لفت انتباهي حديث البعض عن الديمقراطية ومخالفتها للإسلام، وإن استثني مظهرها الإجرائي "التصويت" ثم يحدد الأمثل بالمعايير الشرعية، ودعاني كل ذلك إلى الملاحظات التالية:
1 - القول بأن الديمقراطية فكرة كفرية، وأن السيادة لايمكن أن تكون للشعب، وأن التشريع ليس من حق البرلمان، إطلاقات لاتناسب نهج التثبت ولا منهج التحقيق، فالأمر ليس مقابلة بين الإسلام والديمقراطية، ولايتواردان على نفس المحل، فالإسلام دين ومنهج ومضمون، والديمقراطية إطار وخيار في شكل الحكم وبنائه، فإذا كان النظام مختارا من الناس في انتخابات سليمة وحرة، يملك الشعب حق الرقابة عليه والقدرة على تغييره في دورات الانتخاب المعلومة، فهو نظام ديمقراطي، سواء كان برنامج من يحكم إسلامي المرجعية أوعلماني التوجه، والإسلام عام التوجهات مرن المنهج في شكل وتنظيم الحكم، وسوابقه المعتبرة تؤكد أن مصدر الشرعية للسلطة هو الناس، كل الناس، وأن التقييدات الفقهية أوالتطبيقات العملية التي حدت من ذلك اوجيرته، لاتنسجم مع موجهات الوحي ومقاصد الشرع، وفي موريتانيا حدد الدستور أن مصدر التشريع هو أحكام الدين الإسلامي، فارتفع الخلاف وحسمت المرجعية، والباقي التزام بذلك أوتنزيل له.
2 - إدارة الدول، وتدبير شأنها، وسياسة أمور الناس، والقدرة على التعامل مع إكراهات المحيط الإقليمي والدولي، وفهم إشكالات الاقتصاد وأسئلة التنمية، هي الأهم في الترجيح شرعا وعقلا، والسياسة كما يقول ابن الحداد "سياستان، سياسة الدين وسياسة الدنيا، فسياسة الدين ما ادى لقضاء الفرض، وسياسة الدنيا ما أدى لعمارة الأرض، وكلاهما يرجعان إلى العدل الذي به سلامة السلطان وعمارة البلدان"ونحن نتحدث عن عمارة الأرض، وتلك تقتضي معرفة بالأرض وبسبل العمارة، والمخاطر التي تهدد كل ذلك، بمعنى تحتاج إلى الخبرة والتجربة والعلاقات وشيء من التراكم، وبالمناسبة هذا التفريق ليس علمانية، بل هو تحديد لفضائين أحدهما فصل الدين فيه، والآخر وجه فيه ووضع الضوابط وربط بالمقاصد.
3 - إن اهتمام الدين بالسياسة، وكون الدين يطول المجال السياسي، وأن في السياسة بعد عبادة كغيرها، لايعني أن الاسلام تعاطى مع السياسة كما تعاطى مع غيرها، بل إن معظم مسائل الإمامة - وهي جوهر السياسة - كما يؤكد أبو المعالي الجويني في الغياثي
"عرية عن مسالك القطع، عصية عن مدارك اليقين" فانتبهوا يرحمكم الله ولاتضيقوا واسعا، وهذا حديث لآخرين، ولاتدخلوا أمور الجنة والنار والوعد والوعيد بهما في شأن انتخابات يخوضها مسلمون ويقترع فيها مسلمون، ثم إن أبناء المشروع السياسي الإسلامي - إن كانوا معلمة للبعض - ليسوا على قلب مرشح واحد وخياراتهم متعددة بقدر اجتهاداتهم ومواقعهم.