يقول خبير في اللغة والتربية: إن اللحن ملة واحدة، لكن أشنعه وأبشعه هو اللحن الفعلي المتجسم في السلوك والمعاملات.
أحيانا تستك مسامعنا وتنزعج أفهامنا بسب كلام عابر رفع صاحبه المفعول أو نصب الفاعل أو جر ما لا يجر، وقد نصُبّ عليه جام غضبنا وتناله ألستنا ويسقط من عيون بعضنا.
لا لشيء سوي زلة لسان غير مقصودة وغير متعدية .
ونُغفل أشد الإغفال ونلتمس أحسن المخارج لمقترفي السوء والآثام ومرتكبي الأفعال مع سبق الإصرار والترصد.
منهج يتبعه بعضنا في حياته اليومية كلها فيفرق بين المتامثلَيْن فتراه عازما حازما في التصدي لفعلة أو قولة منكرة ثم يهمل أختها الكبري أو مثيلتها العظمي دون وعي ولا انتباه.
حقا.. أف على الخنا بكامله وبعدا للنائمين في المكاتب العمومية ولكل من أخلد إلى الأرض واتبع هواه..
وطوبي للناهين عن هذا المنكر المنبهين على انتشاره وأخطاره إذا وجدوا لذلك مندوحة وملكوا البينة وسلمت النيات.
لكنهم اهملوا في الرصد والتشهير منكرات هي أقرب إليهم واشد خطرا وأعم ضررا .
ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود..
مالهم لا يتحدثون عن المظالم والغلول ومالهم لا يغلظون القول لأهل الكذب والنميمة والاحتيال وأكل الحقوق وتلك -ورب الكعبة-
(ألحان فعلية) ممارسة جهارا نهارا في معظم المكاتب الوطنية وفي الغرف الملحقة.
في الحديث الشريف الوارد معناه في هذا السياق "المؤمن يكذب؟ قال: لا"
إن تخطي الرقاب والأيدي الملطخة بالمظالم وحقوق الضعفاء إلي غرف مظلمة سدت من دونها الأبواب وعسُر التأكد مما يجري فيها لهو شائبة تضر المصداقية وشبهة تمس صدق النية في الصميم.
لست هنا بصدد التكذيب أو التصديق لحادثة (الإفك) في التلفزة الموريتانية، فالخصوصيات حقل ألغام يجب الإبتعاد عنه صونا للكرمة وتجنبا لإشاعة الفاحشة في الذين آمنوا..لكن حسبي في هذا المقام أن أنبه وأشير إلى أن سمعة الدار مسؤولية كل موظف وأن على العمداء عموما والمديرين والمديرات أن يقفوا بالمرصاد لكل من أراد تشويه السمعة فالمؤسسة وسيلة إعلام عمومية وقليلة الحمل للدنس، ولا سبيل إلى ذلك إلا بوضع المعيار الأخلاقي في عين الاعتبار، والاستمساك بالنصوص الضابطة ومواثيق الشرف وأخلاقيات المهنة.
ثم إن المؤسسة ومنذ بعض الوقت شهدت توسعا افقيا لافتا وأطلت من جميع الولايات والتحقت بها أفواج شبابية لهم القدرة الكاملة على إحداث(الفرق) بين الماضي والحاضر، لكن بشرط التأطير والتطوير ضمن توجه أخلاقي ثابت لا يتغاضى عن الخلل والتقصير ولا يترك فجوة للاختراق.
إن أكثر البدائل المتاحة اليوم لكل متلق هي البدائل الإعلامية، فقد أصبحت منتشرة وجاهزة والمؤسسة الرسمية لا تحافظ على مكانتها إلا بتلك الأبعاد الأخلاقية والمعايير المهنية والإدارة العامة في كل مؤسسة هي حارسة تلك المنظومة الأخلاقية وهي (الترسانة) القانونية التي تذب عن حياض المؤسسة ولا تترك الخلل يأتي من قبلها.
وإن حدثت اختراقات ترتب عليها ما يجب فورا وبيد من حديد. وبعزيمة لا تلين.
ولا يشكك احد في كفاءة وإخلاص المديرين الذين توالوا على التلفزة الذين حسبهم أنهم اجتهدوا ..
كما لا ينزه احد منهم عن ارتكاب أخطاء بعينها فهم بشر غير معصومين.
لكن الأهم أن ننظر إلى الأمام ونبصر الذي من حولنا ونغلق النوافذ. فالداخلون منها هم الآفة.