غدا الأحد يستعد سبعة ملايين سنغالي للإدلاء بأصواتهم من أجل انتخاب رئيس خامس لبلدهم بعد الرئيس الحالي المنتهية ولايته ماكي صال. وذلك بعد أزمة سياسية عنيفة بسبب إعلان هذا الاخير عن تأجيل الانتخابات نظرا لعدم استيفاء حزبه لشروط الفوز المحقق كما يقول مراقبون.
والسنغال كما هو معروف يوصف بمهد الديمقراطية في افريقيا لأنه لم يشهد انقلابا عسكريا، غير أنه كسائر بلدان إفريقيا– والفرنسية خاصة- يعاني من جملة من المشاكل البنيوية أبرزها مشكل التناوب على السلطة الذي يبدو أن السنغاليين حققوا نوعا من النجاح فيه، فرغم الانتقال السلمي للسلطة من كل رئيس لخلفه، تحدث اضطرابات أمنية تؤدي بأرواح وممتلكات.
وتمثل انتخابات غد الأحد يوما فاصلا في تاريخ الديمقراطية السنغالية حيث عرفت أكبر عدد من المترشحين، وذلك بسبب عمق الازمة الاجتماعية الناجمة بالأساس عن العامل الاقتصادي.
ومع اشتداد وطأة الأزمة الاقتصادية الماثلة في القلق الذي يساور البلد في قضية بدء انتاج الغاز الطبيعي المرتقب والذي يبدو أنه مازال متعثرا بسبب التأخر المتواصل وزيادة الكلفة حسب تصريحات أنطوان فيليكس جوم الوزير في الحكومة السابقة، الذي يرى ترابطا بين الكلفة والعائد.
ولا يختلف رأي الخبير الاقتصادي بابكركي كثيرا، إذ يقدم هذا الأخير رؤية أكثر تشاؤما. فقد قال إن البنك الدولي يعتقد أن تمو الناتج الوطني الخام للسنغال سيبلغ 8.8% هذا العام؛ لكن نسبة النمو لن تسعف اقتصاد البلد.
واتفاقات صيد غير متكافئة مع الأوربيين ينتج عنها استنزاف الموارد مما يؤدي في نهاية المطاف الى ظروف اجتماعية غاية في الصعوبة وفي إفقار البلد.
و يطل عامل هجرة الشباب الى أوروبا عبر زوارق الموت وتنجم عنه في أغلب الحالات وفيات مما يثير قلق أهل السنغال الذين يحلمون بغد أفضل في القارة الأروبية ولوكان تحت العيش في الخفاء؛ غير أن الأروبيين لا يشاطرونهم هذا الحلم فقد أعادوا أعدادا كبيرة من الناجين الذين وصلوا البر الأروبي.
و يأتي الوضع والأمن في شبه المنطقة والعلاقات مع البلدان المجاورة، فساحات الحرب والمناوشات لا تبعد كثيرا عن السنغال. والجار المالي وجاره البوركنابي يعيشان منذ وقت ليس بالقصير اضطرابات وصعوبات أمنية شديدة بدأت بانقسامات داخلية وتفاقمت بعد عجز جيوش فرنسا القوة الاستعارية السابقة عن حسمها. وبالتالي تقلص النفوذ الفرنسي السياسي والاقتصادي الداعم للأنظمة القديمة؛ فجاءت الى السلطة نخب عسكرية شعبوية تدرك مسيرة بلدانهم مع الاستعمار.
يأتي السنغاليون غد الى صناديق الاقتراع باحثين عن المخلص والهموم الأربعة تثقل رؤوسهم وتنغص عيشهم. بقي في الميدان سبعة عشر مترشحا فاز بالظهور أربعة منهم. وأبرز هؤلاء مرشح السلطة آمادو با، الموصوف بالإبن الوارث للرئيس ماكي، والموظف الملياردير على تعبير عثمان سونكو.
لم يقدم آماو وعودا انتخابية كالعادة بل اقتصرعلى تكرار تعهد قديم من سبع نقاط أبرزها المحافظة على نهج سلفه. ويميل آمادو إلى المحافظة واتباع نهج صال مع القول في كل مرة إنه سيحسن الأوضاع المعيشية للمواطن دون الخوض في كثيرمن التفاصيل.
آمادو مفتش رئيس مختص في الضرائب والعقارات الأمر الذي يجعله على دراية تامة بدواليب الدولة والممكن من المستحيل، فقد شغل منصب وزير المالية لمدة وحقق فيها نجاحا، وعين بعد ذلك وزيرا للخارجية ثم وزيرا أولا.
أما الثاني فهو باسيرو جوماي فاي من حزب باستيف المعارض المحلول وصنو لعثمان سونكو المددق المالي المعارض الشرس و المطرود من الوظيفة العمومية بعد نشره لكتاب أبيض تحدث فيه عن ممتكات صال ومستقبل عائدات الغاز.
ينحدر باسيرو من بيت زراعي ورعوي من شعب السرير؛ وهو خريج المدرسة الوطنية للإدارة وهو أقل جاذبية من سيده. ويبدو أنه يتبى أفكار سونكو-كماهي- و التي تتضمن اصلاحات كبرى منها تعديل مؤسسي يخدم القضايا الافرقية، والغاء منصب الوزير الأول واستبداله بنائب للرئيس مع النص على صلاحياتهما في الدستور، والخروج من عملة لفرنك الافريقي واستبداله بعملة لدول غرب افريقيا أو انشاء عملة خاصة بالبلد، ومراجعة عقود انتاج الغاز ومعاهدات الدفاع والصيد..
وقد انتعش أمله بعد ركلة الجزاء التي أمده بها الديمقراطي السنغالي (PDS)، حيث أعلن الرئيس السابق عبد الله واد، الجمعة، دعم الحزب لائتلاف ديوماي فاي في الانتخابات الرئاسية الحالية.
وقال واد، في بيان وقعه باسم حزبه، إن السنغال في نقطة تحول تاريخية، تستوجب استعادة سيادة القانون وضمان استقلال العدالة على جميع الاعتبارات الأخرى، مضيفا أن هذه المبادئ الأساسية هي ركائز أية ديمقراطية حية وهي مهددة الآن بشكل خطير.
وأضاف أن قرار دعم ديوماي فاي يتجاوز الخيار السياسي ليكون التزاما بحماية حرياتنا وحقوقنا وكرامتنا كسنغاليين، ودعوة إلى الوحدة من أجل الدفاع عن أعز قيمنا ومن أجل مستقبل بلدنا.
أما خليفة صال العمدة السابق لمدينة داكار فقد أبدا في خطاباته تمسكا بالقيم التقليدية التي أبرزها الاسرة وتقوية المؤسسات والحرية والعدالة و حقوق الانسان. كما أضاف أنه سيشجع التعايش المشترك ودعم الحكم الرشيد والاصلاح الاقتصادي.
وفيما يخص رابع أبرز المرشحين إدريسا سيك الذي شغل منصب عمدة مدينته تييس كما تولى منصب الوزير الاول ، فأبرز ما قال إنه سيعيد كأس العالم للسنغال، مع اعادة الخطاب التقليدي المتحدث عن تحسين ظروف عيش المواطن.
يرى المتتبعون لحملة الانتخابات الرئاسية في السنغال هذا العام أنها تختلف كثيرا عن سابقاتها. ويعزا ذلك في نظرهم للتأخير الذي حصل فلم تقم الاحزاب بنشاطها الدعائي المعروف بسبب عامل الوقت وظروف صوم رمضان؛ فجاءت باهتة.
ومن الملاحظ تجنب هؤلاء المرشحين لبحث الملفات الحساسة في العلن على الأقل والاكثار من استخدام وسائل الاتصال الاجتماعي التي تتيح فرصا كبيرة لمخاطبة الجماهير بلغاتها المحلية مع الحضور البدني لهؤلاء.
ويبدو أن الصراع سيكون بين مرشح النظام آمادوبا ومرشح المعارضة باسيرو ليبق المعارضان عاملا لإتمام النصر في الشوط الثاني. والذي يبدو من المشهد السنغالي هوهل يدخل التمايز العرقي السياسة؟
يظهر بجلاء أن معظم الطبقة السياسية متآلفة وبشكل صامت من أجل اقصاء مرشح القوى الشبابية المعارضة والساخطة على الطبقة الحاكمة منذ عقود، خاصة أن ذاك المرشح ومن ناب عنه ينتميان الى شعب السيرير الأقل نسبيا والمنتشرفي ارض كازامانص، والذي مازال يعيش على الزراعة والرعي؛ خاصة و أنه خصم عنيد بذي اللسان وعارف بملفات الفساد.
غدا، مساء، تقفل صناديق الاقتراع ويبدأ العد النتازلي لإعلان الرئيس الجديد لدولة السنغال، وإِنّ غَداً لنَاظِرِهِ قَرِيبُ.
