
غادرنا بالأمس فتى الخمس كما يسميه المختار بن حامدن، ورجل الصلاح والإصلاح الشيخ محمد الأمين ولد أبو محمد، ولد ابده ، بعد عمر حافل بالعطاء والبذل والدعوة والإصلاح وخدمة تلاميذ المحاظر ومحاربة المسلكيات الشائنة.
ولد الشيخ محمد الأمين في حدود العام 1934، في منطقة انشيري ولأبوين من الأفذاذ من سلسلة علمية تمتد بين العلامتين مولود بن أحمد الجواد ومحمد بن محمد سالم، عاش الرجل طالب علم مجدا، وباحثا ضليعا، وداعية إلى الحق، وعاملا بالخير، وباذلا للنصح محاربا للمسلكيات الشائنة التي انتشرت خلال عقدي ما قبل الاستقلال، مثل المصافحة وهجر المساجد، والاستهزاء بمظاهر الدين والتصدي لانتشاره.
كان محمد الأمين أسدا هصورا في مجالاته العلمية والدينية، فكان يجول على العلماء مستصدرا الفتاوى والتوجيهات التي تنكر المنكر وتعضد التقوى وتعزز رفعة الدين في الدارين.
انتهج محمد الأمين في فترة قلت فيها الهمم وضعفت وسائل التلاميذ، توفير المتون المحظرية وخصوصا الشنقيطية، فكان يصور منها أعدادا كبيرة من النسخ ويوفرها للتلاميذ بأسعار أقرب إلى الهدية المجانية، وفوق ذلك يطوف بها على المجالس، فإذا حضر عقد حلقة علمية للمذاكرة والإفادة بالأحكام والدرر والفوائد، فكان بحق محظرة متنقلة.
وفي شبابه وبفكره وكفاحه أصبح رجل أعمال يملك ثروة طائلة، لكن الله لم يجعلها في قلبه بل سلطه على هلكتها في أوجه البر والمعروف والصدقة.
كان الرجل كريما جدا، جواد مهتما بالتعليم، ومن نزر كرمه الشهير إهداؤه بعض المواشي لبعض الشباب الذين أكملوا دراسة ألفية ابن مالك مع احمرار وطرة ابن بونه، وذلك تشجيعا لهم على التعلم وفتحا لباب التنافس فيه.
قد عاش حاتمَ دهره وجنيدَه سُحنونَه وأبو علا آدابِهِ
فيظلُّ إلفَ كتابه في يومِهِ وإذَا يَجِنُّ الليلُ في مِحْرَابِهِ
حَمَل العلومَ بصدْرِه فذَهَابُها بذهابه وإيابُها بإيابه.
كما عرف أيضا بهداياه المتعددة للتلاميذ من طعام وإيواء وتقدير، فكان يرى أن العلم هو أساس عماد الإسلام، وأحسن ما تحلى به المسلمون..
ولد ابد عطاي اتم أيد فالمعط ممتغط مادون المعط فم املم له ينحل ...
محييا سنة آبائه وأجداده حين أصبح الجود مقرونا به:
قد اظلم الليل بالمعروف واعتكرا وكنت أحمد عند الظلمة القمرا
وإذا حسنت في فقيد العلم والتقوى المراثي فقد حسنت من قبل ذلك المدائح، حيث يصفه العلامة الشيخ محمد سالم ولد عدود:
واليوم إلى رحمة الله تعالى ينتقل الرجل بزادين من علم وتقوى ودعاء يلهج به الصالحون والعلماء والأتقياء، وآلاف الطلاب ممن كان لهم عونا على التعليم والطلب، تفقد محظرة التيسير أحد علمائها وأعلامها الذين لم يرحلوا حتى تركوا بصمات كبيرة في تاريخها وحاضرها، وشهدوا نشأتها وتمددها حتى استوت على جودي من الموسوعية، وانتقل تلاميذها بين أنحاء موريتانيا، بل وأصقاع بلاد المسلمين.














