تهيمن البيرقراطية على أداء الإدارة الموريتانية، و التي هي موروث عن إدارة المستعمر الفرنسي، فما الذي تعنيه البيرقراطية؟.
البيرقراطية أو باللغة الإنجليزية "Bureaucracy" كلمة تجمع بين الكلمة الفرنسية "مكتب bureau" المستخدمة في بداية القرن الثامن عشر، و الكلمة الإغريقية "كراتس kpatos" و تعني السلطة، و الكلمة في مجملها "بيروقراطية" تعني قوة السلطة أو قوة المكتب.
لما كان جزء من الكلمة أصله فرنسي، و بحكم أن الإدارة الموريتانية هي تركة فرنسية، فهي تعاني من ضعف في الأداء بسبب سلطة الأفراد و النفوذ الذي يمارسونه استغلالا للمناصب ترغيبا أحيانا، و تخويفا و ترهيبا في احايين كثيرة.
تعد البيرقراطية أداة لم تعد ملائمة لعصر السرعة مع وجود آلية التكنولوجيا و التي دخلت بقوة من أجل تسهيل و تقريب الخدمات من المواطنين.
إن الملف الذي لا تتطلب إجراءات معالجته الإدارية دقائق معدودة من وقت المسؤول المداوم في مكتبه، مع استخدام "قوة أو سلطة المكتب" قد يأخذ من الوقت حياة المواطن البسيط إذا لم تكن له يد طولى رافعة له من أجل إتمام الإجراءات- تلك الرافعة إما أن تكون قرابة، أو معرفة شخصية بالمسؤول، أو وصاية من أحد النافذين.
إن مقارنة بسيطة بين الإدارة عندنا -موروث فرنسي- مع إدارة في إحدى دول العالم التي تعتمد النظام الإنجليزي تظهر مدى انسيابية العمل و تسهيل الولوج الى الخدمات في ظرف وجيز قد لا يستغرق دقائق تحتسي فيها كوب قهوة، و ما ظاهرة الطوابير عندنا أمام بعض الإدارات و المراجعات التي تنهك جسد و جيب المواطن المستفيد من الخدمة إلا دليل على أن البيرقراطية آلية سيئة و أنه ليس فقط المواطن من يعاني منها بل و حتى الوافدين من مستثمرين يشكون الرتابة و طول إنتظار الحصول على المعاملات بل و ربما تكون عاملاً منفرا و ليست مستقطبا للمستثمرين.
إن من أمثلة البيرقراطية القائمة اليوم هو صدور قرار أحادي المصدر من وزارة المالية بموجبه تفرض إرسال مذكرات الترقيات في ظرف أقصاه عشرة أيام رغم أنها ليست المدة الكافية لإنهاء الإجراءات الإدارية من تواقيع يرتبط بها المقرر المالي تشمل الوزارة المشغل، و الوزارة الوصية ممثلة في وزارة الوظيفة العمومية، إضافة إلى عدة دوائر حكومية أخرى حتى ينتهي به المطاف في أحد أدراج وزارة المالية.
القرار الآنف الذكر تضرر منه جمع من الموظفين من من تمت ترقيتهم و المثال الحي عندنا في وزارة التهذيب الوطني و إصلاح النظام التعليمي.
يعاني رؤساء الأقسام من "البيرقراطية-سلطة المكتب" فمن بينهم من تمت ترقيته منذ ثمانية أشهر و لم يحصلوا على مستحقات التعويض رغم أنهم يزاولون مهامهم كرؤساء اقساء إما في دوائر الوزارة أو في الإدارات الجهوية.
لم تكتفي البيرقراطية من ظلم رؤساء الأقسام بأن قطعت علاوات كانوا يحصلون عليها أثناء مزاولتهم للتدريس كعلاوتي الطبشور و علاوة التشجيع التي منحها الرئيس محمد الشيخ الغزواني و قدرها 3000 أوقية جديدة عن كل فصل دراسي، بل و أجبرت كل من يريد الحصول على استمرارية علاوته أن يتعهد خطيا بتنازله عن حقه في التعويض عن الأشهر السابقة مهما كان عددها (البعض تنازل عن ثمانية أشهر، و ستة أشهر...) و رغم ذلك لم يحصلوا على حقهم في الاستمرارية إلا القلة منهم.
إن البيرقراطية سوسة تأكل حق المواطنين البسطاء، و لم تعد ناجعة في تسيير الإدارة المعصرنة.