أشارك في نقاش حول "العلمانية والإسلام السياسي في الجزائر بين التنظير والممارسة." في دار الندوة المسماة كلاب هاوس، في نادي قهوة النخبة.
نقاش العلمانية في المنطقة العربية يبتعد كثيرا عن تاريخ وتجربة دول الغرب ويتيه في نقاشات نظرية تبنى على أفكار مغلوطة روجها يساريون وقوميون عرب طيلة عقود، وهذه بعضها:
- أوربا ثارت ضد الكنيسة وتحررت من سلطتها
لا يوجد تعميم أفسد من هذا. تجربة بلدان أوربا متباينة جدا. معظم الحروب كانت ثورات داخل الكنيسة (حركة الاحتجاج البروتستانتية) أو حروبا بين قوى أوربا المختلفة
- الثورة الفرنسية قضت على الكنيسة
عهد الإرهاب الفرنسي حاول القضاء على تبعية الكنيسة الفرنسية لروما وتأسيس كنيسة فرنسية. فشلت المحاولة فشلا ذريعا خلال 12 سنة وتصالح نابوليون مع البابا وعادت الكاثوليكية دينا رسميا للبلد حتى سنة 1905 حين اعتمد قانون "فصل الكنائس عن الدولة" لاستعادة التعليم والصحة من الكنيسة.
- دول الغرب كلها "علمانية"
العلاقة بين الكنيسة والدولة تختلف من بلد غربي لآخر اختلافا بينا. بل تتفاوت أحيانا داخل البلد الواحد.
بلدية ميلوز الفرنسية تقول في صفحتها الرسمية "لا يوجد فصل بين الكنائس والدولة في ميلوز." وذلك لأن منطقة ألزاس موزيل كلها تابعة للـ "النظام القديم" المحكوم باتفاق نابوليون مع البابا لسنة 1802.
في بريطانيا تعد كنيسة إنجلترا رسمية ولها امتيازات والملكة هي حاكمتها. أندورا، موناكو، مالطا، النرويج، سان مارينو، ليختنشتاين، الدانمارك كلها تنص دساتيرها على كنيسة رسمية. بينما تنص دساتير لدول أخرى مثل إيطاليا، إسبانيا، ألمانيا، قبرص، اليونان وبلجيكا على وضعية خاصة للكنيسة أو على دعم الكنيسة من الدولة.
- غياب معلومات عن ممارسات مثل ضريبة الكنيسة
تجمع عدد من دول الغرب الضرائب لفائدة الكنيسة. منها: ألمانيا، الدانمارك، السويد، فنلندا، سويسرا، إيطاليا، إسبانيا، أيسلندا، البرتغال والنمسا.
- خيانة الترجمة
لا علاقة لكلمة علمانية بالعلم. المفهوم في الغرب يحيل على العوام أو الشعب من غير الرهبان. ونظرا لأن الإسلام ليس فيه رهبنة فلا مجال لتقسيم الناس إلى رجال دين ورجال دنيا. كان الأولى أن تترك كلمة سيكولاريزم وكلمة لائكية على أصلها اللاتيني كما تم مع كلمات ديمقراطية وأيديولوجيا مثلا.
- الفصل بين ماذا وماذا
السيكولاريزم تعني الفصل بين الكنائس والدولة ولا تعني أبدا الفصل بين الدين والدولة أو بين الدين والسياسة. لذلك تسمح فرنسا وغيرها من الدول بإنشاء أحزاب بأسماء دينية. ويمكن القيام بالدعاية الانتخابية في الكنائس، وحتى استخدامها مقار للتصويت.
- الكسل عن قراءة الدساتير والاطلاع على أنظمة الحكم
النقاش النظري كسول بعيد عن النظر في الوثائق الأساسية لدول الغرب والتي تحمل مفاجآت كثيرة. عدد من الدساتير تنص على كنيسة للدولة. وأخرى تنص على ارتباط الدولة باتفاق مع الكنيسة. أو على دعم الكنيسة ماليا. أو مشاركتها في تنظيم خدمات مثل التعليم. أو تكلفها بالتعليم الديني في مدارس الدولة. أو حتى احتكارها لترجمة الإنجيل كما هو الحال في الدستور اليوناني.
كما تغفل النقاشات النظرية عن ممارسات مثل بدء جلسات برلمانات دول مثل بريطانيا، أميركا، كندا، أسترالي، هولندا وغيرها بدعاء ديني. وحضور الرموز الدينية مثل الصليب بشكل بارز في الأعلام والأوسمة والأنشطة الرسمية.