رغم الزيارات المتكررة إلى الداخل والخارج، وأجواء التهدئة بين الأطراف السياسية، فإن نظام الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني لازال يحيط نفسه بكثير من الأسوار التي لا تحول بينه فقط وبين المواطنين وإنما بينه وبين الدوائر التقليدية لداعمه .
من المؤكد أن رئيس الجمهورية لا يلتقي المواطنين العاديين في مكتبه، والمؤكد أيضا أنهم لن يتاح لهم لقاؤه في الزيارات الرسمية، حيث هم مدفوعون بقوة الحرس الرئاسي، لا يؤبه لهم ولا يهتم بهم أحد، وحيث يحتل الوجهاء والأطر الواجهة التي كان ينبغي أن يرى منها الرئيس واقع شعبه.
إلا أن هذه الأزمة المزمنة مع كل رئيس ونظام لا تختص بالرئيس الحالي الذي يجد نفسه محاطا بدوائر مغلقة، حريصة على إبعاده عما يجري، وأكثر من ذلك تضعف قوة الدولة وهيبتها وتدخلها في متتالية لا نهاية لها من الصراعات العريقة.
ومن أبرز مظاهر الصراع بين الدوائر القوية في النظام:
- صراع وزير الداخلية ومدير الديوان: لا يتبادل هذان الطرفان رسائل الود، بل إن أكثر الرسائل الواردة بين الطرفين تعمق الصراع بينهما للغاية، ويبدو كل طرف منهما حريصا على تقليم أظافر الآخر.
وإذا كان ولد اجاي متهما بأنه استطاع السيطرة على الحزب بقوة، فإن وزير الداخلية يملك هو السيطرة على المجتمع التقليدي من خلال وزارة الداخلية والإدارة الإقليمية، كما يملك نقطة قوة أساسية في عمق وترسخ وثبات علاقته مع الرئيس الغزوانيز
وقد أخذت الخلافات بين الطرفين عمقا شديدا خلال الحملة الانتخابية الأخيرة، كما تعززت أيضا بعد ذلك بشكل كبير في أكثر من محطة.
الصراع بين الوزير الأول ووزير الخارجية: يتفاقم هذا الصراع بشكل كبير منذ تعيين ولد بلال وزيرا أول، ويأخذ طابع التنافس على النفوذ بين شخصيتن محسوبتين على شريحة واحدة وقد بلغ ذروته أثناء تولي محمد سالم ولد مرزوق وزارة الداخلية، حيث كان يعتبر أن الوزير الأول يعرقل أعماله ويسعى إلى تضخيم ما يقع من أخطاء في الإدارة المحلية.
وإن كان الخلاف بين ولد مرزوق ولد بلال عميقا ومتواصلا، فإن خلافا آخر لا يقل عمقا وترسخا بين ولد مرزوق ووزير الداخلية الحالي محمد أحمد ولد محمد الأمين،
ويمكن اعتبار المسار السياسي في العلاقة مع القوى السياسية خلال فترة ولد محمد أحمد مسارا مناقضا لما كان عليه مسار ولد مرزوق، بل إن الخلاف بينهما خرج من الدوائر الضيقة إلى مرحلة الخصام والتنابز بالاتهامات القاسية بين أنصارهما. و يعتبر ملف العلاقة بين النظام الحالي والمرشح السابق للرئاسيات بيرام ولد اعبيدي مظهرا للتناقض التام بين سياستي وزيري الداخلية والخارجية الحالي
وفي نفس الاتجاه يجري الحديث أيضا عن خلاف قوي بين وزير الداخلية ووزير الدفاع، ويتفاقم أيضا بين أنصارهما حيث يرى أنصار كل طرف منهما أن الآخر ليس مرنا في التعاطي مع الملفات المشتركة بينهما
أزمة الجميع مع وزير المالية
يدير وزير المالية علاقات مضطربة مع مختلف القطاعات، وداخل قطاعه نفسه، ولا يخفي أغلب وزراء الحكومة الحالية امتعاضهم الشديد من طريقة تعامله، وما يرونه " عرقلة" مستمرة للملفات المالية التي يتطلب إقرارها توقيعه.
وإلى جانب العلاقة مع الوزراء، فإن علاقة وزير المالية مع محافظ البنك المركزي هي الـأخرى ليست على ما يرام، وبلغ الخلاف بينهما درجة كبيرة وصلت إلى ديوان الوزير الأول، بعد أن أصبح الرجلان مصدر أزمة دائمة، خصوصا في علاقتهما ببعض، وعلاقتهما أيضا مع رجال الأعمال.
وبين هذه المراكز المتناقضة، يدير ولد الشيخ الغزواني في صمت يوميات حكومته، ويبدو أنه الطرف الأكثر استفادة من هذه الصراعات حيث ينشغل الجميع بالتقرب إليه، ويضرب هو الأطراف المتصارعة بعضها ببعض.