بسم الله الرحمن الرحيم
فخامة الرئيس،
كان لي الشرف أن تلقيتُ رسالتكم التي وجهتم إليَّ، وذلك بصفتي مواطنا وناخبا، وبمناسبة تسلمي لهذه الرسالة المتميزة، فإني أجدد لكم دعمي، وصوتي سيكون لكم بإذن الله، ولأسباب عديدة بسطتها في مقالات سابقة، ولا أراني بحاجة إلى الحديث عنها في هذه الرسالة المختصرة، والتي سأكتفي فيها بالتوقف مع ثلاث قضايا فقط من بين قضايا كثيرة أخرى تحدثتم عنها في رسالتكم، والتي شكلت ـ بالمناسبة ـ خروجاً عن مألوف إعلانات الترشح، وهو خروج نال ما يستحق من استحسان وترحيب.
سأتوقف في هذه الرسالة مع ثلاث قضايا أو ملفات، وسأقدم بعض الملاحظات والمقترحات، والتي يشاركني فيها ـ يا سيادة الرئيس ـ الكثير من داعميكم الصادقين والمخلصين، والذين لا ينتظرون من دعمكم أي مقابل من أي نوع.
وهنا سأكشف سرا، وذلك لأقول بأن هناك مجموعة من الداعمين كانت تفكر بالفعل خلال الأيام الماضية في الإعلان عن إطلاق مبادرة داعمة تبدؤها بتأكيد أنها لا تريد لأعضائها أي تمييز خاص، مهما كانت طبيعته، وإنما تريد أولا وأخيرا دعمكم في حملتكم الانتخابية لتواصلوا ما حققتم من إنجازات، ولتصححوا ما رصدتم من اختلالات ونواقص خلال مأموريتكم الأولى.
وكان من أبرز النواقص التي كانت ستتحدث عنها المبادرة، النواقص التي أشرتم إليها في رسالتكم الموجهة إلى المواطن، وكان من أبرز الملاحظات والمقترحات التي كانت ستتقدم بها تلك المبادرة هي ما سيأتي هنا في ثنايا هذه الرسالة.
فخامة الرئيس،
لقد وُفقتكم كثيرا في القول بأن مأموريتكم القادمة "ستكون بالشباب ومن أجل الشباب"، وسعيا لتحقيق ذلك، فهذه بعض الأفكار والمقترحات، والتي تشكل في مجملها أهم مطالب الشباب :
1 ـ مواصلة الاهتمام بالتكوين المهني في المأمورية القادمة، والعمل على توفير المزيد من القروض الميسرة للشباب؛
2 ـ العمل خلال المأمورية القادمة على خلق هجرة شبابية واسعة إلى الزراعة، وتوفير الدعم الحكومي اللازم لذلك، وهو ما قد يحقق أمرين في غاية الأهمية : امتصاص بطالة الشباب، وتحقيق الاكتفاء الذاتي للبلد؛
3 ـ إشراك الشباب من حملة الشهادات العليا في عضوية ورئاسة مجالس الإدارات، وذلك حسب التخصص وعلاقته بالإدارة المعنية، بدلا من إبقاء رئاسة مجالس تلك الإدارات حكرا على المتقاعدين والوجهاء؛
4 ـ تسيير فرص التوظيف المتاحة بطرق تسمح بولوج أبناء الفقراء لتلك الوظائف، وذلك من خلال وضع سياسة تمييز إيجابي في التوظيف لصالح الأسر التي لديها ثلاثة أبناء إلى ما فوق من حملة الشهادات العاطلين عن العمل، فمن الملاحظ أن أبناء المنحدرين من الأسر الميسورة لا يعانون من البطالة، وذلك في وقت يظل فيه عدد العاطلين عن العمل في ازدياد لدى الأسر الأكثر فقرا.
من الناحية العملية فقد أصبح من الممكن تنفيذ سياسة للتمييز الإيجابي في مجال التوظيف، وذلك بفضل التطور الحاصل في عمل الوكالة الوطنية لسجل السكان والوثائق المؤمنة؛
5 ـ تنظيم أيام تشاورية مع بداية المأمورية الثانية يشارك فيها أكبر عدد ممكن من الشباب، وتناقش فيها المشاكل والتحديات التي يواجهها الشباب، وتقدم فيها توصيات للحكومة من أجل تنفيذها؛
6 ـ الرفع من المكانة لبروتوكولية للوزارة المعنية بقضايا الشباب، ومنحها المزيد من الموارد المالية؛
7 ـ تشجيع التميز وتحفيز التفوق والابتكار لدى الشباب؛
8 ـ منح المزيد من الاهتمام للمواهب الشبابية في مختلف المجالات، وذلك باعتبار تلك المواهب ثروة وطنية يجب استغلالها، والإعلان عن يوم وطني للمواهب يتم فيه رصد كل المواهب في مختلف المجالات الثقافية والرياضية والعلمية، والتي تمكنت من المشاركة في منافسات إقليمية ودولية، واستقبالها من طرفكم في القصر الرئاسي تشجيعا لها على رفع العلم الوطني، وتمثيل موريتانيا في المنافسات الإقليمية والدولية؛
9 ـ إطلاق جائزة باسم رئيس الجمهورية للمقاولات الشبابية الناجحة؛
يبقى أن أقول في الأخير بأن الاهتمام بالشباب لا ينحصر فقط في الاهتمام بفئة عمرية محددة ، وإنما يتجاوز ذلك ـ وهذا هو الأهم ـ إلى تغيير العقليات وتجديد أساليب التعاطي مع الشأن العام لتصبح أكثر شبابية، وأكثر مسايرة للعصر.
فخامة الرئيس،
لقد وفقتم كذلك في القول بأنكم ستضربون بيد من حديد، وستواجهون بكل قوة وصرامة، كافة مسلكيات وممارسات الفساد والرشوة والتعدي على المال العام.
لا شك في أن لهذه الجملة طعمها الخاص، ولها وقعٌ إيجابي في قلوب الكثير من داعميكم الصادقين والمخلصين.
نعم هذه الجملة لها وقعها الخاص، ويرى الكثير من داعميكم، أن تحقيق ما جاء فيها يستوجب جملة من الإجراءات لعل من أبرزها:
1 ـ أن تكون المأمورية القادمة فترة لمحاسبة كل من مارس فسادا في المأمورية الماضية، وأن تكون محاسبة "مفسدي المأمورية الأولى" أكثر صرامة من محاسبة "مفسدي العشرية"، وهذا هو ما يجب أن يكون، فإذا كان المفسد يجب أن يعاقب في كل الأحوال، فإن معاقبة المفسد الذي أفسد في ظل عهدكم يجب أن تكون أكثر قسوة من محاسبة المفسد الذي أفسد من قبل وصولكم إلى الحكم؛
2 ـ أن يكون لمحاربة الفساد في المأمورية القادمة ضحايا، فأي حرب لا يسقط فيها "قتلى" و "جرحى" و لا يقع فيها "أسرى"، لن ترقى في مخيلة الكثيرين إلى مستوى الحرب، ولن يصنفوها ـ بالتالي ـ على أنها كانت حرب؛
3 ـ إن أي حرب على الفساد يجب أن تبدأ أولا بمراجعة ملف التعيينات، وباتباع أساليب صارمة جدا في اختيار من سيتم تعيينهم وترقيتهم، وبشكل يضمن حضور الكفاءة وغياب شبهة الفساد عند كل تعيين أو ترقية وظيفية خلال المأمورية القادمة.
فخامة الرئيس،
إن حديثكم عن وجود خلل في الإدارة، وعن ضرورة عصرنتها، هو حديث لا يقل أهمية عما سبقه، والإدارة لن تكون فعالة إلا إذا تم تفعيل مبدأ المعاقبة والمكافأة، فالموظف الذي يُقَصر في عمله، ولا يؤديه على أحسن وجه، وذلك بعد أن يكون قد مُنح صلاحيات كافية، فمثل ذلك الموظف يجب أن يُقال، ودون النظر في أي اعتبارات أخرى، حتى وإن كان داعما، وفي الصف الأول. إن دعم هذا النوع من الموظفين ضره أكثر من نفعه، فمن يقدم "خدمة عمومية سيئة" للمواطن سيجلب من سخط المواطنين ما لا يمكن أن تعوضه عشرات، بل ومئات المبادرات السياسية الداعمة. وفي المقابل فإن الموظف الذي يؤدي عمله على أحسن وجه يجب أن ينال ما يستحق من مكافآت وترقيات، وبغض النظر عن أي شيء آخر. فمثل هذا الموظف سيجلب للنظام دعما شعبيا كبيرا من خلال ما يقدم من "خدمة عمومية متميزة" للمواطن، حتى وإن لم يُطلق مبادرة سياسية واحدة داعمة.
إن الإدارة لن تتحسن إلا إذا شعر جميع موظفيها بأن من أدى عمله على أحسن وجه سينال حتما ما يستحق من ترقية، وأن من فشل في تأدية عمله ستتم إقالته، ولا يمكن أن تتحسن الإدارة ألاَّ إذا تولد هذا الشعور لدى جميع العاملين فيها، وخاصة لدى كبار الموظفين.
طبعا يقتضي كل هذا أن يكون هناك نظام رقابة فعال على أداء الموظفين..
فخامة الرئيس،
لقد حاولتُ في هذه الرسالة، والتي جاءت ردا على رسالتكم التي وجهتموها إلينا بصفتنا مواطنين أولا وداعمين ثانيا، أن أنقل إليكم وبكل صدق وتجرد ما يتوقعه في المأمورية الثانية الكثير من داعميكم الصادقين والمخلصين، والذين قد لا تُتاح لهم الفرصة للقائكم ليحدثوكم بشكل مباشر.
فخامة الرئيس، هذا هو ما يتوقعه منكم داعموكم الصادقون والمخلصون، بخصوص هذه الملفات، وإذا كان لي أن أضيف شيئا، فسيكون مطلبا خاصا بنا في الحملة الشعبية للتمكين للغة العربية وتطوير لغاتنا والوطنية، وأظن أن الكثير من الموريتانيين يتقاسمه معنا، وهذا المطلب سيفيد ـ وبلا شك ـ في تقريب خدمات الإدارة من المواطن.
إننا نعتقد في الحملة أن الشرط الأول في إصلاح الإدارة يتمثل في تقريب خدماتها من المواطن، والشرط الأول في تقريب خدمات الإدارة من المواطن يتمثل في مخاطبته بلغته الرسمية التي يفهمها أو يفرض فيه أنه يفهمها.
وفقكم الله لما فيه خير البلاد والعباد..
حفظ الله موريتانيا..