في ظل الانفلات الأمني المتصاعد الذي تعيشه العاصمة في الآونة الأخيرة أروي لكم هذه القصة الواقعية دون تحريف أو تلفيق وهي تؤكد مدى تقصير سلطاتنا الأمنية في التعامل مع قطاع الطرق والمحاربين:
في هذه الأسطر سأتحدث عن تفاصيل وحيثيات حول عملية سطو مسلح تعرضت لها وليست الأولى من نوعها لكنها الأغرب في طريقتها وقد كتبت عنها حينها لكنني تجاهلت تفاصيلها ظنا مني أن تلك القضية ستأخذ مسارها القانوني المحدد لها عندما اتخذت جميع السبل المؤدية إلى ذلك.
كانت الساعة تشير إلى الثامنة والنصف تقريبا من مساء يوم الأحد 14 مارس 2021 وكان طريق ( كرفور مدريد - الاتحادية ) يعج بصخب الركاب وسيارات النقل وبينما كنت أمر على الرصيف متجاوزا ذلك الصخب بحثا عن سيارة توصلني إلى وجهتي قرب كرفور الاتحادية توقفت لي سيارة بيضاء من نوع " بيجو 206 " تحمل الرقم 8005AN00 وبها سائق ثلاثيني أسود البشرة يضع لثاما أزرق وسألني عن وجهتي وأخبرته بها فوافق بسرعة كسرعة البرق وفتح لي الباب الأمامي وركبت بجانبه لينطلق دون أن يحمل أي شخص آخر معي، ما هي إلا لحظات قليلة حتى فوجئت بسائق السيارة يأخذ - في وضعية غير طبيعية - منعرجا على اليمين فنظرت إليه نظرة تساؤل واستغراب لكنه بادرني بالقول قبل أن أتكلم " لدي صديق اتصل بي وأخبرني أنه تعطلت به سيارته هنا داخل حائط المطار القديم وهو بحاجة إلى بطارية السيارة وسألحق به" ، لم يكن هذا المبرر مستساغا بالنسبة لي لكنني كنت ملزما بالتظاهر بالاقتناع رغم عكس ذلك ، راودتني في تلك اللحظات عشرات الخواطر التي ينتمي جلها - إن لم أقل كلها - للتهور وعدم العقلانية لكنني استطعت التغلب عليها والتحكم في أعصابي خشية وقوع أي مكروه لا قدر الله ، واصل السائق سيره حتى وصل منتصف الطريق تقريبا وأخذ دون تردد منعرجا آخر عن شماله وما إن قطع مسافة 30 متر حتى أخرج من جيبه سلاحا أبيض كان يحمله بجانب قلبه الأسود وأشهره نحوي وهو يقول :
" ضع محفظتك وهاتفك وكل ما بحوزتك من أشياء في يدي وافتح باب السيارة واخرج منها قبل أن تكون من الهالكين "
استسلمت للأمر الواقع وتنازلت عن كل ما بحوزتي من ممتلكات وكانت عبارة عن " هاتف من نوع سامنسغ Not8 ومبلغ مالي قدره 47 ألف أوقية وبعض الملابس الجديدة غالية الثمن التي اشتريت مؤخرا من السوق " وفتحت باب السيارة وخرجت منها بهدوء لينطلق السارق بسرعة كسرعة رصاصة خرجت لتوها من بندقية اكلاش نيكوف ويترك لي بياض التراب من بعده ، عدت إلى الطريق مشيا على الاقدام فإذا برجل يمر بسرعة فائقة فأشرت عليه ليتوقف قليلا ففعل مشكورا وسألني عن الأمر فأخبرته بالحدث وتأسف له كثيرا وطلب مني الركوب معه لعله يتدارك الموقف فقلت له إن ذلك لم يعد ممكنا لأنني موقن أن السارق قد خرج من المنطقة دون شك ، حملني الرجل في سيارته مشكورا وأوصلني إلى الطريق الرسمي ولم يكن لدي أي نقود لأركب بها ورغم ذلك تعففت عن أن أخبره بالأمر مما جعلني أضطر للذهاب مشيا على الأقدام من ساحة ابن عباس حتى منطقة الاتحادية بمقاطعة تيارت ( مسافة 7 كلمتر تقريبا ) ووصلت في وقت متأخر من الليل بعد أن بلغ مني التعب مبلغا وأنا الذي تفصلني ساعات قليلة عن اليوم الأول من امتحانات " جامعة الخلوات " الأمر الذي جعلني لم أستطع أن أذهب في تلك الليلة إلى المفوضية واضطررت لتأجيل تسجيل الشكوى إلى وقت آخر ، وفي المساء الموالي وبعد يوم حافل بتعب الامتحانات وصلت مرهقا لمفوضية دار النعيم 2 قبيل صلاة المغرب بقليل حيث استقبلني أحد عناصر الأمن الوطني وطلب مني أن أروي له ما حدث لي بالضبط وحين بدأت بسرد القصة الطويلة مع تفاصيلها قاطعني قائلا :
" إن الوقت المحدد لرفع الشكوى قد بدأ ينفد ولم يعد بإمكانك تسجيلها إلا بإذن من المفوض - الغائب وقتها - فسامحنا "
قلت له إن هذا غير منطقي وان القضية لم يمر عليها 24 ساعة بعد ، وأنه إذا كان مصرا على إذن من المفوض فليزودني برقمه حتى أتصل به وأخبره بالأمر فاعترض أيضا بحجة أن رقم المفوض لا يعطى لكل من يرغب فيه.
كشفت لهم عن هويتي ودراستي وطبيعة النشاطات التي أمارسها وأعطيتهم كل المعلومات المتعلقة بي ووقفت مصرا على الدفاع عن حقي المشروع الذي يكفله القانون ويؤيده الشرع وحين أدركت أنه لا جدوى من كل ذلك بدأت بالبحث عن حل لا يمر عن طريق عنصر أمني يجعل من القانون صنما من التمر يعبده إذا وافق هواه ويأكل منه إذا جاع ، أخذت الهاتف واتصلت برقم خالي أحمد سالم يونس وأخبرته بالأمر فأجرى اتصالا على أحد عناصر الأمن الذين عرفوا بالنزاهة في تعاملهم وأبلغه بالموضوع فتعهد الأخير بالسعي في تسجيل الشكوى وبدأت الاتصالات من هنا وهناك حتى وصل الأمر إلى المفوض فأمرهم بتسجيل شكايتي ومنحي وصل تسجيلها بعد أكثر من ساعة من الانتظار ، غادرت المفوضية بنية متابعة الموضوع حين ينتهي الامتحان وبعد ذلك بيوم أو يومين تقريبا مررت بكرفور مدريد وشاء الله أن صادفت نفس السيارة غير بعيد من المكان الذي حملتني منه ليلة العملية وأسرعت بإبلاغ دورية " مسغارو " التي تداوم هناك بالأمر لكن التعاطي معي كان دون المستوى حيث أخبروني أنهم لا علاقة لهم بالأمر وأنني لابد أن أذهب إلى المفوضية حتى يعطوهم إذن توقيف السيارة ، عدت خالي الوفاض لأقطع الطريق جنوبا وأقف على طريق الأمل - الذي بدأت أفقده شيئا فشيئا - وأخذت سيارة أجرة باتجاه المفوضية وحين جئتهم أبلغتهم بالأمر وطلبوا مني أن أبذل جهدا شخصيا في مراقبة صاحب السيارة حتى أتأكد من أنه هو نفسه صاحب العملية - الأمر الذي لم يعد يراودني فيه أدنى شك منذ أول وهلة - وأتواصل معهم أو مع أقرب مفوضية.
وبعد تعب وملل بدأت بالفعل أفقد الأمل في شرطة تصف نفسها بأنها " في خدمة المواطن " وأدركت أنها لا تتقن سوى فن اللعب على العقول وتركت الأمر للقدر وغضضت الطرف عن متابعة القضية لدرجة التجاهل والنسيان ، مضت فترة بعد ذلك وبينما أنا أمر ذات ليلة في أواسط شهر رمضان مع أحد الإخوة بجانب جامع مصعب ابن عمير بتيارت المعروف شعبيا ب " مسجد ولد امحود " إذا بسيارة مصممة على نفس الطراز وتقف على جانب الطريق فطلبت من رفيقي أن يتوقف قليلا فإذا بها نفس السيارة وتحمل نفس الرقم ، كان الوقت حينها متأخرا وحظر التجول قد اقترب فتركتها حتى عدت إليها في الليلة الموالية ووجدتها في نفس الموقف ولاحظت من خلال أثرها الجديد أنها تذهب وتعود ، ذهبت إلى أقرب دورية لمسغارو وأخبرتهم بالأمر فتعاطوا معي - على خلاف من سبقهم - تعاطيا إيجابيا وذهبوا معي إلى مكان توقف السيارة والتقطوا منها صورة واتصلوا بقائدهم المشرف على المنطقة وجاء القائد بنفسه وهو يلبس زيا مدنيا وسألني بعض الأسئلة المعتادة ودخل على صاحب البقالة التي تقف السيارة بجانبه واشترك معه حديثا استفهاميا مطولا يحمل طابعا أمنيا لم أطلع على تفاصيله لكن القائد أخبرني بخلاصة مفادها أن صاحب البقالة قال له إنه يعرف صاحب السيارة وأنه منذ أكثر سنتين وهو يركن سيارته في نفس المكان ويبيت ليله مع بعض الطلاب الذين يسكنون في المسجد ومع ذلك لا أحد يملك عنه معلومات أكثر من ذلك ، كما أضاف صاحب البقالة أنه هو وبعض عماله طالما اعتبروه محل تهمة ووضعوا عليه الكثير من إشارات الاستفهام نتيجة المسلكيات الغامضة التي يتعامل بها مع الجميع.
حملتني دورية مسغارو إلى أقرب مفوضية - وهي المفوضية التي تقع جنب سوق تيارت - لنخبرهم بالأمر وتكفلت المفوضية بمتابعة الموضوع معي وذهبوا بي إلى مكان السيارة وأخبروني بأن الأمر أصبح - من الناحية القانونية - تحت صلاحياتهم وأن اعتقال صاحب السيارة أصبح مجرد مسألة وقت ، بعد الوصول إلى مكان السيارة دخل أحد أفراد الأمن في نقاش مع صاحب البقالة وأخذ رقمه وأعطاه رقم المفوضية ليتصل بهم فور وصول صاحب السيارة لها والتزم صاحب البقالة بوعده واتصل - كما قال لي لاحقا - على الرقم أكثر من مرة لكن دون أي جدوى.
هذه القصة - ومثلها كثير ينتظر الإعلان - تلخص مدى تقصير سلطاتنا الأمنية وازدواجية معاييرها في التعامل مع بعض الحالات ، وقد ترردت كثيرا قبل كتابتها لعل وعسى لكنني أنشرها الآن بعد أن أدركت أنه لا مفر من ذلك وبعد ما سئمت الأمل في الشرطة والدولة والقانون !
ملاحظة: الصورة المرفقة ليست لنفس السيارة وإنما تشبهها فقط وتم التقاطها على سبيل المثال لا التهمة.