وجاء اليوم المعلوم حيث تقوم الطائرة في الصباح الباكر، وقد اتفق معي الإخوة المسئولون: أن يأتوا قبل الطائرة ليأخذوا حقيبتي، وبعدها بساعة، يأتون ليصحبوني إلى لطائرة. ولكني انتظرت طويلًا وطال الانتظار ولم يأتني أحد، قلت: لعل الطائرة تأخرت، ولكن لماذا لم يعلموني بأن الطائرة تأخرت؟
وهكذا ظللت أسائل نفسي، ولا أجد جوابًا لسؤالي، حتى حضر إلي بعض الإخوة فسألتهم: ما الخبر؟ هل تأخرت الطائرة؟ ولم تأخرت؟ فقالوا: ألم تعرف ماذا حدث؟ قلت: لا، ماذا حدث؟ قالوا: لقد قامت الحرب! وعُطِّل المطار، فلا طائرة تذهب ولا طائرة تجيء، حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولًا.
الانتظار والصبر:
فقلت: سبحان الله: كل شيء بأجل مُسمّى، كنت مستعجلًا، لأذهب إلى الجزائر، فإذا هذه الحرب تدور رحاها فجأة، وإن كنا نتوقعها في كل وقت. وما عليّ إلا الانتظاروالصبر. ولا أملك غير هذا، طال الزمن أم قَصُر. ومن لم يصبر فلْيشرب من البحر.
الصبر مفتاح ما يُرَجّى وكل صعب به يهون
فاصبر وإن طالت الليالي فربما أسلس الحرون
وربما نيل باصْطبار ما قيل: هيهات لا يكون
عجزي عن متابعة أخبار الحرب في التليفزيون السوداني:
والعجيب أنه في فندق الهيلتون الذي أقيم فيه لا أستطيع أن أتابع أخبار الحرب، ولا يستطيع جهاز التلفزيون الذي في غرفتي أن يريني شيئًا غير ما يبُث من الخرطوم.
وأستمع إلى التلفزيون، فأجده في صفِّ صدام. ويذيع أنشودتين ليس عنده غيرهما، إحداهما تقول:
الشعب العربي وين وين الملايين
الغضب العربي وين الصوت العربي وين
الدم العربي وين وين الملايين
ويـــــــــــن الملايــــــــــــين
والأغنية الأخرى عراقية مؤثّرة، لا أذكر منها إلا مقطعًا يقول:
وقبرك يا محمد يحميه الأمريكان!
صعوبة الاتصال بخارج الخرطوم:
وحتى الاتصال بخارج الخرطوم عن طريق الهاتف فيه صعوبة جدًّا، فلا أنا اتصلت بقطر، ولا أنا اتصلت بالجزائر، أعرفهم أين أنا الآن؟
فقد كانت «ثورة الإنقاذ» ما زالت في فترتها الأولى بعد، لم تستطع أن تخرج السودان من سجن التخلف الذي كان يرزح فيه، فكل الخدمات فيه رديئة، وكل ألوان الاتصال فيه واهية، وهو يحتاج إلى فترة من الزمن حتى تستطيع الثورة فيه التغيير، ولو جزئيًا.