لم يكد الموريتانيون يتبادلون البشرى باستقرار الحالة الصحية لرئيس حزب التكتل أحمد ولد داداه، ونفي الشائعات عن وفاته، حتى تصاعدت وبقوة الخلافات بين قيادات حزبه، حول من ينبغي له أن يتولى تسيير الحزب خلال فترة النقاهة الطبية التي يستفيد منها رئيسه الزعيم أحمد ولد داداه.
ولم يخف القيادي في الحزب ومستشار رئيسه محمد عالي ولد المهدي إستياءه مما رأى أنه استغلال غير أخلاقي لوضعية رئيس الحزب، والعمل على إقناعه أو انتزاع تفويض منه لصلاحياته لأمين خزينة الحزب المحامي يعقوب جالو.
يعتبر يعقوب جالو من بين قلة من المقربين والمؤثرين في القرار السياسي لرئيس التكتل أحمد ولد داداه، وينتميان إلى نفس المقاطعة، ويختلفان في التكوين السياسي والأكاديمي، كان يعقوب من بين النشطاء البارزين في الحركة الوطنية الديمقراطية MND، وقد نجا من التجنيد القسري خلال حقبة السبعينيات عقابا له ضمن مجموعة من طلاب الحركة المذكورة، قبل أن يتجه نحو القانون ليكون أحد أبرز "الأساتذة" في موريتانيا، وقد تولى بعد ذلك منصب نقيب المحامين، أما أحمد ولد داداه فقد دخل السياسة من بوابة النظام محافظا للبنك المركزي ووزيرا، قبل أن يعود
إليها من المعارضة التي أخذت زهرة عطائه وقوته وزخمه الجماهيري، وعنفوان معارضته وحجم ما لاقى من مضايقات وإرهاب سياسي، قبل أن يتآكل حزبه التكتل ويتضاءل تأثيره الجماهيري إلى حد العجز عن الحصول على مقعد نيابي أو عمدة بلدية في آخر انتخابات تشهدها البلاد.
وإلى جانب يعقوب توجد مجموعة أخرى ممن يسميهم خصومهم "تيار وزارة الداخلية" ومن أبرزهم الأمين الدائم للحزب الإمام أحمد ولد محمدو، الذي يعتبر أحد القيادات المؤثرة في الحزب منذ تأسيسه الثاني في العام 2001، خاصة بعد التحاق ولد امات بالأغلبية، حيث خلا له الجو..
اللجنة السياسية.. خلافات داخل وخارج الإطار
لم تخف اللجنة السياسية برئاسة النانة بنت شيخنا ولد محمد الأغظف، رفضها لإنابة يعقوب جالو، مؤكدة أن اللجنة هي الجهة التسييرية الوحيدة للحزب، منذ تأسيسها، وجاء في بيان اللجنة أنها:
"تذكر كافة قيادات الحزب ومناضليه وكافة شركائه السياسيين، بأن المكتب التنفيذي للحزب اختار في دورته الأخيرة بالإجماع هذه اللجنة السياسية ذات الصلاحيات الموسعة، وكلفها بتسيير أمور الحزب السياسية وتنشيطه والتحضير لمؤتمره العام، وهذا ما يجعلها اليوم هي الهيئة الوحيدة الشرعية المخولة بتسيير الأمور الجارية في غياب الرئيس، والتحدث باسمه؛
- تدعو جميع قيادات الحزب ومناضليه إلى رص الصفوف وتكاتف الجهود من أجل إنجاح عمل اللجنة الذي بدأته بالاتصال بكافة الاتحاديات والأقسام بنواكشوط، وكانت بصدد تنظيم تظاهرة كبرى في نواذيبو و أخرى في نواكشوط، إلا أن ظروف الرئيس الصحية حالت دون ذلك؛
- تندد بالاستغلال اللا أخلاقي لوضعية الرئيس الصحية، وتؤكد اللجنة أن قرار تفويض صلاحيات الرئيس الذي تم تداوله غير شرعي، ومخالف للنظام الأساسي للحزب في مادته 25، وللنظام الداخلي في مادته 58".
صراع من داخل اللجنة السياسية أيضا..
ولأن الخلافات السياسية في الحزب باتت بعدد هيئات وقيادات الحزب، فلم يسلم بيان اللجنة السياسية من ردة فعل مغاضبة من داخلها، حيث اعتبر نائب رئيس اللجنة السياسية لحزب التكتل جابيرا افوسينو، أن الاجتماع الأخير للجنة "لا يمكنه إقرار أيّ جدول أعمال، نظرا لعدم اكتمال النصاب، بسبب غياب أغلب الأعضاء بمن فيهم نائب الرئيس والمقررين الذين يُمثلون ثلاثة أرباع (4/3) مكتب اللجنة.".
وأشار جابيرا افوسينو، إلى أن البيان الصادر عن هذا الاجتماع "فاقد للشرعية، حيث تجاوز في شكله ومضمونه مقتضيات النظام الداخلي للجنة وحدود صلاحياتها.".
ولفت في بيانه إلى أن اللجنة السياسية لجنة مؤقتة "مخولة من طرف المكتب التنفيذي للحزب، تحت الإشراف المباشر لرئيس الحزب، بصلاحيات محدودة تتمثل - حصرا - في التواصل مع الهيئات القاعدية للحزب لشرح موقف التكتل المتعلق بتوقيع الميثاق الجمهوري وتِبيان أهمية الإصلاحات الجوهرية المرتقبة التي تضمنها هذا الاتفاق السياسي، من جهة، والتباحث حول تهيئة المؤتمر الوطني للحزب، من جهة أخرى"
وقد اعتبر سليمان محمد فال عضو اللجنة السياسية للتكتل:
" أن اللجنة لا خلاف في صلاحياتها، لأنها محددة من طرف المكتب التنفيذي، وسماها لجنة سياسية ذات صلاحيات موسعة، عكس ما ورد في تصريح المعني، الذي وصف صلاحياتها بالمحدودة، كما أن الصلاحيات التي حددها المكتب التنفيذي للجنة لم يذكر فيها الميثاق الجمهوري لا تصريحا ولا تلميحا؛
- أن مكتب اللجنة ليست له صلاحية مميزة عن باقي الأعضاء، سوى أن رئيسته لها صوت مرجح في حالة تعادل الأصوات عند التصويت على قرار ما؛
- يعرف السيد فسينو شخصيا وهو نائب للرئيسة، أنه لم يحضر أي اجتماع بعد الاجتماع الأول الذي تم فيه تنصيب اللجنة، كما غاب أو قاطع على الأصح جميع أنشطتها التي قامت بها في جميع مقاطعات العاصمة التسع، ولم يشارك في التحضير لها؛
- يدرك جابيرا كذلك، أن الاجتماع كان مبرمجا منذ أيام، وتمت الدعوة له بالطريقة العادية عن طريق مجموعة اللجنة على الواتس آب، ولم يعترض أي من الغائبين عليه ولم يعتذر عن الحضور؛
- السيد فسينو ليس في حاجة للتذكير بأن اللجنة في اجتماع مفتوح منذ تشكيلها، وبالتالي لا يحتاج اجتماعها الذي تعقده أسبوعيا إلى نصاب، رغم أن النصاب حصل فعلا في اجتماعها الأخير؛
- أن فكرة البيان جاءت كمقترح من أحد أعضاء اللجنة وتمت مناقشته بصورة مستفيضة، وتم التوافق من قبل الحاضرين على ما ورد فيه، ولا ينقص من شرعيته غياب أي عضو في اللجنة التي دأبت على أخذ قراراتها بمن حضر وفقا للأعراف والقوانين الناظمة للعمل الحزبي".
خلافات أجيال ومواقف..
يأخذ الخلاف السياسي في التكتل أبعادا متعددة، يغيب عنها البعد الجهوي، فيما يحضر بقوة بعد "المجايلة" والمواقف السياسية، وذلك بين ما يعرف بتيار الأطر الذي يضم عددا كبيرا من الشخصيات الشبابية والأطر الموظفين، وبين تيار آخر من "رفاق" ولد داداه والمقربين منه، وخصوصا المحسوبين تاريخيا على الحركة الوطنية الديمقراطية، وتظهر الخلافات بشكل خاص في:
- الموقف من النظام:
فرغم توجه الحزب ومنذ أكثر من أربع سنوات إلى التقارب المتدرج مع نظام ولد الشيخ الغزواني فإن تيار المعارضة داخل التكتل ما زال متصاعدا، ويتهم الشخصيات المقربة من النظام بالعمل الحثيث من أجل نقل الحزب من موقفه التاريخي إلى الأغلبية.
ويرى أصحاب هذا التيار أن الحزب فقد موقعه الجماهيري بشكل نهائي بسبب سياسة المساومة والتقارب مع النظام دون أن يستطيع تحقيق مكاسب كبيرة.
فيما يذهب الطرف الآخر إلى أن الحزب انتهج سياسة انفتاح ومقاربة جديدة بعد أن ظهر أن المعارضة الحدية لم يعد لها مسوغ بسبب أشرعة التقارب التي رفعها النظام باتجاهه، وأن الميثاق الجمهوري يكفل للحزب مزيدا من تحسين الشروط السياسية، كما يضمن له أيضا إعادة تموقع مناسبة.
ووفق ما تسرب من مصادر فإن الحزب كان قد حسم على مستوى قيادته المركزية التوجه إلى الأغلبية، وأن بعض التعيينات الأخيرة جاءت بناء على استشارة ومقترح من رئيسه أحمد ولد داداه، ومنها تعيين الوزير الحالي للمياه مستشارا لوزير النفط، رغم اعتراض بعض القيادات الحزبية على تضمين اسمه لمقترح الحزب على اعتبار أنه لا يعدوا أن يكون من محيط الرئيس الاجتماعي، فلا صلة تنظيمية له بحزب التكتل، زيادة على تعيين الأمين الدائم للحزب الإمام أحمد نائبا لمدير المصرف الليبي في موريتانيا، وهو أرفع منصب تملكه نواكشوط في البنك المذكور، وهو التعيين الثاني له في ظل نظام ولد الغزواني.
وبين التيارين المذكورين تتعزز الخلافات بشكل كبير، وتذكر بمسار طويل من الأزمات التي لا خاتمة لها عانى منها الحزب التاريخي للمعارضة.
وهكذا انشغل الطرفان بتبادل اللكمات من بعضهما لبعض وظهر ذلك في تجميد اثنين من أعضاء لجنة متابعة تنفيذ الميثاق الجمهوري لعضويتهما في اللجنة احتجاجا على ما اعتبراه تعديا على صلاحياتها من طرف الأمين الدائم للحزب، ففي رسالة موجهة لقيادة الحزب جمد المختار ولد الشيخ وحامد ولد لمرابط عضويتهما في اللجنة المكونة من ثلاثة أعضاء و وصفا ما يتخذ من قرارات بعديم الشرعية، لتبقى اللجنة مكون من رئيسها فقط.
وحتى عودة رئيس الحزب المتوقعة في 15 من الشهر الجاري- حسب مصدر عائلي- وما سيتخذ من إجراءات لحسم الصراع المتفاقم داخل ما تبقى من قيادة الحزب، تبقى ساحة الحزب حبلى بالمفاجآت.
من القوى الديمقراطية إلى التكتل.. مسار طويل من الانسحابات
بدأ المسار السياسي للزعيم أحمد ولد داداه في مرحلته الثانية من المعارضة، عند ترشحه سنة 1992 للرئاسيات حيث التفت حوله قوى سياسية متعددة، أغلبها كان ضمن الجبهة الوطنية للتغيير، ومع تأسيس حزب اتحاد القوى الديمقراطية/ عهد جديد، بدأ مسار طويل من التفكك على النحو التالي:
- انسحاب الأمين العام للحزب السيد محمذن ولد باباه ومجموعة من رفاقه من الوزراء السابقين باتجاه الحزب الذي يقوده الوزير الأسبق حمدي ولد مكناس
- الصراع القوي داخل الحزب بين رئيسه أحمد وأمينه العام مسعود ولد بلخير، لينتهي الأمر بخروج حركة الحر وتأسيسها حزبها الخاص بها.
- تفاقم الصراع مع عناصر الحركة الوطنية الديمقراطية، وتعزز الخلاف بين الطرفين وانتهى أيضا بوجود حزبين بنفس الاسم يحمل أحدهما اسم اتحاد القوى الديمقراطية (أ) بقيادة رئيسه أحمد ولد داداه، والآخر (ب) بقيادة المرحوم محمد المصطفى ولد بدر الدين.
- خروج عناصر التيار الإسلامي من حزب التكتل، سنة 2003 في اتجاه دعم المرشح محمد خونه ولد هيدالة.
- خروج تيارات أخرى متعددة من الأطر والشخصيات المجتمعية
وفي مقابل ذلك استقبل التكتل قوى سياسية ومجتمعية كبيرة ومؤثرة وخصوصا بعد الإطاحة بالرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع، وشكل هؤلاء الوافدون عنصر قوة للحزب خلال السنتين الأوليين من انضمامهم، قبل أن يبدأ أغلبهم المغادرة إلى المرابع مع تراجع الحزب عن دعم انقلاب الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز
ماذا بقي من التكتل؟
يمكن القول إن التكتل ما يزال يملك رمزية رئيسه أحمد ولد داداه ومكانته ونضاله ودوره المجتمعي إلا أنه يعاني بقوة من آثار:
- ضعف المؤسسية الداخلية: حيث تعطلت أغلب الهيئات منذ فترة، وما زال عاجزا عن تنظيم مؤتمره الوطني منذ فترة طويلة.
- ضعف الإسناد المالي: حيث واجه الحزب شحا شديدا في مصادره المالية، خصوصا أنه كان يعتمد بشكل خاص على المصادر المالية الخاصة برئيسه أحمد ولد داداه، وعناصر قليلة من الداعمين.
- تباين المواقف السياسي ونزوح التيارات السياسية التي كانت تعمل داخل الحزب، قبل أن تنشئ أحزابها الخاصة بها.
وبين هذه الأسباب كلها يبدو طريق الحزب إلى المحاق قريبا، بسبب عمق الخلافات وتزايد الساعين إلى خلافة الرئيس المؤسس.
مواضيع ذات صلة:
من "عهد جديد" إلى " التكتل أبرز أحزاب المعارضة... رحلة نضال من التمدد إلى الانحسار- موقع الفكر
موقع الفكر ينشر صلاحيات اللجنة السياسية لحزب التكتل
رسالة تجميد عضوية اثنين من لجنة متابعة التحضير للميثاق الجمهوري وتنفيذ مخرجاته