سابقا تساءل أستاذنا المفتش والمكلف بمهمة بوزارة التهذيب الوطني حاليا المصطفى ولد اگليب مستنكرا: هل يوجد تعارض بين طبيب بارع في جراحة الجسد ومفكر بارع في جراحة العقل والتفكير؟!
والحقيقة أنه لا يمكن أن يوجد تعارض البتة بين الأمرين، وإنما تكامل بين ما تحتاجه روح الإنسان وعقله من معارف تشبع نهمه، وتروي عطشه، وتنمي ملكة التفكير والتدبر من جهة، ليتميز ببشريته عن غيره من الكائنات، وبين احتياجاته الجسدية وارتباطه المادي بالحياة من جهة أخرى.
إننا اليوم في عالم يحتاج إلى من يرسخ فيه القيم الفاضلة، ويسمو بإنسانية الإنسان أكثر من احتياجه إلى ترسيخ القيم المادية للحياة؛ وهذا ما يستلزم منا أن نعطي قيمة أكبر للعلوم الإنسانية والآداب، موازاة لما نمنحه لنظيرتها التجريبية؛ حتى ترتقي مجتمعاتنا بالفضائل، بعد ما شاهدناه من انهيار للقيم الأخلاقية والمبادئ الإنسانية.
ما أحوجنا اليوم لمبادرات تدعم المتميزين في المجال الأدبي، وذلك ومن أجل الرفع من قيمة موادهم ودعم جهودهم ومواجهة سياسات التمييز غير المنصف بين المواد العملية والأدبية، والتي لا شك أنها خلفت انعكاسات سلبية على تدريس الآداب والعلوم الإنسانية بشكل عام والإقبال عليها، تعدى إلى أخذ صورة نمطيية غير جيدة عن المشتغلين بها.
ولا شك أن مبادرة تشجع طلاب الآداب وإعادة الاعتبار إلى تخصصاتهم واهتماماتهم هي مبادرة حرية بالدعم والمساندة، حتى تعود الأمور إلى نصابها.
وفي هذا الإطار تتنزل المسابقة المنظمة من قبل وزارة التهذيب الوطني الخاصة بالخط والخطابة، التي ستنطلق غدا، وهي مسابقة إن تطورت، يمكن أن تشكل بداية التفكير الجدي في أولمبياد أو رالي أدبي يساهم في دعم التميز في المجال الأدبي لدى طلابنا والرقي به ليوازي المجالات العلمية؛ وحتى لا يظن البعض أن هناك أي تعارض بين طبيب بارع في جراحة الجسد ومفكر بارع في جراحة العقل والتفكير، بل لنتيقن دائما أننا بحاجة إلى كليهما لإيجاد مجتمع صحي!!