تتجمع عشرات النسوة من ساعات الفجر الأولى حول البئر الوحيدة بقرية بيلكت ليتام 20كم من مدينة مقامه، يتزايد الحشد وتتزاحم الأجساد النحيلة من مختلف الأعمار، وتتصاعد الجلبة مع ارتفاع النهار واشتداد الحر في الهاجرة، وتناقص ما تجود به البئر من مياه سطحية عكرة هي قوام حياة المئات من سكان القرية.
"نحن هنا من ساعات الفجر الأولى تقول يمه بنت المختار وهي تشير إلى طابور براميل المياه، والأواني البلاستكية وحتى القرب الجلدية التي تنتظر دورها في السقاية، إنها معاناة يومية تتجدد كل صيف.إنها البئر الوحيدة الصالحة للشرب..
هزال الحمر و الخيول التي جلبها بعض الرواد لحمل البراميل والقرب يكشف عن تصحر ماحق وعن صيف قائظ أتى على الأخضر واليابس وحول السهول الخصبة إلى منبسطات قاحلة لا ترى فيها عوجا ولا أمتا.
تتوقف إحدى السيارات الرباعية وعاصفة من الغبار الطيني المنبعث من الإطارات يجلل الحشد، ينسل أحدهم ليستطلع الأمر والفضول في أعين الكثيرين، إنه طليعة إحدى قوافل راعاة البقر التي تجوب المنطقة يبحث عن ماء لسقي قطعانه التي أنهكها الحر والعطش.."ليبحث في مكان آخر ليس لدينا ما يبل الحلوق أحرى أن يروي عطاش البقر" يرد أحدهم وهو يشيح بيده في حنق.
عودة الرعاة الموريتانيين جراء التوتر الأمنى في المناطق الحدودية مع مالي زاد الطين بلة هذا العام، وفاقم من أزمة العطش في مناطق الضفة ذات الطابع الزراعي والرعوي يعلق مدير إعدادية القرية التي لم تكمل عامها الخامس..
معاناة تتجدد
ما زال السكان أوفياء لوسائل جلب المياه العتيقة والتي لم يجدوا ما ينسيهم إياها: فالرشاء والبكرة وسيلتا نزح الآبار شبه السطحية في هذه القرى الأوفر حظا فيما لا يجد قرويون غير تتبع وهاد الأودية ومدافع السيول لينقبوا عن المياه ويحتفروا حفرا سطحية يوصلون إليها الدلاء المشدودة إلى العصي، وهكذا تتحول مجاري السيول إلى نقاط لنزح المياه قبل أن تغور أكثر ويتحول السكان إلى غيرها..وما إن يحل الخريف حتى تغمرها مياه الأمطار وتصبح فخاخا خطرة لاصطياد الإنسان والحيوان كما يشرح أحد السكان.
في بيلكت ليتام التي تؤوي أزيد من 500أسرة، توجد بئر اسمنتية ماؤها جيد، إلى جانب بئر ارتوازية يشكو السكان من ملوحة مائها ومع ذلك قد لا يجدون غيرها لإطفاء غلتهم كما يقول عمر ولد سوله وهو يشير إلى عربة محملة ببراميل المياه يجرها حمار بادي الهزال.
تدعيات وآثار
تقتطع مهام جلب المياه جزء كبيرا من أوقات قرويي الضفة ، كان بالإمكان صرفها في مهام أكثر مردوية على حياتهم وهم الذين يعانون الفقر والتردي المعيشي كما يشرح لموقع الفكر محمد ولد الطالب المشرف على فرع معهد ورش بالقرية، كما أن مياه الآبار العكرة وراء تزايد الإسهالات بين الأطفال، والإصابة ببعض الأمراض الخطيرة كالدزانتاريا والبلهارسيا وحتى دودة غينيا، وتقف المياه المالحة وراء زيادة الإصابة بضغط الدم، وأمراض القلب والشريان، وحصوات الكلى والمثانة على حد قوله..
ويظل شح المياه وراء توقف عجلة التنمية في هذه القرى وبدائية أنماط العيش وتردي الظروف المعيشية للسكان وهشاشة الخدمات الأساسية كما يقول الوجيه ولد ماصه.
وعود وتعهدات
يتطلع السكان للاستفادة من مشاريع جلب المياه من النهر أو من بحيرة سد فم لكليته التي تقع على بعد بضع كلمترات ، وقبل ذلك مواصلة جهود الحفر والتنقيب عن المياه الجوفية الصالحة للشرب حتى تنعم القرية بمضخة ارتوازية تروي الغلة وتسقي الأفواه العطاش يعلق الوجيه محمد الطالب، لاسيما أن موقع القرية في سهول الضفة وتوفر موردا الطاقة الشمسية والرياح يجعل حلم السكان وحقهم في الحصول على شربة ماء حلما ليس بعيد المنال ووعدا قابلا للإنجاز متى ما صدقت العزائم وخلصت النيات ووجدت الإرادة الجادة.