها في ذلك شأن التوازنات الأخرى التي استجد لها معطى جديد هو التوازنات العرقية -رغم خطورتهما على مستقبل البلد- التي تدفع ببعض الأشخاص إلى الحصول على مقاعد انتخابية محلية بلدية أو برلمانية لا تناسب كفاءتها ولا رغبة المواطنين فتكون بذلك غير قادرة على خدمة أي رئيس أو إنجاحه أو الاحتفاظ به على الصعيد الوطني، وإما أن يختار فخامة الرئيس بين عدم الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، وبين تغيير هذه الأسلوب الذي دأبت عليه الأحكام العسكرية التي سبقته، فالظرفية قد تغيرت والشاطر من يفهم ذلك، قبل أن ينهار الوهم الذي بني على الاعتماد على القبائل وتحالفاتها بين يديه فجأة أو تتناسل من تحت عباءتها بذات أسلوبها تحالفات عرقية لا تستطيع أجهزة السلطة التفاهم معها..
والحقيقة التي يمكن أن يراها كل من لم يتلبس بغباء واضح أنه ليس أمام الرئيس في انتخابات 2024 سوى الاعتماد على الشباب والشعب المهمش الذي يمثل الغالبية العظمى من خلال إنجازات ملموسة في ظل دولة مواطنة حقيقية أو السقوط الحر في الانتخابات القادمة التي من البين أنها ستكون انتخابات عرقية بامتياز يصعب التنبؤ بمدى التوترات التي قد تنجم عنها، فالاعتماد على القبائل عهده انتهى والمخدوع من ينخدع به في عهد ثورة إعلام وسائل التواصل الاجتماعي التي غيرت وما تزال تغير كل شيء...
لذلك أنصحكم فخامة الرئيس بوقف هذا النهج أو جعله ثانويا على الأقل والتصرف بما يضمن لكم ولبلدكم مستقبلا آمنا قبل فوات الأوان، فإني أرى بعين العقل أمورًا كثيرة لا أحب البوح بها. ودمتم.