معالي الوزير، الشيخ أحمد ولد الزحاف، شخصية سياسية وفكرية وطنية مرموقة، مُزداد في مستهل عقد الستينات من القرن المنصرم، في منطقة عين فربه، ذات التضاريس و الطبيعية الجميلة.
أستاذ مادة الفلسفة الذي تولى عديد المناصب السامية في الدولة وأنجز، تجربة ملفتة من فلسفة السياسة وتسييس الفلسفة.
التقيناه في موقع الفكر، فحدثنا عن نشأته ومساره الدراسي، وحياته الوظيفية بدءً من أول تعيين له مديرا مساعدا لهيئة المركب الأولمبي في نواكشوط، وصولا لإدارته للشركة الموريتانية للغاز، التي أقيل منها سنة 2021، مرورا بالوزارة والسفارة، وحدثنا عن رأيه في بعض القضايا الاجتماعية والسياسية المطروحة وطنيا، وعن تياره السياسي الجديد الذي يريدونه مواليا لا يغالي في الموالاة، يوالي ولكنه ينبه على النواقص ولاختلالات، إلى غير ذلك من الأمور التي بسطها مشكورا في المقابلة التالية:
موقع الفكر: في البداية، نودُّ منكم تعريف القارئ، بشخصكم الكريم، من حيث الاسم وتاريخ ومحل الميلاد وأهم الوظائف التي تقلدتم والشهادات التي تحصلتم عليها؟
الشيخ أحمد ولد الزحاف: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسوله الكريم.
في البداية، شكرا لموقعكم الموقر؛ موقع الفكر، على الاستضافة، وإجابة على سؤالكم؛ الاسم الشيخ أحمد ولد الزحاف، من مواليد العام 1962م، بولاية الحوض الغربي وبالذات في بلدية عين فربه.
تربيت في بيئة مجتمعية محافظة أساسا على القيم الدينية والقيم الاجتماعية الحميدة، و وفي نفس الوقت منفتحة سياسيا واجتماعيا على المجموعات الأخرى وعلى الوطن بأكمله، وبالتالي هذه البيئة قيض الله لها رجالا كانوا متقدمين على زمانهم، وقد واكبوا نشأة الدولة الموريتانية وشاركوا في التأسيس؛ فتعلقوا بالسياسة من ذلك الباب أولا، وثانيا ارتقت بهم السياسة إلى البحث عن خدمات الدولة كالتعليم والصحة، فتمكنوا من فتح المدارس في وقت مبكر ومثال ذلك مدرسة عين فربه، وتَوفقوا في الاستفادة من الخدمات المتواضعة التي كانت لدى الدولة أيام نشأتها.
بخصوص تكويني الخاص؛ درست أولا في المحاظر وبالذات محظرة في المحيط الذي ولدت فيه، ثم دخلت المدارس النظامية وحصلت على شهادة ختم الدروس الابتدائية وشهادة الدروس الإعدادية ثم على شهادة البكلوريا ودخلت المدرسة العليا لتكوين الأساتذة والمفتشين، وتخرجت منها أستاذا مجازا في مادة الفلسفة وعلم الاجتماع.
وفي هذه المرحلة وحتى قبلها في المرحلة الثانوية، بدأت ممارسة السياسة من خلال الحركات المدرسية والطلابية، وانخرطت بشكل خاص في الحركة الوطنية الديمقراطية.
واتماما لموضوع الدراسة وفي فترة متأخرة جدا بعد أن تقلدت الكثير من المسؤوليات والمناصب في الدولة، رجعت لمقاعد الدراسة حيث حصلت على شهادة الماستر في علم الاجتماع، من كلية الآداب والعلوم الاجتماعية بجامعة نواكشوط.
بالنسبة للوظائف التي تقلدت، فقد ترقيت في الجهاز الإداري الموريتاني الذي بدأت فيه أستاذا، حيث درست أساسا في ثانوية كيهيدي وفي ثانوية الميناء في نواكشوط، وبعد ذلك عينت مديرا مساعدا لهيئة المركب الأولمبي في نواكشوط، وكان أول تعيين لي، ثم مستشارا مكلفا بالشؤون الاجتماعية لوزير الصحة، ثم أمينا عاما لوزارة الوظيفة العمومية والشغل والشباب والرياضة، ثم وزيرا للمياه والطاقة، وبعد ذلك مديرا للمكتب الوطني للسياحة وكنت أنا الذي أنشأته.
وبعد ذلك وفي فترة أخرى عينت سفيرا ممثلا دائما لموريتانيا لدى الأمم المتحدة في جنيف، وسفيرا غير مقيم لدى الاتحاد السويسري والنمسا والوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وفي فترة لاحقة على ذلك وبالتحديد في العام 2021، عينت مديرا عاما للشركة الموريتانية للغاز، وتمت إقالتي من ذلك المنصب، ومنذ تلك الإقالة لم أشغل منصبا إداريا أو سياسيا في الدولة.
موقع الفكر: كصاحب رؤية سياسية وباحث في علم الاجتماع، ما أهم المشاكل المطروحة لشريحة لحراطين من وجهة نظركم، وما موقفكم من الطرح الشرائحي والعرقي والفئوي، في ضوء ما تشهده البلاد من حراكات عرقية وفئوية وشراحية؟
الشيخ أحمد ولد الزحاف: الذي يظهر لي أن هذا المكون كسائر المكونات الوطنية وكسائر الفئات المتضررة بالتهميش والغبن والإقصاء، لديه مثلها مشاكل، ولكن المشاكل ليست سواسية، فهناك التهميش والإقصاء البِنيوي، وهناك التهميش والإقصاء العابر؛ فالتهميش والإقصاء البنيوي، هو الذي خلفت البنية المجتمعية للمجتمع الموريتاني لهذه الأجيال الحالية، ومن المتضررين بهذا النمط فئة لحراطين.
هناك تهميش ناتج عن فشل أو غياب استراتيجيات وطنية أو سياسات للاندماج والتكفل باحتياجات الفئات التي بقيت على الطريق فلم تستطع أن تتعلم ولم تستطع أن تلج إلى الثروة والتشغيل والتكوين، بما يمكنها من العيش الكريم.
موقع الفكر: عفوا، أفهم من كلامكم أن هناك فئات أخرى تعاني من التهميش والغبن؟
الشيخ أحمد ولد الزحاف: كل الفئات مشتركة في التهميش والغبن، ومعنى هذا أن التهميش والغبن ليست خاصية مميزة ل "لحراطين" دون غيرهم من الفئات الاجتماعية الأخرى، وإن كان تهميش لحراطين تهميشا بنيويا لا يتمثل في تدني مستوى المعيشة والمشاركة في الحياة العمومية فقط، وإنما يطال العقلية السائدة المتمثلة في نظرة الدونية والازدراء، وبالتالي فإن من ينظر إليه بالدونية، لا تتوفر له الفرص التي تتوفر للآخرين.
إن خصوصية تهميش مكون لحراطين، هو أنه ورث الرق، وهذا هو البعد البنيوي في قضيته، ومن يرث الرق سيرث معه الجهل والفقر والإقصاء والازدراء، وهذا ما يجعل حظوظهم في الولوج إلى العيش الكريم والمشاركة في الحياة العامة، تقل عن الآخرين، لذلك يتبين لي فعلا أن هناك مشكلة حقيقية، ولكن هذه المشكلة تواجه عادة من خلال مقاربتين؛ إما مقاربة شرائحية، وإما مقاربة وطنية تنموية شاملة، المقاربة الشرائحية لا تقترح حلا وتريد أن تبقى القضية مطروحة لحاجة في نفس يعقوب أو زيد أو عمرو، بينما المقاربة الوطنية الشاملة، وهي مقاربة مركبة في حد ذاتها، باعتبار أن التهميش ليس خاصا بهذه الفئة دون غيرها، الأسباب قد تختلف عن الأسباب التي جعلت هذه الفئة في وضع تهميش و وضع إقصاء، هذا من جهة، ومن جهة أخرى مركبة لأنه يتأتى من البيئة المجتمعية التي كانت قائمة والتي ما زالت صامدة بفعل الكثير من العوامل، خاصة أن هذه الظاهرة ظاهرة اجتماعية، والظواهر الاجتماعية في طبيعتها ظواهر لا تنتهي ولا يتم القضاء عليها بالطفرة، وإنما يتم عبر مسار طويل تتوفر فيه مجموعة من العوامل، منها السياسي العام والفكري، بالإضافة إلى العامل الرسمي المتمثل فيما ستقدمه الدولة، إذا، هذه هي التي تسرع وتيرة التحول، وهذه الوتيرة ليست سريعة بالمرة، وبالتالي نحتاج توفر مجموعة من العوامل حتى تكون هذه الوتيرة سريعة، فيتم القضاء على ما تبقى من الرق كممارسة، ويتم القضاء على مخلفات الرق التي هي الجانب المسيطر أكثر والغالب في هذا الإشكال.
موقع الفكر: هل ترى أن الرق ما زال موجودا أم أن الموجود هو مخلفاته فقط؟
الشيخ أحمد ولد الزحاف: الشيخ أحمد ولد الزحاف: سوف أعيد لك الفكرة التي قلت قبل قليل - أن نتحدث عن وجود مخلفات للرق، هذا لا يعني أنه لم تعد توجد حالات رق، فمجرد وجود المخلفات يعني أننا في مسار تحول، ومعناه بعبارة أخرى أنه قد تكون هناك حالات رق ما زالت موجودة الآن، لكنها حالات موجودة في إطار غياب وعي لدى المسترِق والمسترَق، وبالتالي فالغالب اليوم هو مخلفات الرق التي نشاهدها في كل مكان؛ نشاهدها وراء هذه الدور الكبيرة في تفرغ زينه، ونشاهدها في الداخل، وفي آدوابه وفي الأحياء الشعبية، وهذا هو الغالب، أما تملك الإنسان القسري للإنسان، فأظن أنه أضحى محدودا جدا.
موقع الفكر: ماتقويمكم لجهود الحكومة، وما مدى نجاعتها في محاربة مخلفات الرق؟
الشيخ أحمد ولد الزحاف: إيجابا، أرى أن الإرادة السياسية مهمة، فالرئيس الحالي للبلاد محمد ولد الشيخ الغزواني، لديه الإرادة للعمل والقضاء على مخلفات الرق، وقد جاء ذلك صريحا في برنامجه الانتخابي، كما يلاحظ ذلك في البرامج التي تنفذها قطاعات الدولة المختلفة، خاصة مؤسسة "تآزر".
ولديه مزية أخرى وهي أنه ولأول مرة مع هذا الرئيس يتم تشخيص هذه الظاهرة، لأن الكثير من الشرائحيين يذهبون إلى درجة السعي بأن يكون لحراطين قومية خامسة في موريتانيا، في حين أن لحراطين عرب موريتانيون، ويذهبون إلى درجة خلق مشاريع وأشياء خاصة بالحراطين، ونحن لا يمكن أن نبني إلا دولة متكاملة ومندمجة، فلا يمكن أن نقول مثلا سننجز مشروع الماء هذا مثلا للحراطين فقط دون البيظان، أو هذا المستشفى سيكون خاصا ب "لكور" دون غيرهم، فهذا غير معقول.
إذا، تشخيص الرئيس للقضية هو أنه طرحها كقضية غبن وإقصاء وتهميش، وهذه هي السمة البارزة لمقاربته، والأمر الثاني هو أن هناك إصلاحات بدأت، يمكن أن يقال إنها ليست على المستوى الكافي من الجرأة، خاصة لدى منفذيها، خلافا للرئيس، لأن الرئيس يوجه ويطرح خيارات ويتعهد، لكنه لا ينفذ، وبالتالي فالجهات المسؤولة عن تنفيذ هذه المقاربة الشاملة الوطنية، لا تقوم بعملها كما ينبغي، وقد ذكرت لي أنكم وجدتم قرية مدرستها مغلقة منذ خمس سنوات، وحين نبهتم على القضية تم فتح المدرسة، وقد تكون هناك مدارس أخرى تعيش نفس الوضعية.
وفي هذا السياق لا بد من إجراءات أخرى مصاحبة، فمثلا حين تأخذ معلما وتذهب به إلى أدباي به مدرسة، فهذه المدرسة لا يمكن أن تستمر والتلاميذ لا يمكنهم الاستمرار في فيها، لأنك طالما لم تصنع قيمة مضافة للأنشطة الاقتصادية التي يعيش منها سكان القرية، سواء في المجال الزراعي أو الرعوي أو التجاري، فلن يتركوا أولادهم يذهبوا للمدرسة، لأنهم يستخدمونهم كقوة عاملة، وبالتالي فهذه الإجراءات المصاحبة ضرورية، حتى المعلم الذي يدرس في هذه القرية وضعه صعب، وهذا ما ينعكس على أدائه، فهو لا يتوفر على ضمانات بالحصول على معيشة وسكن لائقين، وهكذا تصبح المدرسة بلا تلاميذ وبلا معلمين: بلا تلاميذ، نتيجة غياب الإجراءات المصاحبة لافتتاح المدرسة أصلا، وبلا معلمين، نتيجة أن المعلم لا تتاح له الظروف للإقامة في هذه القرية، شأنه في ذلك شأن المرشد الزراعي والقابلة والممرض، وهذه هي المشكلة.
المسألة الأخرى، هي أن رئيس الجمهورية، على سبيل المثال، ألقى خطابا في وادان وآخر في جول وآخر في تيشيت، وفي كل هذه الخطابات، دعا إلى تجاوز الصور النمطية عن بعض فئات مجتمعنا وبأنه يجب نبذ العقليات والمسلكيات الدونية، كما يجب تثمين الدور الذي قامت به هذه الفئات عبر التاريخ.. كل هذا قاله، ولكن القوى التي كان ينبغي لها أن تسوق هذا الخطاب وتعطيه الزخم الإعلامي اللازم له، حتى يتأثر به المجتمع، التفت على هذا الخطاب، وأصبحت تقيم التجمعات القبلية، وهي قوى تدعي أنها مع النظام ومع الرئيس، ولكن الرئيس في خطاباته دعا لمحاربة النفس القبلي، لكن هذه القوى ملتفة على كل ذلك، ولا تريد لهذا المجتمع أن يتقدم، لأن هذه القوى في الواقع، إما أنها مهتمة بالامتيازات التي تأخذ من الدولة والحفاظ عليها.
موقع الفكر: ماحقيقة ماجرى معكم في ملف سوماغاز؟
الشيخ أحمد ولد الزحاف: كل مافي الأمر هو أن شركة سوما كاز، عندما جئتها وجدت لديها مشكلة كبيرة، تتعلق بسلامة وأمن منشآتها، سواء تعلق الأمر بالتخزينية أو الأنابيب أو بآليات شحن قناني الغاز، فضلا عن سلامة محيط هذه المنشآت، وقد بادرت عند قدومي للشركة و بالاتفاق والتنسيق مع مجلس إدارة الشركة، من أجل إحداث مسألتين: الأولى العمل على المحافظة على المنشآت من خلال تدابير مؤقتة، على سبيل المثال تصليح بعض الأمور الفنية، كخزان الماء مثلا، وهو الذي تتوقف عليه شروط السلامة من خلال اقتناء آليات تشغيله، وترميم الخزانات التي تحتوي الغاز، وترميم أنابيب الماء والغاز ، واقتناء ميزان للشاحنات التي تحمل الغاز، كل هذه الأمور تم اتخاذ إجراءات بها، للمحافظة على الموجود من المنشآت، وليست إصلاحات جذرية وحلا للقضية، وبالتالي وجدت أنه من سنة 2017، قرر مجلس الإدارة على أساس دراسة قيم بها للشركة، تقديم ملف مناقصة حول إعادة تأهل منشآت الشركة كلها، وقد بدأت في دراسة تلك المناقصة وقمنا بتحيينها ثم أعلنَّا عنها، وهذا هو دور الشركة ودور مديرها.
الشركات التي تتقدم بعروض لهذه المناقصة، تقدمهم للجنة الصفقات في القطاع الذي تتبع له الشركة وهو قطاع الطاقة والمعادن، وبعد أن قدمت جميع الشركات عروضها، ارتأت لجنة الصفقات أنه لم يكن هناك عرض لبَّى كل ما في دفتر الشروط الالتزامات، وبالتالي أعلنت لجنة الصفقات أنه لا جدوائية في هذه الصفقة.
هناك شركة سينغالية كانت مشاركة بعرض في هذه المناقصة وكان عرضها الأقل كلفة من بين العروض من الناحية التكاليف المالية، ولكنها لم تستوف الشروط الفنية أو على الأصح ما استوفت شرط أن تكون قد أنجزت عملين مشابهين يمنحانها خبرة في المجال، بالإضافة إلى شرط آخر ثان لم أعد أذكره.
ثم إن قرار لجنة الصفقات بأن لا وجه لتنفيذ الصفقة من الناحية الفنية، زكته لجنة رقابة الصفقات.
هذه الشركة السينغالية تقدمت بشكوى، وبدل أن تتقدم بها إلى سلطة تنظيم الصفقات، صاحبة الاختصاص في النزاعات حول الصفقات، تقدمت بها إلى لجنة رقابة الصفقات، وهي لجنة ليس لديها أي اختصاص في فض النزاعات في مجال الصفقات، لديها اختصاص في مواءمة الصفقات مع قوانين الصفقات المعمول بها، وبالرغم من ذلك فإن رئيسها أنا ذاك محمد آبَّ ولد الجيلاني، بدل التعامل مع الموضوع على أساس اختصاصه كرئيس للجنة رقابة الصفقات، أحال الملف إلى وكيل الجمهورية، وبعد أن أحيل الملف إلى وكيل الجمهورية، بدأ هذا الأخير يستدعي الأشخاص الضالعين حسب البلاغ الذي قدم له رئيس لجنة رقابة الصفقات، وفي هذا الإطار تم استدعائي واستدعي رجل أعمال اسمه محمد ولد بشيبه، بالإضافة إلى مستشاري الفني في الشركة واسمه بال مامدو، وقد استدعي رجل الأعمال والمستشار على أساس أنني أوفدتهم للشركة السنغالية، بهدف الحصول على رشوة مقابل منحهم الصفقة، في حين أنني لا أمتلك حق إعطاء الصفقة أصلا، فلجنة الصفقات هي التي تمتلك حق إعطائها، وهي لا تعمل حتى بتعليمات الوزير الوصي عليها وعلى القطاع، ومن باب أحرى أنا الذي أدير شركة مستفيدة من الصفقة، ولا أملك إلا حق الإعلان عن المناقصة فقط كما ينص على ذلك صريح القانون، فكيف أواجه بتهمة الرشوة مقابل منح الصفقة، في الوقت الذي لست فيه أنا الجهة التي تمنح الصفقة أصلا؟!
وبعد أن حدث هذا بهذه الطريقة بدأت أجعل الأمور في نصابها الطبيعي من الناحية القانونية والسياسية.
فمن الناحية السياسية أن رئيس لجنة رقابة الصفقات يكتب لوكيل الجمهورية، تحت تأثير شخصيات تودُّ عزلي عن المشهدين العام والسياسي.
موقع الفكر: مثل من؟
الشيخ أحمد ولد الزحاف: طيلة هذا المسار وإلى حد الساعة لم أذكر اسما معينا، مع انني في مرحلة معينة كنت سأذكر اسما.
هذا هو الجانب السياسي في الملف والذي كان يهدف إلى الحاق تهمة فساد وبحث عن رشوة، بشخصي، وأن أتهم أمام القضاء، وهذا سيستفيد منه خصومي وإن كنت لم أتسبب في خصومة مع أحد، لكن بعض الناس بطبعه لديه نزعة عدائية لبعض الأشخاص، والشخص الذي يقف خلف هذه القضية، لديه نزعة عدائية ضدي، ويعتبرني خصما ومنافسا.
موقع الفكر: محليا أو وطنيا؟
الشيخ أحمد ولد الزحاف: محليا، في إطار السياسة الوطنية وفي إطار النظام والمشاركة فيه وفي سياسته و وظائفه، هذا من ناحية، من ناحية أخرى، بدأت من الناحية القانونية الدفاع عن نفسي واستعنت بلفيف من المحامين، شرعوا في الدفاع عني، وقدموا في كل مرحلة عريضة لقاضي التحقيق المكلف بالفساد، عن الموضوع، وذهب أحدهم إلى أن التقى برئيس لجنة رقابة الصفقات، لسابق معرفة بينهم، وقال له: "أنا أحامي عن فلان، وأنت أمام أمرين: إما أن تكون لديك أدلة على أن فلان، بحث عن رشوة، لدى الشركة المذكورة، وأنا ضد الرشوة ولن أحاسبك على شيء، وإما أن تكون لا دليل لديك على ذلك، وهذا ما يظهر لي، فأنا مؤمن بنزاهة فلان.
وعليه أريد منك الذهاب معي إلى قاضي التحقيق لتدلي أمامه بشهادتك".
بطبيعة الحال قاضي التحقيق لا يمكنه استدعاء موظف سام، ولكن هذا المحامي، حمل هذا الموظف على المثول أمام قاضي التحقيق، وفي مثوله نفى القضية كلها، وقال إنه بدل التبليغ عني من باب التخابر، فإنه كان يبلّغ عن الشخص الذي جاءه شاكيا باسم الشركة السنغالية، بتهمة رشوة موظف عمومي، وهذا ما قاله أمام قاضي التحقيق، وهذا يمثل عنصرا جديدا في القضية.
أخذ التحقيق سنة وأربعة أشهر، كنت خلالها موضوعا تحت الرقابة القضائية، ثم جاء عنصر جديد، وهو أن ممثل الشركة السنغالية تم استدعاؤه من طرف قاضي التحقيق، وأبلغه برغبته في حضور مدير الشركة إليه للحديث معه، وقال المدير، بأنه لا يستطيع الحضور أمامه، لإصابته يومها بكورونا، ولكنه كاتب القضاء، وفي هذه الكتابة أكد له أنني لم أتصل به خلال مسار الصفقة كله قبلا أو بعدا، وأنه لا يعرفني، وأكثر من ذلك أنه ليس شاكيا مني، وقال أيضا بأن من اتصل به هو رجل الأعمال، ورجل الأعمال حر، يتصل بالشركات وبكل الجهات، وأكد كذلك أن الموظف الذي يعمل معي كمستشار فني لم يتصل به.
وأنبه إلى أنني لم أتصل بقاضي التحقيق قبل رسالة مدير الشركة السنغالية، وقد جئته وقلت له بأنني لم أشأ مراجعته من بداية المسار لأنني أعرف طبيعة عمله، وبأنه لدي علاقات غير مباشرة معه، فأنا أعرف أسرته، ولكنني لم أرغب في التدخل في هذا المسار القضائي، وقلت له بأنه إذا كان وبملء إرادته قد حصلت له القناعة بالأدلة على براءتي فإنني أريد البراءة، وإذا كان لا يرى ذلك فإنني أريده أن يحيلني إلى المحكمة، وقلت له ومن جانبي لدي حرج واحد في موضوع المحكمة، وهو أنه في حالة تمت سيحضر لها الأهل والأصدقاء وتحضرون أنتم أهل الإعلام، وأنني سأكشف عن كل الأوراق وسوف أسمي الشخص والأشخاص الذين يقفون خلف المؤامرة.
وبعد ذلك بأيام قليلة اتصل بي المحامون وحدثوني أن كاتب ضبطِ قاضي التحقيق اتصل بهم وأخبرهم إنهم بصدد تحرير حكم براءتي، وتم بالفعل تحريره في 30 يونيو 2022، ولدي هذا القرار، كما لدي إفادة من كاتب الضبط بأن قرار براءتي الذي ينص على أنه لا وجه لمتابعتي، لم يتم استئنافه من أي جهة، وهذه هي القضية من بدايتها إلى نهايتها.
موقع الفكر: ما هو تقويمكم لخمس سنوات من حكم الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني؟
الشيخ أحمد ولد الزحاف: أرى أن أهم شيء في هذه السنوات الخمس، هو أنها شخصت مشاكل المجتمع الموريتاني، بما فيها المشاكل التي كنا نتحدث عنها، وهذا كان لا بد له من جو ومن إرادة سياسية، حتى نعرف ما الذي تعاني منه موريتانيا، وما هي الأولويات.. هذه هي المزية الأولى، أما المزية الثانية، فهي أن هذه المرحلة شهدت تهدئة سياسية بين الفرقاء السياسيين، خففت من ذلك الاستقطاب الحدِّ بينهم، ولكن هذه التهدئة لا ينبغي أن تكون على حساب تكفل المعارضة بطرح مشاكل واحتياجات المواطنين، ولا أن تكون التهدئة بالمساندة المفرطة والتأييد المفرط للنظام، بحيث يحصل لدينا اعتقاد بأنه ليست لدينا مشكلة.
موقع الفكر: هذا يحيلنا إلى تياركم الجديد، فما هي ميزة تياركم؟
الشيخ أحمد ولد الزحاف: تيارنا ميزته، هو أنه تيار أجرى تحليلا لتجربتنا الديمقراطية، وفهم أن الديمقراطية ليست غاية في حد ذاتها، وإنما هي وسيلة للتنمية، وبالتالي نحن نبحث عن ديمقراطية تقدم مجتمعنا لا ديمقراطية تعيده إلى الوراء؛ إلى القبلية والجهوية والشرائحية والقوالب التقليدية التي تفرقنا أكثر مما تجمعنا، ونرى أننا موالين لهذا النظام والإرادة السياسية التي عبر عنها رئيس الجمهورية، والتي يعمل على تجسيدها بالرغم من المطبات والعوائق الماثلة والواضحة، ولكن بالمقابل لسنا ساكتين عن النواقص ولاختلالات، فأي نقص أو اختلال نلاحظه سنقوله ونأخذ منه موقفا صريحا و واضحا، معنى هذا بعبارة أخرى أننا لسنا مع الموالاة المفرطة المطلقة، ولسنا مع المعارضة التي لها نظرة سوداوية لا ترى الأمور إلا سلبا، وبالتالي فنحن واقفون من أجل تثمين كل الإجراءات والإنجازات المفيدة، وفي نفس الوقت نضع الأصابع على الاختلالات والنواقص.
موقع الفكر: ما هو تقويمكم لواقع التعليم؟
الشيخ أحمد ولد الزحاف: لا يمكن الحديث عن التعليم إلا من خلال المدرسة الجمهورية، وأعتقد أن المدرسة الجمهورية خيار صالح، لأن ما قبلها كنا نشاهد فيه أبناء الشعب الموريتاني يفترقون في تكوينهم وعندما تحدث الفرقة في التكوين تحدث في نموذج المواطنة، ونحن نريد توحيد هذا النموذج، حتى يكون الموريتانيون يتجهون اتجاها واحدا، يؤمن أهله بموريتانيا ومستقبلها وضروراتها التنموية.
لذلك أرى أن تجربة المدرسة الجمهورية لمدة سنة واحدة، لا يمكن أن تكون موضوع تقييم، ولكننا نعتقد أن مجرد القطيعة مع النظام التعليمي السابق والتوجه إلى بناء مدرسة جمهورية، فهذا في حد ذاته أمر إيجابي، مع أن المدرسة الجمهورية، ينبغي أن تكون مضامينها واضحة من حيث المناهج وطبيعة المواطنة التي تريد أن تبني ونوعية التعليم ومواء مته مع ضرورات التنمية ومقتضيات العالم، فنحن لسنا في معزل عن محيطنا المباشر والعالم بشكل عام.
موقع الفكر: كيف عالجتم قضية الاحواض الناضبة، مع الجارة السنغال، بصفتكم وزير المياه في تلك الأيام.
الشيخ أحمد ولد الزحاف: في العام 2000م، كنت وزيرا للمياه والطاقة في إحدي حكومات الرئيس السابق معاوية ولد سيدي أحمد الطايع، أطال الله عمره، و بهذه الصفة كانت لدي الوصاية علي منظمة استثمار نهر السينغال، من خلال خلية تابعة للوزارة تدعى خلية منظمة استتثمار نهر السنغال، تعنى بملفات المنظمة كان يرأسها انذاك المستشار و الإطار المميز والوزير السابق المهندس المصطفي ولد مولود.
وقد أبلغت من قبل بعض الموظفين الموريتانيين العاملين في المنظمة أن السنغال تعمل علي مشروع لإحياء الأحواض الناضبة وأن وكالة فنية كندية أنجزت دراسة لصالح دولة السنغال غايتها إحياء تلك الأحواض الميتة بمياه نهر السينغال وتجميعها في بحيرة "اكيير" لري مزرعة لقصب السكر تمولها دولة اسرائيل للحكومة السنغالية.
وللغرض ذاته عملت السنغال من خلال ريشارتول بحفر قناة للمياة يتم بواسطتها جلب مياه النهر الي البحيرة المذكورة.
وتضمن البرنامج الانتخابي للرئيس عبد الله واد تعهدا بانجاز هذا المشروع الذي تحدث عنه بعد الانتخابات وزير الزراعة في حكومته الأولي.
وبعد الحصول علي كل المعلومات حول هذا المشروع عمدت الحكومة الموريتانية بواسطة استخباراتها الخاصة الي التثبت ماديا من ماتنوي دولة السينغال القيام به وقد شرعت في تنفيذ بعضه في الأشهر الاولي من تولي عبد الله واد لمقاليد السلطة،
وكان ذلك خرقا لميثاق منظمة استثمار نهر السينغال الذي ينص علي أن مياه النهر ملك لدول المنظمة، وأنه لايجوز لأي بلد جلب أية كمية من مياه النهر إلا بقرار من مجلس وزراء المنظمة، اعتمادا على تقرير من لجنة تتكون من خبراء من كل الدول الأعضاء تدعى "اللجنة الدائمة للمياه"
وبطبيعة الحال يدحض وجود منظمة استثمار نهر السينغال ذاتها وميثاقها أي ادعاء لملكية النهر من طرف أية دولة بمافيها السنغال.
فكان موقف حكومتنا مبررا وله مشروعية كاملة في العمل علي توقيف هذا المشروع بقوة نصوص المنظمة و الآليات المسيرة لمياه النهر، ولهذا الغرض أوفدني الرئيس معاوية كحامل رسالة إلي الرئيس واد صحبة الدبلماسي الكيس والمرن أحمد ولد سيد أحمد باعتباره وزيرا للخارجية.
وقد قابلنا في مكتبه الذي اصطحبنا إليه وزير الداخلية السنغالي الذي هو أحد جنرالات الجيش وعلى ما اعتقد أحد مستشاريه وغاب عن اللقاء عبد الله باتلي، الذي أبلغنا أنه خارج البلاد.
و انضم إلينا الدبلماسي محمد عبد الرحمن ولد امين، بصفته سفيرا لبلادنا في السنغال.
وبعيد عبارات المجاملات البروتوكولية أبلغت الرئيس واد، بمضمون الرسالة التي أحملها إليه، ومفادها أننا علي علم بأن السنغال يسعى إلى تنفيذ هذا المشروع وأننا نذكره بأن بلدينا تربطهما أكثر من علاقة تاريخية وبشرية واستراتجية وتعاون بما فيه منظمة استثمار نهر السنغال وأن مشروع إحياء الأحواض الناضبة قد يكون فيه خرق لترتيبات النصوص التي تسير المنظمة خاصة الميثاق الذي تأسست عليه والذي ينص علي التسيير المشترك وغير الأحادي لمياه النهر.
وقد قاطعني الرئيس واد قائلا" ما دخل موريتانيا في مشروع تنفذه السينغال علي أرضها بالتعاون مع شركائها؟ مضيفا السنغال دولة مستقلة وذات سيادة"
فأجبته أن موريتانيا بعيدة كل البعد عن الطعن في سيادة السنغال علي أراضيها أو استقلالها وأن الموضوع لايتعلق لا بالاستقلال ولا السيادة وإنما بتسيير مياه النهر في إطار المنظمة المشار إليها فأجابني قائلا أنا بوصفي مناضل افريقي لدي نظرة أن كل مصادر الثروة في افريقيا هي ملك لكل الأفارقة مهما كانوا وأضاف السيد الوزير هل درست تسيير المياه؟ فاجبته بسؤال هل فهمتم مضمون ما قلت؟ وهو المهم فقال لي لا أنت لاتفهم شيئا في الموضوع عندما تلتقي بوزيري الاستاذ باتيلي سيعلمك ما لم تعلم فأجبته أنني لن أتعلم شيئا من باتلي، وليكن في علمه أنني بدوري أستاذ.
هكذا كانت بداية أزمة الأحواض الناضبة مع الجارة والشقيقة السنغال التي انتهت بتسوية أشرف عليها الرئيس المالي الأسبق الأستاذ آلفا عمركوناري، بطلب من الرئيس معاوية ولد سيدي احمد الطايع، إذ دعى الرئيس المالي لدورة أولى لمجلس وزراء المنظمة انتهت بالفشل إثر جدال عنييف بيني و بين الوزير السنغالي الأستاذ باتيلي، وبعد فشل هذه الدورة اتخذ الرئيس معاوية إجراءات غاية في الصرامة، دفاعا عن مصالح وسيادة موريتانيا والتي على إثرها انعقدت الدورة الثانية لمجلس الوزراء التي راجع فيها الوفد السنغالي موقفه الأول. كما صرح بتراجعه عن تنفيذ مشروع الأحواض الناضبة وتمت صياغة قرار التراجع من طرف لجنة من الخبراء من الدولتين، مثلنا فيها لفيف من خبرائنا القانونيين والفنيين الأكفاء من بينهم الوزير المصطفي ولد مولود، ومحمد الامين ولد داهي، والمهندس كيسي (من أطر صونادير) وباب ولد بوميس.
وعلى الرغم من ذلك لم تسلم جهودنا من التسفيه من قبل بعض الأشخاص الذين من بينهم أعضاء في الحكومة.
ورجائي أن يكون القرار الذي تمت المصادقة عليه مازال محفوظا في أرشيف خلية منظمة استثمار نهر السنعال التي لا أدري الآن تابعة لأية وزارة حتي نستظهر به في حالة ما إذا حصلت من جديد خصومة حول موضوع الأحواض الناضبة.
وعلى خلفية تلك التسوية زار الرئيس عبد الله واد، لأول مرة موريتانيا واستقبل بحفاوة من طرف الرئيس معاوية الذي اصطحبه في جولة إكرام وتقدير إلي مدينة اطار عاصمة ولاية آدرار.
وإذا كان البعض يعتقد أن الرؤساء السنغاليين تنازلوا عن النهر أو أعطوه بدون استفتاء أو هربوا أو لم يهتموا به، واذا كانت دولة السنغال بحاجة لتنمية زراعته عن طريق إحياء الأحواض الناضبة بمياه النهر فإنه ينبغي أن يعلم أن ثمة استمرارية في التزامات الدول وأن السنغال تراجع طواعية غير مكره عن مشروع الأحواض الناضبة..
موقع الفكر: هل لديكم كلمة أخيرة؟
الشيخ أحمد ولد الزحاف: كلمتي الأخيرة، أنني أحذر من مسألتين: من الانتماءات ذات الطابع الخصوصي وخلق إطار شرائحي أو عرقي للتحرك السياسي أو التعبير السياسي، و أحذر من بعض التصرفات التي تحمل الناس على الاعتقاد أنهم مواطنون من درجة ثانية في بلدهم.