السَّرِقَةُ سَرِقةٌ -مهْما كانتْ- سطْو على المُمْتلكاتِ الماديةِ، أو المَعْنَوِية،وهي – في الحالتيْن- فَعْلٌ مُجَرَّمٌ بلغة الشرائع والقوانين،وبرُوحهما أيضا،غَيْرَ أنَّ الملْكيةَ الفِكْريةَ أهَمُّ عند صاحبها من جميع ملْكِياتِه المادية،لأنَّ جهْدَه المَبْذولَ فيهَا أكْبَرُ وأشَقُّ،كمَا أنَّ فَخْرَه ونشْوَتَه بمُنْجَزِه الإبْداعي أعْظَمُ من كلِّ لَذَّاتِ التَّمَلُّكِ الأخْرَى،لإدْراكِه أنَّ هذا المُنْجَزَ باقٍ في حِسابه الخاصِّ،أبَدَ الآبِدِينَ،خِلافاً لتَرِكاتِه المادية التي سَتتوزَّعُها أيْدِي وَرَثَتِه،فوْرَ مَمَاتِه.
والوَصْفةُ السِّحْريةُ للتسامِي عن هذا التصَرُّفِ الخَسِيس،هي رفْضُ المبدع أنْ يكونَ نُسْخَةً من غيْره، مهْما أعْجَبَه، ومنْ ثَمَّ سيُرَكِّزُ على اسْتثمارِ خُصُوصِيةِ بَصَمَاتِه التي فُطِرَ عليْها تَمْييزاً له عن غيْره،حتى تنْعَكِسَ بَصْمَةُ يَدِهِ على كِتابتِه، وبصْمةُ عيْنِه على رُؤْيَتِه، وبصْمةُ صوْتِه على لُغَتِه وإلْقائه، وبصْمةُ مشْيَتِه عَلى إيقاعِه.....
وخُلاصةُ الخُلاصَةِ أنَّ المُبْدِعَ لا يَجوزُ له من أنواع السرقاتِ إلا سَرقةُ نارِ (ابْرُومثيوس) إبْداعًا،وسرقةُ القُلوبِ إعْجابًا، وسرقةُ طاقاتِ عُمْرِهِ الفَانِي، لِتَشْييدِ هَرَمِ خُلُودِه الباقي.