هل من السعي لتحقيق غد أفضل منح النظام مأمورية ثانية؟- المفتش محمدن الرباني

لا يخفى ما لمنصب رئيس الجمهورية من أهمية في النظام الرئاسي الذي تنتهجه بلادنا، فالرئيس هو الآمر الناهي في تسيير موارد الدولة وتنفيذ القانون، ولقد كانت مأمورية الرئيس المنتهية ولايته مجحفة بالمواطن العادي والعامل البسيط، كما كانت امتداد لابرز ما ينقم علىالأنظمة السابقة، وهكذا اتسمت هذه المأمورية بما يلي:
1-استمرار التعيينات على أساس الولاء، أو الوساطة وتدخل النافذين.
2-إسناد حقائب وزارية بالغة الأهمية إلى أناس لا تجربة لهم ولا كفاءة، مما جعل بعضهم ألعوبة في أيدي فاسدة توجهه حيث شاءت، أو صير بعضهم اقرب إلى الممثل الذي تتنوع شخصيته بتنوع المشاهد في انتظار انتهاء الدور. والحقيقة أنه لو لم يكن للرئيس من المثالب السياسية إلا تعيين أمثال هؤلاء الوزراء لكان كافيا في التنفير منه، فإن الرئيس بوزرائه، والوزراء بمديريهم ومستشاريهم ومسؤوليهم، فهؤلاء هم الذين يترجمون البرامج، ويحلون أو يخلقون المشاكل، وهم الذين يتضرر أو يستفيد المواطن من تصرفاتهم.
لا يعني هذا ان جميع وزراء الرئيس من هذا النمط، بل إن منهم أكفاء فنيبن صالحين، لكنهم في غير الوزارات الخدمية ذات التأثير المباشر على حياة المواطن.
3-سد جميع أنواع المفاوضات الجماعية، وتجاهل النقابات والمركزيات النقابية، والعمل على إعادة تحكم الحكومة وتوجهاتها في ممارسة الحق النقابي لتدجين العمال ومنعهم من التعبير عن معاناتهم وخنق الاحتجاجات العمالية.
ولئن كان الرئيس يلقى السياسيين ويستمع إليهم فإن الحال بخلاف ذلك مع الأمناء العامين للمركزيات النقابية الذي يفترض أنهم أقوى على طرح المشاكل الاقتصادية والاجتماعية وأبصر بها، وقد لا تكون قدراتهم الاقتراحية دون السياسيين.
اما تهميش بعض النقابات الجادة من مجالس الادارات والانتدابات فحدث ولا حرج.
4-الارتفاع الصارخ للأسعار الذي جعل حياة المواطن العادي جحيما فأي مادة استهلاكية مهمة لم يزد سعرها في مأموريته على 50% مما كانت عليه قبل المأمورية رغم ما كانت عليه الحال من قتامة.
5-تردي الخدمات الصحية والتعليمية، ومحدودية الوصول إلى الأنترنت والكهرباء والماء الصالح للشرب في مناطق واسعة من البلاد، وتقطعها المزعج في كبريات المدن بما في ذلك العاصمة.  
6-ان زيادة الميزانية بأكثر من الضعف، لم يظهر له تأثير يذكر، لا على مستوى تحسن الظروف المعيشية للمواطن، ولا على مستوى البنى التحتية.
7-التعاطي مع الاحتجاجات العمالية بفكرة العناد والممانعة، فرغم ما يعرف عن الرئيس من حسن الخلق وإضفاء المسحة الأخلاقية على السياسة، إلا ان كان حكرا على كبار السياسيين، اما العمال فتحت رحمة معاونيه -ويستبعد ان يكون ذلك دون علمه ولا إرادته- يرفضون التعاطي الإيجابي مع الاحتجاجات النقابية، وهكذا تابعنا احتجاجات الحمالين، الذين أرغموا على المغادرة الطوعية وخرج مئات منهم بخفي حنين، كما تابعنا احتجاجات أصحاب الشهادات من مسيري دكاكين أمل دون جدوى، اما احتجاجات الأساتذة والمعلمين والمفتشين والقابلات وعمال الصحة، فهي موكولة إلى تصامم الوزراء وانشغالهم عنها بما تيسر لهم من شاغل او تسلية، وما اعتصام الأطباء المقيمين المستمر إلا شاهد من الشواهد على ذلك.
8-قتل الفعل السياسي والأمل في التغيير، لقد كانت الإشارات الخضراء التي أطلق الرئيس عبر قنوات ما، مؤثرة في بعض القادة التاريخيين للمعارضة، من ذوي الاكتهال أو الشيخوخة السياسية وكانوا على نوعين:
-فمنهم من آلمه تهميش الشعب له وتنكرهم لتاريخه النضالي فكان  بحاجة إلى من يضمد جرحه النفسي العميق، ووجد في المسحة الأخلاقية ملاذا للاسترخاء والخلود إلى النظام.
-ومنهم الناقم على تياره الذي يندب فيه مكانة ضائعة، أو يرى فيه اختلالا يتعاظم وله آثار مدمرة، أو هما معا.
وبتزحزح هذه القامات عن مقاماتها النضالية، حدثت ثورة شك في الإصلاح والمصلحين، ولم يكن المجتمع بحاجة إلى هذا الشك لأنه بطبيعته لا يلين في أيدي المصلحين،  لقد انهكت هذه التحولات الفعل السياسي، وأكدت قانونا طالما رفعه المتأقلمون مع الواقع هو أن معارضة الموريتاني إلى حين يعثر على صاحبه ليصعد به إلى السفينة ويترك الشعب للأمواج.
9- عرفت المأمورية أسوأ انتخابات تشريعية وبلدية منذ نحو عشرين سنة، ولم يكن انتقادها من طرف المعارضة أشد من انتقادها من طرف الموالاة، وما زالت اللجنة المشرفة على تلك الانتخابات هي ذات اللجنة المشرفة على هذه الانتخابات
واعتبارا لهذه الحقائق ولغيرها مما له ارتباط جوهري بمهام السلطة التنفيذية، وما لها من تأثير على حياة المواطن والديمقراطية والحريات العامة والعمل النقابي، يحق لنا ان نطرح السؤال التالي:
هل من السعي نحو غد افضل العمل على تكريس هذا الواقع المزري؟ وهل العاقل من يعيد التجربة ذاتها ويتوقع نتائج افضل؟