بتعابير وجهها الحازمة، وابتسامتها الواثقة، ومخارج حروف لغة إنجليزية صقيلة، تواجه وزيرة الخارجية الجنوب إفريقية ناليدي باندور، منذ بعض الوقت كاميرات وسائل الإعلام الدولية، مدافعة ومنافحة عن فلسطين، وتقارع كيان إسرائيل المحتل في محكمة العدل الدولية، لإدانته بجرائم الحرب في قطاع غزة.
وراء هذه السيدة القوية، إرث كبير، من والدها جو ماثيو، الذي كان رفيق المناضل الإفريقي الكبير نيلسون مانديلا، وعضو بارز في "المؤتمر الوطني الأفريقي"،وقد انتخب عضو الجمعية الوطنية لجنوب أفريقيا، وبعد لقاء ناليدي أو "نادية" بزوجها المسلم، اعتنقت الإسلام، وأصبحت روافد قوتها أكبر، وإيمانها بالقضايا العادلة، وخاصة القضية الفلسطينية أعمق.
ولدت الوزيرة الجنوب إفريقية، عام 1953، وألهمتها تجربة مانديلا، واشتغلت بالعمل الأكاديمي، ثم طرقت باب السياسة من خلال العمل التشريعي، ففتح لها على مصراعيه، حيث أصبحت عضوا في البرلمان عام 1994 عن حزب "المؤتمر الوطني الإفريقي" (حزب مانديلا الحاكم منذ نهاية عهد الفصل العنصري).
كانت تجربتها التعليمية رافدا لشخصية سياسية قوية تشبعت بالتقاليد الأكاديمية، وأكسبها ذلك قدرة على المواجهة والخطابة، وقد درّست في مدارس وجامعات متعددة، وحصلت على شهادات من جامعات مختلفة.
وفي حزب المؤتمر الوطني الإفريقي تدرجت سريعا، فسرعان ما أصبحت نائبة رئيس كتلة الحزب في البرلمان عام 1995، ثم صعدت مع سلم الترقي مرة أخرى حين أُنتخبت نائبة لرئيس المجلس الوطني للمقاطعات عام 1998 وأصبحت رئيسة له في العام الموالي.
وكان عام 2004، دخلت إلى مجلس الوزراء لأول مرة وزيرة للتعليم، وهو المنصب الذي بقيت فيه حتى 2009، ثم وزيرة للعلوم والتكنولوجيا حتى 2012، ثم تولت حقيبة الداخلية، قبل أن تتركها بعد عامين عائدة إلى العلوم والتكنولوجيا، ومنها إلى التعليم العالي لعام واحد، لتجلس على كرسي الدبلوماسية، وزيرة للخارجية من عام 2019 إلى الآن.
عرفت منذ توليها حقيبة الخارجية بمواقف صارمة، منها رفض اعتقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال زيارته لجنوب إفريقيا، متحدية محكمة الجنائية الدولية، وهو ما جعل علاقة جنوب إفريقيا وروسيا تتعاظم، لتنبثق عن قوة المجموعة الاقتصادية الدولية "بريكس".
أما العلاقة بالقضية الفلسطينية فليست جديدة، وقد حصلت لقاء ذلك من الرئيس الفلسطيني محمود عباس على وسام "نجمة القدس الكبرى" عام 2022، بينما كانت تحيي اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني في حديقة الاستقلال في العاصمة الجنوب إفريقية بريتوريا.
وذكرت السفيرة الفلسطينية في جنوب إفريقيا حينها أن منح الوسام للوزيرة، "كونها تكمل مسيرة نلسون مانديلا التضامنية مع عدالة قضيتنا، ولها مواقف مشرفة من اعتبار إسرائيل دولة أبارتهايد وايمانها بأنه لا مكان لإسرائيل في الاتحاد الافريقي طالما بقيت دولة احتلال عنصري".
وعبرت ماندور عن استهجان واستياء بلدها من عدم حل القضية الفلسطينية منذ قرار التقسيم عام 1974، مؤكدة ضرورة تطبيق العدل بتنفيذ كافة جوانب القانون الدولي في حل الصراع وفقا لما تراه جنوب إفريقيا وكافة الدول المحبة للعدل والسلام في إقامة دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
وأشارت إلى أن موقف بلادها وموقفها الشخصي الملتصق به، هو نتيجة للجرائم التي ترتكبها إسرائيل ضد الإنسانية من خلال اضطهادها للفلسطينيين، واستمرار مسلسل القتل والاستيطان، وفرض المعاناة الحياتية اليومية وحرمانهم من أبسط حقوق المواطنة، واستمرار الحصار المفروض على قطاع غزة، حيث تمتد هذه المعاناة لتطال الفلسطينيين داخل إسرائيل.
هذا الدعم المنقطع النظير تحول إلى مواجهة مع إسرائيل، ففي 12 نوفمبر 2023، وبعد أكثر من شهر على عدوان إسرائيلي متواصل على قطاع غزة، دعت پاندور المحكمة الجنائية الدولية إلى تسريع تحقيقاتها في جرائم الحرب الإسرائيلية، وطالبت بإصدار أوامر اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وظهرت باندور هذا الأسبوع مرتدية حجاباً يغطي شعرها وهي تتحدث عن التراث الإسلامي، وتستلهم من الإسلام رفضه الظلم وتشديده على نصرة المظلوم، مستشهدة بالحديث الشريف: "انصر أخاك ظالما أو مظلوما..".
وفي لقاء مع الجالية الإسلامية بجنوب إفريقيا يوم الثلاثاء الماضي، قالت الوزيرة إن بلادها ستظل داعمة للشعب الفلسطيني ومطالبه العادلة، مؤكدة أن القيم الإسلامية تتضمن العديد من المواقف والسلوكيات التي تدعو إلى نصرة المظلوم في وجه الظالم.
وبهذا الظهور تساءل كثيرون عن ديانة باندور، ويوضح موقع "المعرفة" في سيرتها الذاتية أنها متزوجة من شريف جوسف پاندور، منذ 1982، الذي التقت به أثناء دراستها في دولة بوتسوانا، ولديهما أربعة أطفال، هم: عائشة وهارون وثريا وفضل الرحمن.
وبؤكد الموقع أن باندوراعتنقت الإسلام، وأطلق عليها أهل زوجها الاسم الإسلامي اسم "نادية"، وينسب تصريحا عن تحولها الديني، تقول فيه: "قال والداي إن الله هو الله. وطالما أنكم تعبدونه، فسوف ندعمكم والمبادئ الإسلامية عالمية، ومن المؤكد أن الإسلام يتطلب منكم المزيد من الالتزام".