الحمد لله وحده وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه. وبعد فإن مذهب مالك وجمهور أصحابه وكثير من أهل العلم كأبي حنيفة وأحمد عموم الرؤية، بمعنى أن الهلال اذا ثبت في موضع من العالم الإسلامي وجب الصيام والفطر على كل من ثبتت عنده رؤيته، ومقتضى هذا المذهب استحباب صوم عرفة يوم يقف الحجاج بعرفة. وهذا المذهب له أدلة قوية مبسوطة في غير هذا الموضع، وهو مترجح في عصرنا هذا خاصة لإمكان نقل الرؤية عبر وسائل الإعلام والتواصل في أسرع وقت، ولم يكن ذلك متاحا في القديم.
ومذهب ابن عباس والشافعي خصوص الرؤية، وأن لكل أهل بلد رؤيتهم، واضطرب القائلون به في تحديد البلد اضطرابا كثيرا؛ وهو في الحقيقة لصالح المذهب الأول لأنه أكثر انضباطا وأليق بالشريعة.
ومذهب ابن الماجشون المالكي أن الهلال يعم ان ثبت عند الخليفة العام، وأما ان ثبت عند حكام الأمصار فلا يعم إلا من في إيالتهم، وهذا المذهب هو الذي جرى به العمل في الدول الإسلامية اليوم. وعليه فمن صام عرفة تبعا للموقف مقلدا لمذهب مالك القائل بعموم الرؤية فلا بأس عليه ان شاء الله، وهذا المذهب هو أرجح المذاهب، وبه أخذ كثير من العلماء المحققين، وهو أرجح وأليق بعصرنا لسهولة التواصل وتحقيق مقصد الوحدة. ومن أدلته قوله صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته) فهو خطاب للجميع.
وعلى هذا فمن صام من مقلدي مذهب مالك يوم السبت على أنه يوم عرفة فلا لوم عليه لجريانه على مذهب امامه، خاصة على القول بأن حكم الحاكم لا يدخل في العبادات التي ليست لها صبغة جماهيرية كما هو مذهب امام الحرمين وبعض المحققين. خاصة وأن الأمر من قبيل المندوبات، وفي عدم التظاهر به مخرج من التشويش مع أنه لا تشويش أصلا. ومن قلد أحد المذاهب الأخرى فلا لوم عليه. وصيام السبت مستحب على كل حال لأنه في حق المقيم هنا يوم التروية او يوم عرفة. واختلاف العلماء رحمة. وأنبه أخيرا على أم كلام الحافظ ابن عبد البر الذي حكى فيه الاجماع على عدم عموم الرؤية ان تباعدت البلدان تعقبه المازري، وتواطأت نصوص القائلين بعموم الرؤية على خلافه. وهو محمول عند بعضهم على استحالة التواصل قديما، ومعلوم أن العلماء حذروا من إجماعاته رضي الله عنه. هذا ما تحصل عندي في الموضوع. وسأرفق رابط مقال سابق يتحدث عن عموم الرؤية ويرجح أدلته.عموم رؤية الهلال في ضوء المستجدات الحديثة / محمد يحيى ولد احريمو | صحيفة الوحدوي