
شراكات قوية ضد الضعفاء
يتناول التحقيق دعم وتمويل الاتحاد الأوروبي وبعض دوله عمليات تقوم بها حكومات في شمال أفريقيا، تتضمن احتجاز عشرات الآلاف من المهاجرين كل عام، ووضعهم في مناطق نائية، وغالبا ما تكون صحاري قاحلة.
وتظهر سجلات ومقابلات كشفها التحقيق أن الأموال الأوروبية استُخدمت لتدريب الأفراد وشراء المعدات لوحدات متورطة في انتهاكات حقوق الإنسان.
ووفق التحقيق المشترك تم إرجاع المهاجرين إلى المناطق الأكثر قسوة في شمال أفريقيا، والتخلي عنهم دون طعام أو ماء، مع مواجهة أخطار أخرى من قبيل التعذيب حتى الموت.
وبحسب الشهادات والوثائق، قامت قوات الأمن الإسبانية في موريتانيا بتصوير ومراجعة قوائم المهاجرين قبل نقلهم إلى مالي رغما عنهم، وتُركوا في العراء لعدة أيام بمنطقة تنشط فيها جماعات مسلحة.
في موريتانيا، قام المسؤولون الإسبان بتوفير المركبات لنقل المهاجرين، والمساعدة في الاعتراضات البحرية، "وشن غارات على المهاجرين ومهربي البشر، وتمويل مراكز احتجاز جديدة"، وفقا للمقابلات مع المسؤولين الموريتانيين ومقاطع الفيديو الترويجية الإسبانية.
ووفق التحقيق، فإنه وبتواطؤ من إسبانيا في يناير/كانون الثاني، نُقلت إيدياتو (23 عاما) وبيلا (27 عاما)، وهما صديقتان من غينيا، إلى مركز احتجاز المهاجرين في نواكوشط، وهو عبارة عن مجموعة من المباني المحاطة بأسوار شديدة، بعد محاولة فاشلة للعبور بحرا إلى ليبيا ومنها إلى إسبانيا.
وأصبح المركز نقطة تجميع يستخدمها المسؤولون الموريتانيون قبل نقل المهاجرين إلى الحدود البعيدة مع مالي، وغالبا ما يكون ذلك دون طعام أو ماء، وفقا لمقابلات مع محتجزين وعمال إغاثة.
وقال شخص مطلع على حبس إدياتو وبيلا إن اثنين من مسؤولي الشرطة الإسبانية قاما بتصوير المرأتين أثناء احتجازهما. ووفقا للشخص، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته خوفًا من الانتقام، قام الضباط أيضا بمراجعة قائمة السجناء الذين تم ترحيلهم لاحقا إلى مالي.
كما هو الحال مع المهاجرين الآخرين الذين تمت مقابلتهم في هذا التحقيق، قالت السيدتان إنهما حُرمتا من الإجراءات القانونية الواجبة.
وفي إحدى المقابلات، تذكرت النساء رؤيتهن الضباط "البيض"، الذين أخبرهن المسؤولون الموريتانيون أنهم من الشرطة الإسبانية قبل نقلهم إلى حافلة الترحيل.
ولاحظ مراسلون على الأرض سيارة تويوتا كوستر بيضاء ذات نوافذ معتمة، وتبعت حافلة الترحيل لمسافة 16 كيلومترا على طول الطريق السريع المؤدي إلى مالي.
وقد تم شراء العديد من المركبات التي تستخدمها السلطات الموريتانية لاحتجاز وترحيل المهاجرين بأموال إسبانية، وفقا لمسؤول أوروبي كبير تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته.
وقام الصحفيون بتصوير شاحنات صغيرة من طراز تويوتا تدخل وتخرج من مرافق الاحتجاز، وهي من نوع وطراز مركبات قدمتها وكالة التنمية ووزارة الداخلية الإسبانيتان لموريتانيا.
وذكرت وثيقة مسربة للمفوضية الأوروبية تعود لعام 2023 أن المفوضية أجرت مقابلات مع أكثر من 300 شخص تم ترحيلهم من موريتانيا إلى غوغي في مالي.
وثيقة البرلمان الأوروبي قالت إن طالبي اللجوء والمهاجرين في موريتانيا يواجهون عمليات طرد جماعي تعسفية إلى السنغال ومالي، والترحيل دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة.
وردا على طلب تفصيلي للتعليق، لم تؤكد وزارة الداخلية الإسبانية أو تنفي علمها بالمكبات الصحراوية، واستخدام المركبات المشتراة بأموال إسبانية في تلك العمليات، أو أن ضباطها كانوا في مركز احتجاز يوثقون ترحيل المهاجرين قسرا.
واعترفت الوزارة بأن إسبانيا نشرت قوة قوامها حوالي 50 ضابطا من الشرطة والحرس المدني في موريتانيا "للتحقيق وتفكيك مافيا الاتجار بالبشر".
وقالت الوزارة إن تلك القوات تعمل "باحترام كامل لحقوق الإنسان والحريات" للمهاجرين، ونفت وكالة التنمية الإسبانية علمها بوجود مكبات بشرية، وقالت إن ضباط الشرطة الإسبانية العاملون في برامجها بموريتانيا "لم يشهدوا قط أي تصرفات من قِبل الشرطة الموريتانية تنتهك حقوق الإنسان".
وقالت الوكالة إن هؤلاء الضباط نفوا أيضا تصوير "أي مهاجرين في أي مركز".
وردا على سؤال حول ضباط الشرطة الإسبانية في مركز الاحتجاز، قال المتحدث باسم الحكومة الموريتانية الناني ولد اشروقة إن الاتفاقية الثنائية مع مدريد "تنص على عدد من الالتزامات المتبادلة، بما في ذلك تبادل المعلومات في مجال مكافحة الهجرة غير القانونية مع احترام خصوصية الأفراد وحماية بياناتهم الشخصية".
وقال إن المهاجرين الذين يحاولون عبور البحر إلى أوروبا يتعرضون للترحيل، لكنه نفى الادعاءات بأن المهاجرين في موريتانيا تعرضوا لسوء معاملة. وأضاف أنه يتم تسليم أولئك الذين يتم ترحيلهم إلى "السلطات المختصة" في "المراكز الحدودية الرسمية" قبل نقلهم لبلدانهم الأصلية.
وذكر أن المهاجرين لا يُعادون إلا إلى بلدانهم الأصلية.
لكن المرأتين من غينيا قالتا إن القوات الموريتانية تركت مجموعتهما في جزء مقفر وغير مأهول بالسكان من الحدود مع مالي، ثم "طاردتهم" نحو الحدود "مثل الحيوانات" وساروا لمدة 4 أيام حتى وصلوا إلى قرية في مالي، حيث رتبوا في النهاية رحلة إلى أحد أقاربهم في السنغال.
وقالت بيلا "لو كنت أعرف أن كل هذا سيحدث، لما حاولت الذهاب إلى أوروبا. أقسم أنني لن أفعل ذلك. لأننا عانينا كثيرا، ليس لدينا شيء".
نقلا عن الجزيرة














