الصحافة الحرة ما بين جيل التأسيس و موجة "التدوين"- عبد الفتاح ولد اعبيدن

الصحافة الخاصة مع انطلاق التعددية و إلى ما قبل موجة التدوين،و رغم عجرها و بجرها، كان يحسب لها حسابا،و كان من بينها عشرات الكتاب و المحررين الجيدين،و حين يتحدثون تلاحظ ما يتمتعون به من كفاءات و مستويات ،تستحق المتابعة،و هذا الجيل المؤسس،بحكم العامل العمري و عوامل أخرى سيتناقص وجوده و تأثيره،و لو نسبيا،فى المسرح الإعلامي الوطني،لصالح جيل آخر ،فى أغلبه ،لا يملك سوى هاتفا متطورا و عريضة مطلبية واسعة ،باسم الصحافة،بينما يعلو الصراخ و يسهل التحامل و ادعاء مستوى لا دليل عليه،و هذا الأفق الزاحف سيقلل ربما النوعية لحساب الكم.

و فى يوم قادم غير بعيد ،قد يردد متباك على أطلال المهنة بيت المتنبى:سيذكرنى قومى إذا جد جدهم/و فى الليلة الظلماء يفتقد البدر.

و قد اتسم جيل التأسيس هذا بالجدية عموما،رغم ما قد يوصف به البعض من أغراض ضيقة أو نوازع جهوية أو عرقية أو نكوص عن الدفاع عن الحق ،تحت ضغط الطمع أو الخوف،لكن رغم هذا كله كانت الصحافة موجودة و مؤثرة،رغم محدودية الموارد و ثغرات التكوين.

و فى المشهد الجديد و مع موجة التدوين،اختار البعض أسلوب المنصات و بعضها يتتبع جديد الأخبار ،بسرعة،و بطريقة لا تخلو من التحرى أحيانا،رغم كثرة التدفق الإخباري ،و عدم الدقة أحيانا ،فى جانب معتبر مما ينشر عبرها ،و كأن الأهم هو الظهور و محاولة كسب السبق،و إن تبين لاحقا أن ما تم نشره غير صحيح،لكن هذه المنصات قد ينجح بعضها مع الحرص المتواصل على صدق ما ينشر و مهنيته،و أمًا سيل ما يسجل فى فضاء التدوين و بطرق و أساليب فردية،فلا يمكن الادعاء أن له صلة بالإعلام مطلقا ،بقدر ما هو جزء من نشاطات الناس و استغلالهم للهواتف الذكية و المتاح من حرية التعبير،و فى الأغلب الأعم بطريقة لا تخلو من التحامل و الاستهداف و التفلت من الكثير من القيود الأخلاقية.

و لعل بعض حالات التدوين قد تمثل حالات جنون و ضطراب،يستخدم أصحابه بعض منابر الواتساب و وسائل التواصل الاجتماعي،و ستظل له انعكاساته على سمعة الإعلام الهادف و تأثيرات سلبية على المجتمع و الدولة،و ستظل هذه الموجات التدوينية ،إن صح الإطلاق،تتفاعل و تتعقد،إن لم تتدخل النخبة من أجل إصلاح و تقويم واسع،قبل فوات الأوان