في إطار مواكبة موقع الفكر لمجريات الساحة الوطنية، وسعيا منا إلى إطلاع متابعينا الكرام على تفاصيل الأحداث، بتحليل متوازن، ونقاش متبصر، نلتقي اليوم مع إحدى القامات السياسية بالبلد، ممن خبر دروب العمل الجمعوي والتنموي والتنمية المحلية، نحاوره ونستجلي من خلاله ما وراء الخبر، في لقاء شامل يتناول واقع وآفاق العمل البلدي، وأبرز معوقات ومشاكل العمل المحلي، بالنسبة لبلديات نواكشوط ومثيلاتها بالمدن والأرياف، كما يتطرق النقاش لتجربة ضيفنا الجمعوية العريضة خاصة أيام قيادته لجمعية الحكمة والظروف الصعبة التي كان يسيرها فيها، إضافة إلى تجربته السياسية الثرية، خاصة من فترة مشاركته في إطلاق مبادرة الإصلاحيين الوسطيين إلى انتخابه نائبا بالبرلمان الموريتاني.
فأهلا وسهلا بضيفنا النائب شيخاني بيب.
موقع الفكر: التعريف التقليدي من حيث الاسم وتاريخ ومحل الميلاد والدراسة وأهم الوظائف التي شغلتم ؟
شيخاني بن بيبه : بسم الله الرحمن الرحيم، اسمي شيخاني ابراهيم بيب، درسني الوالد ربع القرءان وتوفي سنة 1975م. وكان رحمه الله ممن يرى تحريم دخول التعليم النظامي لكن بعد وفاته ارتأى الأهل ضرورة أن أدخل المدارس النظامية فدخلت المدرسة النظامية وفي مرحلة الإعدادية لما وصلت السنة الأولى من المرحلة الثانوية شعبة الرياضيات شاركت في مسابقة البكالوريا شعبة الآداب فحصلت عليها ولم أتابع الرياضيات عند وصولي إلى السنة النهائية تركتها وواصلت الدراسات الجامعية ووصلت على شهادة المتريز من جامعة نواكشوط سنة 1992م وعملت موظفا بالجمعية الإسلامية الثقافية، مسؤولا عن قسم الأيتام ثم مديرا مساعدا للجنة مسلمي إفريقيا ثم عملت في التجارة وأسست بعد ذلك مع مجموعة من الإخوة جمعية الحكمة، وأغلقت الجمعية الثقافية الإسلامية سنة 1994م وكذلك لجنة مسلمي إفريقيا وجمعية الحكمة تأسست 1999م. وأغلقت 2004 وفي شهر 12 سنة 2006م. انتخبت عمدة لبلدية دار النعيم حتى سنة 2014م.
2018 كنت مديرا لمؤسسة تعمل في مجال النقل وفي سنة 2018 انتخبت نائبا في البرلمان الموريتاني.
موقع الفكر: عندما كنتم مسؤولين عن الأيتام في الجمعية الثقافية الإسلامية هل كانت لديكم كفالات للأيتام؟
شخياني بن بيبه : كانت الجمعية الثقافية الإسلامية من أوائل المؤسسات الموريتانية التي اهتمت بالمجال الخيري، إضافة إلى اهتمامها بمجالها الأصلي وهو الثقافة والدعوة والتعليم، وبذلت جهودا كبيرة في إدخال المؤسسات الخيرية إلى البلاد خاصة أن البلاد كانت تعاني من ظروف خاصة، وجاءت بكفالات من الندوة العالمية للشباب الإسلامي وكفالات أيضا من لجنة مسلمي إفريقيا بالكويت، وكنت وبعض الشباب آنذاك مثل المامي بن محمد نوح رحمه الله والمصطفى بن محمدُ نعمل في هذا الإطار وكان الأخ إسحاق بن الكحيل أحد السفراء الأساسيين لهذه المؤسسات ويقوم بجهود كبيرة وخاصة أنه في تلك المرحلة كان رئيسا لنادي مصعب بن عمير، وتأسست لجنة مسلمي إفريقيا بموريتانيا سنة 1991م. مع أن أنشطتها كانت موجودة في موريتانيا قبل ذلك؛ لأنها كانت ممثلة من قبل الجمعية الثقافية الإسلامية، وكانت لها جهود ضخمة جدا في موريتانيا إذ كانت أول من بنى مسجدا في الجامعة، وأول من بني مسجدا في مدرسة تكوين المعلمين وكفلت عددا كبيرا من الأيتام وحفرت العديد من الآبار وكان لها دور في الأنشطة الموسمية، ولها دور كبير في محاربة الفقر في البلد، وكانت إحدى الجمعيات الجادة، وأصبحت تسمى الآن جمعية العون المباشر، ومؤسسها هو الدكتور عبد الرحمن اسميط رحمة الله عليه، وكنت المدير المساعد لها وكانت من أبرز المؤسسات الخيرية في البلاد، أغلقت سنة 1992م. ولكنها واصلت العمل بهذه أو بتلك، وأغلقت نهائيا سنة 1994 م. في موريتانيا وتحولت ممتلكاتها إلى قسمها الموجود في السنغال.
ومنذ إغلاق الجمعية الثقافية الإسلامية ونواديها ولجانها التابعة لها يمكن أن نعتبر أن التيار الإسلامي توقف ولم تعد له مؤسسة ثقافية دعوية في البلد ذات بال، إلا بعض المؤسسات الشبابية التي نشأت في نهاية التسعينات فبادر البعض إلى إنشاء جمعية الحكمة للأصالة وإحياء التراث سنة 1999م. وهي جمعية مهتمة بالثقافة والدعوة والتعليم، وبدأت نشاطها في الشهر الثاني من 1999م. وقد قامت بعمل كبير حيث افتتحت فروعا لها في كل ولايات الوطن وفي ظرف سنة أو سنتين كان لها عمل ثقافي كبير من مخيمات ودروس ومحاضرات وتكوينات للأئمة وغيرهم.. وفتحت أقساما لمحو الأمية وكان لها اهتمام بطلاب البكالوريا خاصة خريجي النظام المحظري حيث درس ما يقارب ثلاثة آلاف طالب في الأقسام التحضيرية التي أنشأتها لطلبة البكالوريا، وقامت بالعمل الدعوي حيث نظمت عشرات المحاضرات شارك فيها كبار العلماء من أمثال الشيخ محمد سالم بن عدود عليه رحمة الله والشيخ محمد الحسن بن الددو والشيخ محمد فاضل بن محمد الأمين و حمدا بن التاه والشيخ محمد عبد الرحمن بن فتى وغيرهم من العلماء، ونظمت العديد من المخيمات ومن بين تلك المخيمات المخيم الذي أشرف عليه د. محمد المختار الشنقيطي أو شارك فيه في مدينة أطار وكان يسمى مخيم الإمام الحضرمي، وكان لفروع الجمعية أنشطة ثقافية متميزة وكانت تهتم بما يسمى باللامركزية في العمل الثقافي، بل أنشأت جملة من المؤسسات الأخرى التي شاركت فيها وأثارها غيرها مثل مراكز لتعليم الخياطة وتعليم الطباعة ومراكز لمحو الأمية ومراكز صحية للأطفال، وكان لديها تأثير لا بأس به في الساحة، وأغلقت الجمعية سنة 2003م. لكننا تغلبنا عليه وأغلقت كليا سنة 2004م. وقرار الإغلاق حتى الآن لم يصلنا منه الجانب القانوني وإنما أغلقت بقرار من الشرطة أو إدارة الأمن، ولم نستأنف العمل فيها حتى الآن ولكن أفكر في إحيائها إذا وجدت فسحة من الوقت والجهد حتى لا تضيع تلك التجربة الرائدة، وإن كانت الظروف اختلفت بالنسبة للعمل الجمعوي نتيجة للوجود الجيد للعمل السياسي والانفتاح والحريات التي جعلت الناس تنشغل عنه، كذلك الثورة الرقمية التي أخذت هي الأخرى حيزا مهما من اهتمام الناس وخاصة وسائل التواصل الاجتماعي وهو ما يعني أن الجمعيات أصبحت أقل جاذبية مما كانت عليه من قبل في الماضي، لكن مع ذلك تبقى الجمعيات هي أهم طريقة للمواطن كي يخدم وطنه وهي أيضا محفزة لمن لديه طموح في أي مجال من مجالات الخدمة العامة في البلاد، وأن يكون المواطن مشاركا في أداء دور واجب في تنمية الوطن وفي نشر الوعي والثقافة والفكر، وأعتبر أن العمل الجمعوي سيبقى له دور كبير إن شاء الله.
موقع الفكر: ماذا عن تجربتكم في البلدية؟
شيخاني بن بيبه : بعد انتهاء هذه الفترة أصبح اهتمامي يتعلق بالعمل السياسي؛ لأن العمل الجمعوي أصبح يتعرض لتآمر من طرف مجموعات سياسية داخل النظام، وتحتنك السلطة وتشكل بطانة سيئة داخلها فكلما قام عمل ثقافي أو دعوي ذو بال تتربص به الدوائر مثل ما حدث للجمعية الثقافية الإسلامية ولجنة مسلمي إفريقيا ونادي مصعب ونادي عائشة واللجنة الشبابية والنسائية ثم المؤسسات الخيرية التي تم إغلاقها كلها وفي الموجة الثانية التي أتت بعد سنة 2003 من إغلاق لهيئة الأعمال الخيرية وجمعية الحكمة، وأدت هذه الأعمال إلى مستوى من التفكير في أن يتوجه الشخص إلى العمل السياسي لعله يسهم في تنوير الرأي العام حول هذا التيار عموما، ولعله يسهم في منع هذه المؤامرات التي تستهدف مصالح الوطن وتقف ضد أصالة الوطن ومصالح الأمة وضد المصالح الإستراتيجية لهذه الهوية وخاصة الإسلام واللغة العربية في البلاد، وأعتبر أن هذا هو السبب في أخذ القرار بالتوجه نحو العمل السياسي الذي أخذ بعض المنحنيات منها الاتجاه نحو مناصرة بديل للنظام، حيث استطاع التيار الإسلامي أن يحشد حشدا ضخما جدا نصرة للمرشح محمد خونه بن هيداله سنة 2003م. ثم كان التفكير بعد تلك الانتخابات التي نال فيها هذا المرشح ثاني رتبة تقارب 19 % أو تزيد عليها، من قبل بعض النخب التي دعمته أن تبدأ في تشكيل حزب سياسي ولكن السلطات آنذاك منعته وخاصة بعد انقلاب 2005 ثم استمر ذلك المنع، ثم طلب من رئيس حزب الملتقى الديمقراطي المعروف اختصارا بحزب "حمد" الابتعاد عن الإسلاميين كي يتم الترخيص له وهو ما فعله عليه رحمة الله ، ثم بادر بعد ذلك الإسلاميون إلى تشكيل مبادرة الإصلاحيين الوسطيين مع بداية 2006م. ومن خلالها استطاعوا الحصول على بعض عمد نواكشوط فحصلوا على أربعة من عمد مدينة نواكشوط وهي بلدية تفرغ زينة وتوجنين ودار النعيم وعرفات وفي الداخل على بلديات كرو بولاية لعصابة والصفا وانصفني بولاية الحوض الغربي ، وهذه البلديات التي تم الحصول عليها بفضل الله تعالى ثم بمستوى كبير جدا من التضحية قام به أفراد مقتنعون داخل المبادرة ، وبفضل التحالف الذي تم مع طيف سياسي كبير معارض من خلال التحالف معه للحصول على هذه البلديات، وكانت تلك الفترة فترة النسبية الانتخابية، بحيث إن كل عمدة يحصل على عدد محدود من المستشارين، وبالنسبة لبلدية دار النعيم حصلنا فيها علي أربعة مستشارين بما فيهم العمدة ولكن كنا نحن أكثر المجموعات من حيث الأصوات وإن كان هناك من يساوينا من حيث عدد المستشارين كالتحالف الشعبي التقدمي.
وهذه البلدية كانت بلدية هامشية وظروفها صعبة، وعمالها غير مكونين وغير مدربين وقليل منهم من يأتي للعمل، وليست لها معدات وليست لها مداخيل وبذلت جهود كبيرة في ترقية المستوى الإداري، ثم التكوين والتطوير والتدريب للعنصر البشري، ثم بناء مقر لائق ثم وضع خطط جيدة لخدمة المواطنين، فخدمة المواطنين تتجه لعدة مجالات حسب القطاعات فقطاع التعليم أدخلت عليه إصلاحات في كل المدارس وأنشأت بوابات على شكل منارة شنقيط وربطت بالكهرباء والماء وسميت بعض المدارس مثل مدرسة الإمام بداه بن البوصيري، ومدرسة عبد العزيز سي، وغيرهما من علماء البلد الذين أدوا دورا كبيرا وعظيما.. وكان هناك تنسيق دائم مع مفتشية التعليم الأساسية حيث تم توفير أجهزة للمتفشية من أجل أن تقوم بعملها وتم الاهتمام بحراس هذه المدارس واكتتاب بعضهم، ونفس الشيء بالنسبة للأسواق تمت تسمية هذه الأسواق مثل سوق خديجة وسوق عثمان وتم تطويرها وتأهيلها، ولكنها مع الأسف لم تنجح لكن تمت المحافظة على بناياتها وحراساتها ووزعت على المواطنين.
والجانب الآخر هو الجانب الصحي وقد تم بالتعاون مع عدة جهات إيجاد عدة مصحات بعضها صغير وبعضها مستوصفات وأنشأت البلدية أحدها رغم أن بنايته كانت موجودة لكن لم يكن فيها تجهيزات ولا عمال وكان في أبعد أحياء المقاطعة وهو حي التيسير، كما دعمت جميع المصحات الأخرى وتم بناء بعض الحجرات فيها، كما تم توفير معدات وأجهزة للعديد منها، وفرغ ثمانية من العمال لصالح المصحات أربعة منهم في مصحة التيسير. وتم الاهتمام بمظهر المدينة حيث شيدت ثلاث ساحات خضراء في البلدية.
وتم إنشاء مصالح وأقسام داخل البلدية وأصبحت ولله الحمد خدماتها من أحسن الخدمات في البلاد، وعندما عين امربيه ربو مديرا للحالة المدنية أعلن أن أي شخص مولود في الداخل لا يمكنه أن يأخذ بطاقة ميلاده إلا من بلدية دار النعيم؛ نظرا لإعجابه بالبناية التي أنشئت لذلك والعمال الذين فرغوا والتجهيزات التي أعطيت لهم، وكذلك المعاملة مع الأوربيين الذين كانوا داعمين لنا حيث اعتبروا أن البلدية من أحسن البلديات، كما قررت المجموعة الحضرية في نواكشوط أن أجود بلدية تتبع لها هي بلدية دار النعيم من حيث التسيير ومن حيث خدمة المواطنين، وتوجد مداولة بالمجموعة الحضرية وإفادة في الإطار، ويمكن أن نقول إن ما قمنا به لا يصل إلى ما كنا نريد، ولكن من المؤكد أنه هو الممكن نظرا للظروف المادية، ونظرا للمشاكل التي يعاني منها العمدة، الذي عندما يأتي يجد أمامه ظروفا صعبة وهي أن المواطن لا يثق في الإدارة عموما وأن العمال غير مؤهلين وفي أغلب الأحيان يبحثون عن مصالحهم الذاتية، وأن المستشارين طيف لا يجمعهم شيء خاصة في تلك الفترة إذ لم يكن معي من الاصلاحيين الوسطيين إلا ثلاثة مستشارين، والإدارة بطبيعتها متمصلحة، وقد لا تكون مستعدة لخدمة المعارضين بشكل كبير وهذه أمور تجعل العمل هنا فيه صعوبات بعض الشيء.
من الناحية الأخرى فيما يتعلق بالعلاقة بالقطاعات الأخرى مثل قطاع الشباب حيث أعيد ترميم الملعب وأنشئت روابط للشباب والرياضة والعمل الثقافي، كذلك بالنسبة لأساتذة المحاظر تم تصنيفهم ودعمهم، وكذلك الأئمة والمساجد وأصبح قطاع ترميم المساجد وتفريشها وإدخال بعض الخدمات إليها قطاعا مهما في البلدية، وتم تجميع كافة هيئات المجتمع المدني في مقاطعة دار النعيم في شبكة واحدة، وأصبحت هذه الشبكة تنسق مع البلدية بشكل جيد.
وقد تحول ما كان يقام به في دار النعيم سواء ما تقوم به جهات رسمية أو جمعيات ومنظمات مدنية من حيث توزيعات أعمال وخدمة إلى عمل مؤسسي وأنشأت لجان مشتركة فيما يتعلق بالإحصاء ولجان مشتركة بين البلدية والقطاعات المعنية وخاصة المقاطعة، وأشرفت البلدية مع غيرها من الجهات على توزيع أحياء لمغيطي والحي الساكن و تنسويلم من حيث القطع الأرضية، وبذلت كل جهودها من أجل الإنصاف والعدل، وكان لها في كل لجنة مستشار ولم يسجل أن البلدية غابت عن أي نشاط في المقاطعة، أو أنها كانت عامل عرقلة بل العكس فقد بذلت جهودا في أن تكون هناك شفافية و إنصاف وعدالة ومساواة بين المواطنين. وبالنسبة للنظافة عندما كنا مسؤولين عنها سنة 2007 وبداية سنة 2008 استطعنا أن ننقل القمامة المتراكمة منذ إنشاء المقاطعة على حواف المطار وبداخله وبالمناطق غير المأهولة من المقاطعة، وعندما تسلمنا البلدية كان سكانها يبلغون حوالي 67 ألف ساكن وبعد سنتين أو ثلاث بدأ العدد في ازدياد لأن القطع الأرضية المؤهلة كانت تبلغ أربعين في المائة، ثم تطورت تطورا كبيرا ليصل عدد السكان إلى 96 ألف قاطنا وفي إحصاء 2013 أصبح عدد السكان 144 ألفا لتأتي في المرتبة الثانية بعد بلدية عرفات حتى إنها تجاوزت بلدية توجنين بفردين أو ثلاثة أفراد فقط، وفي تلك الفترة لم ينته توزيع القطع الأرضية بشكل نهائي، ولم يبدأ استغلال المطار القديم، وعندما ينتهي تأهيل المطار ستكون من أكبر المقاطعات على المستوى الوطني وهذه بعض الأمور التي تمت في تلك الفترة بتوفيق من الله عز وجل، وأنجز كثير منها بتعاون بين المجموعات التي كانت في المجلس البلدي رغم صعوبة هذا التعاون، ووجود العديد من المحاولات لإسقاط العمدة على مرتين وعرقلة عمله من قبل بعض المستشارين لكن تم التغلب على كل تلك المعوقات والعراقيل ولله الحمد.
موقع الفكر: ما هو تقويمكم لتدشين الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني لمجلس اللامركزية قبل أيام؟
شيخاني بن بيبه : بالنسبة للامركزية في العالم ليست مسألة تتوقف عند مرحلة معينة، بل هي مسألة ينبغي أن تتطور وتتطور في اتجاهين، اتجاه تشريعي مثل أن موريتانيا كانت فيها اللامركزية المتعلقة بالبلدية ولم تكن فيها اللامركزية المتعلقة بالولاية وأنشأت مجلس الولاية، وفي بعض البلدان المجلس الإقليمي الذي يضم عدة ولايات تدار من قبل مجلس أو حكومة، ويمكن أن ينزل التمثيل البلدي من البلدية الريفية حتى تصبح كل مجموعة من سكان القرى لديهم بلدية خاصة بهم، هذا في اتجاه وجود المؤسسات، أما فيما يتعلق بالصلاحيات فالأصل أن تحال للبلدية صلاحياتها فيما يتعلق بالتعليم والصحة والنظافة والماء والكهرباء والمحاظر والمساجد ورياض الأطفال وغيرها من الصلاحيات لكن القانون أعد بشكل جيد والصلاحيات والموارد لم تسلما للبلدية وهذا خلل في اللامركزية الموريتانية، ومن الخلل في اللامركزية كذلك ثبات ميزانية البلديات على 0.5% أو أقل من الميزانية العامة للدولة منذ قرابة عشرين سنة، وهذا المبلغ محدود جدا فهو موزع على 2018أو220 بلدية.
ولم تكن للبلديات وسائل تذكر، ويمكن أن نعتبر أن البلديات قد بدأت مرحلة جديدة، لعدة اعتبارات من بينها الاهتمام بالبلديات لأن هناك استراتيجية وطنية أنشأت سنة 2018 والآن بدأ العمل عليها، كذلك قيم بإنشاء المجلس الأعلى للامركزية الذي يترأسه رئيس الجمهورية وبعضوية الوزير الأول ومن ضمنه اثنا عشر عمدة. لكن ما هي الأهداف من وراء هذا، إذا تم تعزيز التنافس على اللامركزية فإن ذلك يعني الاهتمام بخدمة المواطنين والاهتمام بالبلديات، وأي شخص أدار الآن بلدية لا يمكنه أن يديرها مرة أخرى في ظل الظروف الحالية، وخاصة أنه لا يملك وسائل يستطيع بها خدمة المواطنين، ولذلك رفضت رفضا قاطعا أن أعود إلى إدارة البلدية، صحيح وضع البلديات بنواكشوط في السنتين الأخيرتين بدأ ينتعش قليلا، خاصة بعد عودة الطن المفرغ الذي صار يصل كل بلدية منه ما بين 60 إلى 70 مليون أوقية سنويا وكان لا يتجاوز 7 أو 8 ملايين سنويا، كما سيعود إليه الإعلان والترويج وكانت تبيعه المجموعة الحضرية ب 600 مليون أوقية سنويا، ولو وجدت مؤسسة تديرها إدارة جيدة لباعته بلديات نواكشوط بنفس المبلغ أو أكثر منه، وهذا يمكن أن يعود على البلديات ب 60 إلى 70 مليون أوقية سنويا، إضافة إلى الضريبة العقارية ولم تكن لدى البلدية أية ضريبة على السكن وكذلك الضريبة المهنية فلم يكن في إمكان البلدية أن تطلب من أي شركة الضريبة على المهنة، وكانت هذه الضرائب خاصة بالمجموعة الحضرية فالضرائب الأساسية التي لها دخل كانت لدى المجموعة الحضرية وما دامت الضرائب قد عادت إلى البلديات فبإمكان عمد نواكشوط خدمة المواطن؛ لأنه أصبح لديهم دخل مرتفع وأذكر أنه في الفترة الماضية كانت نسبة 20% من الصندوق الجهوي للتنمية تذهب للتسيير و 80% للتجهيز فكان العمدة لا يجد ما يدفع به رواتب العمال ولا ما يشتري به معدات مكتبية، وبعد الفترة الأولى تحولت 60% منه للتسيير وهذا أيضا دافع قوي يجعل العمدة يمكن أن يكتتب العمال، إضافة إلى أن العائد من الطن المفرغ الآن يذهب للتسيير والتجهيز؛ لأن طبيعة البلدية طبيعة تسييرية وليست تجهيزية لخدمة المواطنين.
إذن هذا المجلس سيعطي أهمية كبيرة للعمل البلدي وسيجعل السياسيين يفكرون في الاهتمام بهذا الجانب، فقد كان الفاعلون السياسيون يبذلون جهودا ضخمة في الحصول على البلدية، وعندما يحصلون عليها يجدون أنفسهم في وضع لا يحسدون عليه؛ لأنهم لا يستطيعون خدمة من انتخبهم، لأن العمدة ليست لديه وسائل ولا صلاحيات ومن الأخطاء الكبيرة التي وقعت بعد الانقلاب على الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله هي العدول عن فصل اللامركزية عن وزارة الداخلية فقد ألحق الانقلابيون وزارة اللامركزية بوزارة الداخلية، وتبعية اللامركزية للداخلية خطأ فادح فاللامركزية أسلوب في التسيير والمركزية أو عدم التمركز أسلوب آخر في التسيير و الإدارة، وما دامت الدولة اختارت اللامركزية فمعناه أن الجانب التنموي والخدمي يعني البلديات وغير ذلك يعني وزارة الداخلية كالأمن والسكينة.
فاللامركزية قائمة على فكرة أن المواطنين يختارون من بينهم من يسير مواردهم فما دام هذا الشخص معينا وسينقل اليوم أو غدا فلا يصلح أن يكون مسيرا ولن يهتم بالمواطنين بل يهمه الجانب الأمني فقط، وما دام العمد تابعين للحاكم والوالي والوزير فهذا خطأ ولا يجوز أن يستمر وبالتالي هذا المجلس اللامركزي قد يكون بداية للفصل بين وزارة الداخلية واللامركزية، وهذا موجود في كثير من البلدان، فأنا زرت السينغال والتقيت بوزير المجموعات المحلية ولا علاقة له بوزارة الداخلية. وسبب هذا أن البلدية في بدايتها لم تكن مطلبا جماهيريا وإنما كانت هدية من الرئيس معاوية 1986م.
ولا بد هنا أن نشير إلى أن المرحوم سيد ولد الشيخ عبد الله قد بذل جهودا كبيرة في اللامركزية؛ لأنه انتقى شخصا مختصا في اللامركزية وعينه على وزارة سماها وزارة اللامركزية وهو يحيى بن الكبد، وهذه الخطوات التي قدمت بعده كالمجالس الجهوية جزء من قانون قدم آنذاك ولم يصادق عليه وجاء الانقلاب ليوقف هذه الوزارة.
موقع الفكر: كيف تؤثر سلطة الوصاية سلبا على المنتخبين؟
شيخاني بن بيبه : الحقيقة أن قرارات العمدة لا تكون قانونية إلا بعد مصادقة الجهات الوصية عليها، والقرارات العادية تتطلب ثمانية أيام، والقرارات المالية والمتعلقة بالاكتتابات تتطلب خمسة وأربعون يوما من أجل دراستها من قبل السلطات المعنية، والعمدة كان له الحق في اعتقال شخص ما، إن ارتكب مخالفة مدة أربع وعشرين ساعة وتبليغ الحاكم بذلك لكن بإمكان الحاكم إطلاق سراحه فورا ، والحاكم يحضر اجتماعات المجلس البلدي لكن ليس لديه الحق في التأثير على الجلسة، ومن الناحية القانونية فصلاحيات كل منهما منفصلة وواضحة ولكن جميع تدخلات الدولة التي تأتي من الوزارات في مجالات الصحة والتعليم والماء والكهرباء تذهب مباشرة إلى الحاكم ولا تمر مطلقا بالعمدة، رغم أنها صلاحيات مكتوبة ومنصوص أنها تابعة للعمدة كشق الطرق ورياض الأطفال وتوزيعات مفوضية الأمن الغذائي وشركة سونمكس سابقا يقوم بها الحاكم ولا يحضرها و حتى أشياء تافهة مثل لحوم الأضاحي التي كانت تأتي من المملكة العربية السعودية، وهذه قضايا لا علاقة للحاكم بها وليست من صلاحياته ولا اهتمامه إضافة إلى أنه إن كان يحب تأخير الكثير من أنشطة المؤسسة فبإمكانه تأخيرها، مثل تأخير المداولة فبإمكانه فعل ذلك وبإمكانه منع أذونات البناء مدة طويلة كما يقع دائما، حتى يستفيد منها حرسه وبعض العاملين لديه، وكثير من القضايا التي يبدو منها خلل كبير في العلاقة بين البلدية وسلطة الوصاية يجب إصلاحها وفصل الصلاحيات فيها فصلا مطلقا حتى يكون هناك تعاون لا تداخل فيه، ولا تكون هناك وصاية معطلة ومعرقلة.
موقع الفكر: نزعت بعض الصلاحيات من البلديات كالحالة المدنية والنظافة هل سيعودان إليها؟
شيخاني بيبه: النظافة تتبع للبلديات لكن في نواكشوط نظرا لصعوبتها ونظرا لبعض الظروف والملابسات أعطيت لشركة أجنبية ولم تكن تلك الصفقة بريئة لأنها أعطيت في ظرفية وجيزة لكي تلبي مصلحة شخصية عند بعض الأفراد، وكانت أيضا معطاة لمجموعة نواكشوط الحضرية في إطار توزيع الصلاحيات ما بين البلديات ومجموعات نواكشوط الحضرية لكن بعد إلغاء مجموعة نواكشوط الحضرية يجب أن تعود النظافة إلى البلديات.
وبالنسبة للحالة المدنية فأهم نقطة هي كيفية تقريب الخدمة من المواطن، إذا كانت هناك قدرة في أن تجمع كل الأمور المتعلقة بالمواطن وتعطيها للبلدية لأنها؛ هي أقرب السلم الإدارية القاعدية للمواطنين فهذا هو الحل الأمثل، رغم أن الظروف والسياقات لا تدل على أن الحالة المدنية ستعود إلى البلدية، لكني أعتقد أن إعادتها إلى البلدية ستكون أفضل للمواطنين خاصة مع أخذ الاحتياطات فيما يتعلق بـتأمين الوثائق ودقتها، وليست هاتان الصلاحيتان هما ما أخذ من البلدية فقط بل كل الصلاحيات الأخرى، فأذكر أنني ذا ت مرة أردت أن أبني مسلخا داخل سوق الحيوانات فرفضت الجهة المعنية، كما أذكر أني كنت أريد أن أبني دارا للكتب التي أخذت من دار الكتاب التي أنشئت أيام الرئيس معاوية بن الطائع، فقد أخذت تلك الكتب التي كانت بدار الكتاب وخزنت بدار الشباب بالمقاطعة لكن الغرفة التي وضعت فيها كانت غرفة مسقفة تسقيفا غير جيد، فطلبت الإذن ببناء دار في ملعب المقاطعة لتكون مكتبة كبيرة فمنعتني الوزيرة من ذلك.
فصلاحيات العمد مصادرة من الوزراء خاصة في نواكشوط، حيث يقول لك الوزير هذا قطاعي وأملكه، وما يدري بأن القانون وزع هذا القطاع بين مجموعة من الجهات بعضها تابع للوزير كجهة مركزية وبعضها تابع لجهات أخرى، وحتى لوكان تابعا له فإن تسييره يتبع جهات أخرى مثل البلديات.
موقع الفكر: ما هو تقويكم لانشغال أصحاب العمل الجمعوي بالسياسة؟
شيخاني بن : أرى أن ممارسة العمل السياسي ليست مسألة مخالفة للعمل الجمعوي، لكن العمل المؤسسي داخل الجمعيات لا يجوز أن يكون لديه علاقة بالسياسة بمفهومها الإجرائي، بمعنى أن مفردات السياسة الإجرائية المعيشية التي يتهارش فيها أهل الأحزاب ويتصارعون فيها لا يجوز أن يمارسها مكتب جمعية أو مجلس إدارتها لكن لأفراد الجمعية الحق في أن يكونوا سياسيين كما يشاؤون، لكن المفهوم الأوسع للسياسة بمعنى الحريات العامة والديمقراطية والانتخابات النزيهة هذه الأمور تهم الجمعيات كما تهم الأحزاب، فهناك أمور تتعلق بالسياسة يتداخل فيها العمل الجمعوي والعمل الحزبي وهي المبادئ الكبرى للسياسة العامة التي تتعلق بمصالح المواطنين، لكن التفاصيل اليومية في السياسة مثل تصريحات الرئيس أو الوزير المتعلقة بحدث ما أو الصراعات الحزبية ليست من شأن الجمعيات، وحتى الحوار القادم يلزم أن يشارك فيه المجتمع المدني والقانون الجديد الذي تمت المصادقة عليه مؤخرا يبوب على أنه يحق للمجتمع المدني أن يشارك في القضايا الكبرى ورغم ذلك أنا شخصيا أفضل ألا تكون الاهتمامات الشخصية بالشأن السياسي أولوية للمنشغلين بالعمل الجمعوي، ولكن رغم ذلك فالسياسة إطار كبير تتم من خلاله إدارة مختلف الشؤون بما في ذلك المجتمع المدني ولا بد من الاهتمام به حتى لا يؤثر عدم الاهتمام به على ما يقوم به الشخص في إطار العمل الجمعوي.
موقع الفكر: ألا ترون أن معارضتكم لنظام الرئيس الأسبق معاوية بن الطائع حرمتكم المواطنين وحرمتكم أيضا من مساعدة الدولة في نشر ما ترونه مساعدا للناس ؟
شيخاني بن بيبه : أعتقد أن جمعية الحكمة كانت بعيدة من السياسة، وهناك مسألة أخرى تنضاف لذلك وهي أن الإسلاميين بعد 1992م. لم يكن لديهم اهتمام كبير بالسياسة، وبعد تجربة حزب الأمة بقي أفراد قلائل يعملون في حزب التكتل، وتارة يدعمون هذا المرشح أو ذاك ولم يكن هناك اهتمام كبير بالشأن السياسي، وفي فترة جمعية الحكمة لم يكن هناك اهتمام كبير بالسياسة، لكن بعد اعتقالات سنة 2003م. كان هناك ضغط شديد على التيار الإسلامي وشائعات وحملات إعلامية واعتقالات وإغلاق مؤسسات، واستطاع عموم الإسلاميين وجميع من يؤمن بفكرهم أو يتقاطع معهم في الرأي أن يعملوا ضد معاوية حتى يعطوه درسا قويا، وكان هذا الدرس هو دعمهم للرئيس الأسبق محمد خونه بن هيداله، وكان دعما كبيرا وصحيح أنه سبب ردة فعل لدى معاوية، ولكن أعتقد أنه ما عادت لدى معاوية مؤهلات نفسية للحكم بعد 2003 وهذا ما يدور في الكواليس أنه أصبح عنده اختلال نفسي وهناك من كان يتحكم في المشهد سواء في ذلك من كان يحضر لتغيير النظام فيحرك المشهد، أو سواء من كان يريد أن يتحكم وريثا للنظام.
موقع الفكر: ما هي آخر أخبار الحوار ؟
شيخاني بيبه: أعتقد أن الحوار دائما يكون فرصة للتغيير، ويمكن القول إنه لم تحدث هناك حوارات شاملة بحيث لم يقص منها أحد، ولم تكن هناك حوارات فيها مستوى كبير من العموم حيث تشمل المواضيع كلها، ولم تكن هناك حوارات استطاعت تناول القضايا الكبرى للمجتمع، وإنما كانت أغلب الحوارات معروفة النتيجة مسبقا، ويمكن أن نعتبر المجتمع في موريتانيا تعود هذه المسألة فأصبح يقوم بحوار قبل الحوار مع السلط حتى يتوصل معها لكل السقوف التي يمكن أن يصلها الحوار، ثم يبدأ الحوار من أجل الإخراج لهذه الاتفاقات التي تمت بطرق أخرى، وأعرف أمثلة كثيرة لهذا وقعت، لكن أعتقد أن الحوار مهما كان هو أفضل طريقة يسير بها السياسي في حياته وهو السلم الطبيعية للوصول للديمقراطية الحقيقة والعدل والمساواة. وهناك مطالب كبرى للوطن يجب أن تكون نصب أعين الناس منها الوحدة، فهذا الوطن لابد أن يكون فيه تعايش حقيقي بين مختلف مكوناته على أسس سليمة، المسألة الثانية هي القضاء على مخلفات الرق فهذه المخلفات يجب أن تبذل جهود كبيرة للقضاء عليها، وأعتقد أن الرق لم يعد موجودا؛ لأن السلطة فتحت أبوابها لمحاربته والسياسيين قالوا إنهم ضده ونحن كلنا ضده وهو ليس موجودا ولكن احتساب قلة التوظيف و الجهل وعدم التعلم رقا خطأ؛ لأنه ليس رقا وإنما مخلفات الرق وينبغي بذل جهود كبيرة للقضاء على المخلفات.
أما المسألة الثالثة في الأولويات فهي في المجال الاقتصادي فينبغي لموريتانيا أن تضع مجموعة من الأولويات الاقتصادية والحكامة الرشيدة وتعمل على تحقيقها ، كذلك فيما يتعلق بالديمقراطية ينبغي أن نصل إلى المستوى المطلوب وهو انتخابات حرة ونزيهة وشفافة وآلية للتحكيم فيما يتعلق بعملية الانتخابات، هذه أولويات أعتقد أنها أولوية بالنسبة لأي حوار قادم وأعتقد أنها ينبغي أن تقطع فيها مراحل كل فترة، وأعتقد الآن أن فيه فرصة لذلك مادام أنه لا توجد نية مسبقة للإقصاء، ولا وجود لاتفاق مسبق على أية سقوف، فعندها تجب المشاركة فيه والعمل على إنجاح مخرجاته التي تكون مرضية بالنسبة للمجتمع، ويحذر من أي أطروحات فئوية أو جهوية أو عنصرية أو قبلية في هذا الحوار لأن هذه الأمور خطيرة جدا وأنا ممن يعتقد أن أي حديث عن التقطيع الإداري أثناء الحوار خطأ لأن التقطيع الإداري مصلحة تقوم بها الدولة انطلاقا من اهتمامات سكانية وأمنية واقتصادية وهكذا.. أما أن يطلب هؤلاء أن يكونوا مقاطعة و أولئك ولاية أو بلدية فهذا يؤدي إلى التمايز الاجتماعي ولا يقع التمايز في بلد إلا وقع بعده ما هو أخطر منه.
موقع الفكر: ما هو تقويم لتقرير اللجنة البرلمانية؟
شيخاني بن بيبه : أعتقد أن اللجنة البرلمانية حققت في بعض المواضيع وما زال هناك الكثير لم تقدم فيه شيئا وأعتقد أنها بذلت جهودا جيدة ولم يتدخل لها تدخل ذو بال، وأنها وصلت إلى جملة من النتائج كان من آثارها إحالة الملف الحالي إلى القضاء؛ لذلك أعتقد أن عمل لجنة التحقيق كان عملا غير مسبوق في تاريخ البرلمان ولكن أحب أن يستمر، فأية مجموعة طلبت إنشاء لجنة تحقيق يتم السماح لها بتشكيلها فإن وصلت إلى جود خلل فذاك المطلوب وإلا كان تبرئة للملف وتزكية للعمل القائم، وإن لم يحدث ذلك تكون مثل بيضة الديك عقيمة ولا جدوى منها، لأنها ستفهم في سياقات غير إيجابية ولم تكن تلك السياقات موجودة قطعا عند تشكيل اللجنة.
موقع الفكر : ما هو تعليقكم على تصرف القضاء حيال الأشخاص المحالين إليه في إطار تحقيقات اللجنة البرلمانية ؟
شيخاني بن بيبه :على كل حال القضاء من المؤسسات الهامة التي تحتاج الإصلاح ولا خلاف في حاجتها إلى الإصلاح ، وألا تكون فيها رشوة أو فساد وتبعد عن تأثير السياسة والانتماءات الحزبية وتكون مؤسسة لديها طابع استقلالي، فإذا وقع هذا يمكن أن يكون لدينا قضاء متميز يمكن الركون إليه، وهذا ما نحتاجه وتحتاجه أية دولة في تنميتها واقتصادها وأمنها، فرضى مواطنيها وإحساسهم بالأمان بسبب قناعتهم بالقضاء و أحب أن تتطور هذه الأمور نحو الأفضل، ولا صورة لدي عن الأمور بحيث أدخل في التفاصيل حول تقويم عمل القضاء، فأتمكن من الحكم على قرار قضائي بأنه كان سليما أو غير سليم، وهذه أمور يطرحها المواطن وما يتوفر عليه المواطن من المعلومات محدود، فالمعلومات إن لم تكن على شكل وثائق لا يمكن أن يحكم بها والخلط بين الشائعات والمعلومات كثر داخل المجتمع وهناك فرق بين اتهام يوجهه القضاء معتمد على الأدلة، وبين مقال صحفي أو وثيقة يصدرها أحد الإعلاميين؛ وبالتالي أتحفظ جدا على بعض الأحكام فلا يمكن أن أتهم أحدا أو أبرأه.
موقع الفكر: ما هو تقيمكم للدورة البرلمانية الحالية؟
شيخاني بن بيبه : كانت دورة عادية مثل باقي الدورات لم يكن فيها ما يثير الاهتمام، لأن أهم قانون فيها هو القانون المتعلق بالجمعيات أو عرض برنامج الحكومة وأعتقد أن هناك ظروفا وعوامل جعلت البرلمان في هذه الظرفية لا يتمتع بذلك النشاط بسبب فيروس كوفيد 2019م. ومن تلك العوامل أنه في الغالب لا يحضر إلا الثلاثون أو الأربعون من مجموع النواب وكذلك الحد من الوقت المخصص للنواب وكذلك عدم برمجة الأسئلة المخصصة لمساءلة الحكومة، وهو أمر ينص عليه الدستور و كان في الفترة الماضية يخصص يوم الأربعاء لمساءلة الوزراء المعنيين ومع ذلك تسير الأمور في طريق ليست هي المثلى ولكن فيها مستوى من التوافق بين رؤساء الفرق نظرا للتكيف مع الجائحة الطارئة.
موقع الفكر :ما هو تقويمكم لسنة ونصف من حكم الرئيس محمد بن الشيخ الغزواني مع العلم أنكم توصفون بأنكم من تيار الحمائم داخل حزب تواصل؟
شيخاني بن بيبه : هذه التصنيفات الحمائم والصقور ليست بتلك الدقة وهناك فقط من يعتبر أنه انتصر عندما يقول كلمة في الإعلام أو يكتب تدوينة، والسياسي يجب أن يهتم بالمصلحة العامة واهتمامه بها يجب أن يكون أكبر من تسجيل موقف أو قضايا تتعلق بنفسه؛ لأنه قال كلمة أراح بها عن نفسه بغض النظر عما ستؤدي له مستقبلا، وهذا ما يجعل التحفظ جزءا من إدارة الإنسان لذاته عندما يكون لديه منصب سياسي فلم يعد يمثل نفسه بل أصبح يمثل ذلك الحزب ويشعر أنه عندما يتحدث فإنه يتحدث باسم هذا الحزب الذي يضم عشرات الآلاف من المثقفين، والأشخاص الذين هم في الواجهة والمقدمة يجب أن يكون تحفظهم أكبر؛ لأن نظم الحزب تعطي صلاحيات محددة للهيئات تتعلق بالمواقف السياسية والذين لا يمتثلون لذلك ويطلقون لأنفسهم العنان ليقولوا ما شاءوا وما أرادوا أعتبر أن هذه الممارسة يمكن أن يكون فيها نوع من المصادرة لحقوق الهيئات؛ ولذلك قد يوصف هذا التحفظ عند بعض الأشخاص أو صار يوصف بالحمائمية الزائدة، ونحن في بلاد نشأت فيها المعارضة عندما نشأت ضد الاستعمار وكانت ذات طابع عنيف وكانت مجموعة من المجاهدين ضد الاستعمار، ثم بعد ذلك نشأ حزب النهضة وكان طرحه طرحا شديدا وقويا قبل أن يحل وتحل معه جميع الأحزاب السياسية في البلاد ثم جاءت حركة الكادحين وكانت حركة معارضة ثورية راديكالية ضد نظام الرئيس المختار بن داده.
وعندما جاءت مختلف الحركات السياسية كانت كلها سرية راديكالية ضد الأنظمة القائمة في أغلب الأحيان، وعندما بدأت الديمقراطية تقاربت كل التيارات المطلبية والسياسية والثورية في جبهة "أفديك" ثم في اتحاد قوى الديمقراطية وكأن طبيعة المعارضة في موريتانيا طبيعة خاصة، وهي طبيعة تراكمية وراثية فيها مستوى معين من الحدة والراديكالية، ولا أعتقد أن هذه هي المعارضة الديمقراطية الطبيعية، وصحيح أنها بدأت تتكيف وتنتقد بهدوء وجاءت أنظمة في أغلبها أنظمة عسكرية وكانت ردة فعلها شديدة بحيث إنها لم تهيئ أجواء من الثقة والتبادل بين الأطراف السياسية وما دامت الثقة غير موجودة وردة فعل النظام عنيفة والمعارضة راديكالية فلن يصل الجو العام داخل البلد إلى مستوى معين من أجواء الثقة ومد الجسور التي تجعله يتوافق في إطار الحوار والقضايا الوطنية وهذا ليس جوا إيجابيا بالنسبة لي فالجو الإيجابي هو الجو الذي فيه مستوى من مد الجسور ولغة الدبلوماسية تنتقد بأسلوب راق و وبلغة محترمة، وبالتالي لست حمامة ولا صقرا، ولكن أعتقد أن هذا الجو من الصعب أن يوجد بالنسبة للسياسيين وأن الكلام الساقط والبذيء لن تتقدم به السياسية ولن يعطي صورة مثلى عن أي حزب.
هذا رد على الجزء المتعلق بالحمائم والصقور، أما الجزء المتعلق بفترة الرئيس الحالي فعندما نقلب الصفحة ونراقب المشهد من خارجه سنجد بعض الإشكالات المتعلقة بهذا الملف القضائي الضخم الذي أثير في هذه الفترة، والذي يشكل مستوى معينا من العرقلة السياسية في الأداء، وسنجد أيضا تركة ثقيلة جدا وجدها هذا النظام من نظام سابق أتى على الأخضر واليابس وبالتالي قد نجد بعض الأعذار في هذا القبيل، وإذا أضفنا إلى ذلك كارثة كورونا سنجد أن الرجل كانت لديه فرصه محدودة جدا للقيام بأعمال ذات بال لصالح المواطنين، ورغم ذلك أنا أشيد بإنجاز بعض الأمور وهناك تحضير لبعض الأعمال المفيدة وهناك إحساس بالحرية والتفاهم وبعض التشاور السياسي بين الناس، ولكن هذا لا يصل عندي إلى ما نريد في أي مجال من المجالات فما زالت البطالة كبيرة والفقر يزداد والعمال في ظروف صعبة نسبيا؛ نتيجة للغلاء المتفاحش للأسعار وأعتقد أيضا أن التدخلات التي تمت كانت مهمة ومفيدة وخاصة الدعم المباشر وما زلنا نستزيد النظام ونحب أن تأخذ حركة النهضة والتغيير والتنمية خطوات متسارعة لنجد شيئا ملموسا يجعل الهدوء والتفاؤل الذي حصل عند الطبقة السياسية وعلى عموم التراب الوطني يستمر، ويأخذ طابعا مستقرا في البلد ولا نكون قد أعطينا فترة للتفاؤل ولم تنجح.
موقع الفكر: ما هو تقويمكم للتوزيعات التي تقوم بها وكالة تآزر؟
شيخاني بن بيبه: كنت أشجع مثل تلك التدخلات والتوزيعات وخاصة إذا أمكن أن تكون على شكل مشاريع مدرة للدخل، وفي نفس الوقت تقوم بالتنمية كأن تكون هناك مؤسسة تشرف مثلا على توفير اللحوم أو تعمل على توزيع الأسمك أو الخضار أو الألبان أو في الصناعات الاستخراجية وفي نفس الوقت يتبع لها خمس مائة أو ألف عامل ولديها مردودية ومستمرة في آن واحد . ولست ضد التوزيعات ولكن أفضل أن تطرح لها برامج مهمة قادرة على الوصول إلى أكبر عدد ممكن وأنا من الأشخاص الذين يعتقدون أن نظام "الغذاء مقابل العمل" الذي جرب سابقا هو برنامج هام لو أنه تم تسييره بطريقة جيدة مثل أن يوجه إلى الزراعة أو غيرها. ومهم بالنسبة لي أيضا برنامج مشروع استخراج الحجارة لأن صاحبه سيستأجر ألف عامل لاستخراج الحجارة من أجل إنشاء الطرق أو غيرها، والحجارة يوجد منها ما يكفي حتى يرث الله الأرض ومن عليها، ويمكن أن تفحص قبل استعمالها لنعرف إن كانت فيها معادن أم لا! وأقول هذا في إطار أنه من الأفضل أن نحاول مع الناس حتى تتعلم من المهن ما تكسب منه شهريا بدل أن تعطيهم مبالغ ستنتهي في فترة محدودة وهي مبالغ محدودة كذلك في الوقت الذي حين تجمع تكون مبالغ كبيرة وهائلة.
موقع الفكر: ما هو تقويمكم لواقع التعليم؟
شيخاني بن بيبه : هذا مجال من المجالات التي تشهد بعض الصعوبات الكبيرة جدا والتي أصبحت للأسف صعوبات هيكلية ولم يحدث فيه أمر ذو بال حتى إصلاح التعليم القائم باللغة العربية في ذيل اهتمامه ولا تدرس بها إلا المواد الأدبية وأي شخص يريد تطوير بلده لا بد أن يدرس أهل ذلك البلد بلغتهم الأم، وتعاني المدارس من الاكتظاظ وعدم وجود معلمين وأساتذة والبيئة الحاضنة للتعليم صعبة ورقابتها ليست جيدة، إضافة إلى عدد من المعوقات، وأنا ممن يرى أن إقامة مجموعة من المدارس النموذجية وتطوير بقية المدارس لتحذو حذو النموذج هو الحل، أما كونهم يحاولون أن تكون جميع المدارس نموذجية مرة واحدة فهذا أمر غير ممكن، وللأسف لم يحافظوا على النموذجية التي أقاموها في تلك المدارس والنموذجية لا تأتي عن طريق مجموعة من المكتسبات وإنما تأتي عن طريق مجموعة من الإجراءات والظروف والبيئة الحاضنة للتعليم كالأسرة، وأعتقد أنه من الخطر أن هذا الأمر قد شهد توسعا في مرحلة من المراحل، وعندما أرادت الدولة أن تصلحه قلصته وبقيت أغلب القرى بدون مدارس وشهد الأمر تراجعا في الكم ونحن نقول إن الكم يولد الكيف، وعلى كل حال فالكم الذي كان لم يعد موجودا والكيف لم يتم.
موقع الفكر: هل من كلمة أخيرة؟
شيخاني بن بيبه :أشكر هذا المنبر وأعتقد أنه مفيد ويعطي فرصة للإنجاز فكما قلتم إنكم لا يعجلكم سبق إعلامي ولا تبطئكم مصلحة شخصية، وأطالبكم بالتطوير ما استطعتم نحو الرقمنة، والموقع يجب أن يزداد فترة بعد فترة من أجل التطوير وفي كل فترة سيظهر أن ما كان موجودا يحتاج إلى تطوير وهذا أقوله في مجال التخصصات وفي مجال المستوى وفي مجال الاهتمام والسرعة والتعاطي مع الناس وأطالب أن يكون للتدوينات نافذة مخصصة لهذا الغرض لأن مواقع التواصل الاجتماعي تأخذ من الاهتمام في القضايا الأساسية وسيكون هذا بوابة جيدة لو تم نشر عشر إلى خمس عشرة تدوينة يوميا. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.