قبل أيام طرحت السؤال التالي:
تُرى هل من الممكن أن تعترف النخبة الموريتانية بمصطلح "الوسط السياسي"؟ يكتسب هذا السؤال إلحاحا متجددا مع ظهور حركة "وسطية" - التيار من أجل الوطن - في ظل الاستقطاب السياسي المتزايد في وجه الانتخابات الرئاسية المقبلة.
* الرأي الآخر
ردّ أحد المحللين في رسالة بعث بها إلي ردّا قاطعا: "كلا"! واستند لإثبات حكمه إلى أن الطبقة السياسية في بلادنا ظلت تترنح طَوال عمرها بين مأزقين، هما: الموالاة العمياء والمعارضة الصماء. و رسمت في الساحة بشكل "أبدي" ثنائية قطبية جعلت المواطن الموريتاني يستسلم مرغما على الاختيار بين أن يكون "مواليا ضد المعارضين" أو "معارضا ضد الموالين". وأضاف بأن - الموالاة والمعارضة - عملتا معا على مدى عقود من الزمن على نشر وترسيخ فكرة مفادها أن "الوسط" موقف كاذب أو ادعاء زائف، أو إغراء لخِداع المواطنين. ولهذه الأسباب، يقول صديقي المحلل، فإن الوسط السياسي الذي يرفع راية التوازن والاعتدال لا له محلا من الإعراب في القاموس السياسي الموريتاني.
* الرأي
و رد صديق آخر: الواقع يقول إن أغلبية كبيرة من المواطنين الموريتانيين باتت تتطلع أكثر فأكثر إلى الهروب من منطق المواجهة الثنائية بين الطرفين وإلى مد الجسور بين الضفتين. الوسطية وحدها هي القادرة على أن تقدم أرضية كافية لبناء بدائل أفضل عن سراب الموالاة و ميراج المعارضة. وهي الترياق المضاد للثنائية العقيمة التي تهيمن على المشهد السياسي والإعلامي و وسائط التواصل الاجتماعي منذ أمد بعيد.
في مواجهة التشرذم ومخاطر الانتظار، فإن "الوسطيين" و "المعتدلين" هم من يرسون قواعد الحوار والتفاوض والتلاقي، ويخلقون الظروف الملائمة للتسويات المفيدة.
وإن سألوك عن أي وسطية نتحدث، قل لهم إننا نتحدث عن الوسطية "البراغماتية" التي تؤسس على مفيد التجارب، وتنبذ الأوهام وتتحرك ضمن الممكن والمتاح، وتنظر في الأحداث نظرةً واقعية متبصّرة لاستنباط المواقف الصّحيحة واتخاذ القرارات الصائبة في الوقت والمكان المناسبين من خلال الموازنة بين الإيجابيّات والسّلبيّات وتغليب المصلحة العامة.
في المُجمل، فإن الوسطية "البراغماتية" هي الأفضل "من أجل الوطن"، رغم عيبين كبيرين تتهم بهما.
- العيب الأول : هو أن أصحابها - "الوسطيون السياسيون- غالبا ما يكونون عرضة للاتهام بالتذبذب والتردد والضعف.
- العيب الثاني: هو أنها غالبا ما تخسر في الاقتراعات، إذ يفضل الناخبون الذهاب إلى مشوي الموالاة أو دجاج المعارضة.
عودٌ على بدء
وبين هذا و ذاك يبقى سؤال مطروح: هل يمكن للتيار من أجل الوطن أن يعطي "الوسط السياسي" معنى ومغزى جديدين في موريتانيا؟ هل يمكنه أن يصوغ أفكارًا "وسطية" واضحة في إطار برنامج سياسي جامع لأغلبية النخب؟ وهل يمكنه ابتكار مقاربات وآليات وسلوكيات عملية جديدة من شأنها أن ترد الاعتبار للسياسة، وتعيد للسياسيين ألقابهم النبيلة؟
"أجل، نستطيع"! (Yes we can) قالها سياسي وسطي آخر قبل 20 سنة من الآن ، باراك أوباما 2004.
نواكشوط 12 مارس 2024