مفاجآت موريتانيا- أسامة رمضاني

نادرا ما تجذب موريتانيا إليها الأضواء. هذا البلد المغاربي الفخور بانتمائه العربي والأفريقي يسير حسب نسقه الخاص في هدوء تحسدها عليه بلدان الغرب الأفريقي.

ومن حين إلى آخر تفاجئك موريتانيا؛

فاجأتنا منذ أيام بترتيبها في مؤشر حرية الصحافة العالمي الذي وضعها في المرتبة 33 عالميا وفي صدارة البلدان العربية والأفريقية، بعد أن كانت السنة الماضية تحتل المرتبة 86 عالميا.

أن تتقدم دولة بـ53 مرتبة كاملة خلال سنة واحدة على درب ترسيخ حرية الصحافة ليس أمر اعتياديا، مهما كانت مآخذ البعض على المنظمة وتصنيفها.

تؤكد هذه المرتبة ما حققته موريتانيا لصحافييها دون ضجيج بأن وفرت لهم بيئة للعمل أفضل من تلك التي توفرها عديد الديمقراطيات الغربية ومن بينها الولايات المتحدة التي جاءت في المرتبة 55.

وحين تفاجئك موريتانيا بمثل هذا الترتيب فهي توجه بشكل ضمني عتابا لمن غفل من أهل المغرب العربي وبقية المنطقة العربية عن متابعة التطورات الحاصلة في هذا البلد لاسيما فيما يتعلق بإزالة القيود القانونية عن العمل الصحفي.

ورغم إمكانياتها المحدودة تفاجئك موريتانيا بمبادرات عفوية لا أثر فيها للحسابات والمصالح الضيقة.

ذات يوم من سنة 2021 وفي أوج جائحة كورونا فاجأت موريتانيا التونسيين بإرسالها طائرتين على متنهما شحنة من أجهزة التنفس وأسرة الإنعاش والكمامات يرافقها فريق من الأطباء والممرضين. لم يكن لموريتانيا فائض في الكفاءات أو المعدات الطبية، ولكن رغبتها في مساعدة شقيقتها المغاربية – حيث درس الكثير من طلبة موريتانيا بعد الاستقلال – شكلت واعزا أقوى من كل الاعتبارات.

المفاجأة الأكبر في هذه البادرة الموريتانية هي أن الحمولة تضمنت “خمسة عشر طنا من النوعيات الجيدة من الأسماك”. لم يسبق أن حصلت تونس على هبة من الأسماك من أي بلد آخر. ومن غير المسبوق أن تهب دولة لدولة كمية من الأسماك. لكنه من المعروف عن موريتانيا وفرة وتنوع ثروتها السمكية على طول 755 كلم على سواحلها الأطلسية.

من المعروف أيضا عن البلد لطف وكرم أهله منذ قديم العهود. وكانت موريتانيا دوما وفية لسمعتها.

كان لمبادرة الموريتانيين وقع خاص على التونسيين إذ رسمت الابتسامة على وجوههم في وقت قسا فيه عليهم الوباء. ومازال التونسيون إلى اليوم يذكرون هذه المبادرة بتقدير وامتنان.

آخر مفاجآت موريتانيا إعلان اتحاد كرة القدم فيها خلال الأيام الأخيرة عن ترحيبه بانضمام ناديي الهلال والمريخ السودانيين للعب في الدوري الموريتاني خلال الموسم الرياضي المقبل.

سوف تتكفل موريتانيا بمصاريف الإقامة والتدريب والتنقل داخل البلاد وكذلك باستضافة المباريات التي سوف يلعبها الفريقان السودانيان في دوري أبطال أفريقيا. وهي بمبادرتها سوف تنقذ الفريقين من خطر تجميد مشاركتهما في المنافسات الأفريقية.

تبقى مبادرة الاتحاد الموريتاني رهينة موافقة الاتحاد الأفريقي. ولكن مهما كان قرار “الكاف” فقد وجهت نواكشوط بهذه اللفتة رسالة أخوة وود إلى السودان ثمنت من خلالها الروابط التاريخية التي تجمع الشعبين السوداني والموريتاني.

ليس الشعب الموريتاني الشعب العربي الوحيد الذي تربطه وشائج وثيقة بالسودان. ولكن الموريتانيين كانوا سباقين قبل غيرهم في الالتفات للفريقين السودانيين دون الكثير من التباهي أو إطلاق للشعارات.

نأت موريتانيا بنفسها عن اعتبار السودان عبئا أو التلميح بأنه من الأحرى بالآخرين أن يتحملوا المسؤولية عوضا عنها.

وفي وقت تكاد تصبح فيه ملاعب الكرة بين الفرق العربية والأفريقية أحيانا ساحات وغى، يتجسم المعنى الحقيقي للروح الرياضية وقت المحن.

كان احتضان موريتانيا للفريقين السودانيين عفويا كالكثير من المبادرات القادمة من نواكشوط. لكنه تضمن أيضا تذكيرا بالقيم الأصيلة التي تربى عليها الموريتانيون وهي قيم تجعلهم لا ينسون الشقيق والصديق وقت الضيق.