على وعاظ الأمة ودعاتها قبل تصدرهم المشاهد واعتلائهم المنابر أن يعوا جيدا أن طريق الحق ليست منتزها ترفيهيا ولا وجهة للاستجمام وإن أذاق الله بعض حملة لوائها شيئا من ذلك فإنه استخلاف واستعمال والأصل فيها أنها ابتلاء وامتحان ومحاصرة ومضايقة وقتل وسجن ونفي وتشويه لأنها سبيل الله وطريق جنته:
أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ.
وإنه لخيط رفيع جد رفيع يفصل بين طريق الدعوة وبين طريق الحظوة، وبين طلاب رضوان الله الذين تاقت أرواحهم إلى ظلال عرشه ودار كرامته والنظر في غرفها وعلى سررها الموضونة إلى جمال وجهه فباعوا من أجل ذلك أنفسهم وأموالهم، فكان لسان حالهم:
ضع في يدي القيد ألهب أضلعي
بالسوط ضع عنقي على السكين
سأعيش معتصما بحبل عقيدتي
وأموت مبتسما ليحيا ديني.
وبين طلاب العرض المادي من جاه أو مال أو منصب أو سلامة وهم في موران الزئبق وتلون الحرباء يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر، يداهن في دينه ويغازل الأقوياء ويهادن الطغاة ويتنكر لرفقاء الدرب وما هكذا تورد الإبل وما هكذا يكون المسلم حين تخالط قلبه بشاشة الإيمان.
يا مسلما بعرا إسلامه ارتبطا
هل لا وفيت بما مولاك قد شرطا
أبالمعاصي ترى الفردوس دانية
من يزرع الشوك لم يحصد به الحنطا
أم تشتري الخلد بالمغشوش من عمل
فسلعة الله لا تشرى بما خلطا
وتخطب الحور لم تهدي الصداق لها
ولم تقدم لها عقدا ولا قرطا
أما علمت طريق الخلد قد فرشت
بالشوك ما فرشت وردا ولا بسطا؟.