لهذه الأسباب أخفقت حملة الرئيس الغزواني في نواذيبو- موقع الفكر

مرة ثالثة يسقط خيار السلطة منذ 2019 في تسويق مرشحيها في العاصمة الاقتصادية نواذيبو، ومرة ثانية، يتقدم المرشح المعارض ذو الخطاب الحقوقي المتهم بالعنصرية بيرام ولد الداه ولد اعبيدي ليحل في الرتبة الأولى قبل الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني

في السياق ذاته كان عمدة البلدية القاسم ولد بلالي قد أسقط وبقوة خيار السلطة الذي استقر بعد ارتباك كبير على ترشيح الإداري أحمد ولد خطري عمدة لنواذيبو في بلديات 2023، وضمن هذه الصورة المتراكمة تظهر أسباب متعددة أبرزها:

-    التغير المستمر للتركيبة الديمغراغية في المدينة: الشاطئية، التي تستبدل كل فترة جيلا من سكانها بجيل آخر من جهات وفئات مختلفة من موريتانيا، وخلال السنوات الأخيرة تحولت المدينة إلى مدينة عمالية، يقيم بها عشرات الآلاف من العمال البسطاء، وخصوصا العاملين في قطاع الصيد وبعض مجالات التعدين، وغالبا ما يكون هؤلاء من شريحة واحدة، ومنذ سنوات فقدت المدينة جاذبيتها الاقتصادية والسياحية.

إلى جانب ذلك تعيش نواذيبو تراجعا شديدا للقبيلة، وتصاعدا في المقابل للقوى غير المصنفة قبليا مثل مجموعات الحراطين والزنوج،  إضافة إلى تنسيقيات جهوية مثل مكتب المنحدرين من الحوض الشرقي، ومكتب المنحدرين من اترارزة، وغيرها من المكاتب الولائية ضعيفة الأداء، كثيرة الزخم والمطالب في نظر السلطة.

-    ترسخ خطاب وتأثير المعارضة في المدينة: التي كانت تعتبر إحدى المعاقل القوية لحزب اتحاد القوى الديمقراطية، وفي إحدى المرات اضطر الرئيس الموريتاني الأسبق معاوية ولد الطايع إلى فرض أحد أبناء مقاطعة بوتلميت عمدة للبلدية التي نال فيها مرشح المعارضة أحمد ولد داداه بفضل التحالف المناصر له في العام 1992 نسبة تصويت فاقت ماحصل عليه مرشح السلطة.

كما سبق لحزب التحالف الشعبي التقدمي أن نال أحد مقاعد المقاطعة في البرلمان، حيث مثله النائب بداهي ولد السباعي لمأمورية كاملة من 2006- 2013، فيما استطاع تواصل الحفاظ على مقعد نيابي في المدينة، زيادة على تمكن العمدة القاسم ولد بلال من الحفاظ لمأموريتين على مكاسب انتخابية،في البلدية والنواب.

ويتأسس هذا المعطى على قوة يتمتع بها بعض السياسيين، وتغيير مستمر في البنية الديمغرافية للمدينة التي تضم عشرات الآلاف  من الناخبين، ولا تتمتع بخدمات نوعية في التعليم والصحة والماء والكهرباء، بل إنها ذات من العطش ماجعل رئيس الجمهورية يتأسف لحالها.

-    صراع قادة حزب الإنصاف في المدينة: حيث يحتدم هذا الصراع منذ أكثر من عقد، وبشكل خاص فقد انتقل الخلاف الشديد بين الفيدرالية السابقة مريم بنت دحود وخصومها إلى الفيدرالي الجديد الشيخ آبه ولد الحموي الذي يواجه مغاضبة واسعة من أحلاف أخرى تعتبر نفسها إما معبرة عن السكان الأصليين، أو تعبيرا عن أغلبية السكان الذي يمثلون سكان الأحياء الفقيرة.

وإلى جانب ذلك العجز السياسي تعاني نواذيبو عجزا اداريا مزمنا اعترف به رئيس الجمهورية وتأسف لأن العاصمة الاقتصادية عجزت عن ان تكون قطبا اقتصاديا.. وما زال الخدمات الأساسية من ماء وكهرباء دون الحد الكافي للسكان.
وبشكل خاص يظهر ضعف أداء الولاية  باعتبارها منسقة العمل الحكومي في الولاية مع ضغف شديد لأداء المنطقة الحرة التي يعتبرها الكثير من السكان والفاعلين أكبر كذبة وأسوء عائق في طريق التنمية، فهي من وجهة نظر البعض ما كان ينبغي لها أن توجد.

-ميناء نواذيبو الذي يديره الوزير السابق الطالب سيدي احمد المتهم من خصومه بترسيخ تمييز عنصري لصالح مقربين منه سياسيا واجتماعيا.

وفي مقابل ذلك يتمتع العمدة القاسم ولد بلال بقوة شعبية ذات بعدين، أولهما وجود كتلة داعمة وقوية من السكان الأصليين في الشمال، يمكن تسجيلهم ونقلهم بشكل دائم إلى نواذيبو من مختلف مدن الشمال، زيادة على قوة شعبية نوعية في صفوف سكان الأحياء القديمة في المدينة، حيث يمثل بالنسبة لهم القاسم عنوان مرحلة النماء التي شهدتها بلدية نواذيبو في أول مأمورية للرجل.

ووفق ما هو مؤكد فإن ولد بلال الذي لم ينس حرص حزب الإنصاف على هزيمته في انتخابات 2023، لم يكلف نفسه- على ماصرح لنا به أحد قادة الإنصاف- جهدا كبيرا في حملة ولد الشيخ الغزواني، واعتبر أن المسار الذي أدارها به الوزير الأول السابق يحيى ولد أحمد الوقف مسار يؤدي إلى الفشل.

ولاننسى هنا أن القاسم له ظروفه الصحية الخاصة التي تمنعه من كثير من المباشرة والميدانية.

وتفيد المصادر أن ولد بلال أبلغ مقربيه بأنه لن يكون جزء من الفشل الذي تسير في اتجاهه إدارة الحملة المذكورة، معتبرا أنه سيصوت للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، لكنه لن يبذل جهدا في حملة لم يستشر فيها ولم تضع له أي اعتبار وفق ما يقول مقربون منه.

ويظهر غياب ولد بلال عن الحملة في ضعف نسبة التصويت، وفي غيابه شبه الكامل عن الحملة

كما تفيد المصادر أن ولد بلال متذمر جدا من إصرار الرئيس الغزواني على الإبقاء على المنطقة الحرة، وهي الخصم الثابت لولد بلال، الذي يصر بشكل دائم على المطالبة بإلغائها.

-    إدارة حملة ضعيفة: أدار الوزير الاول الأسبق يحيى ولد حدمين رفقة والي نواذيبو ماحي ولد حامد، بشكل اعتبر بعض خصومهم  أنه تم دون تشاور كبير مع الفاعلين الأساسيين في نواذيبو، وبدلا من العمل المشترك، اختار قادة الحملة في نواذيبو، التلويح بمعاقبة الأطر الذين لا ينسجمون مع المطالب والأوامر التي تصدر إليهم من ولد الوقف ومن الوالي، وقد أدى تصرفات الطرفين وفق بعض خصومهم إلى إقالة بعض الموظفين ذوي المكانة المؤثرة في المجتمع والأداء الجيد الذي يمثل رافعة للنظام في نواذيبو,

وتقول المصادر إن تقارير رفعتها الجهات الأمنية بدقة إلى الرئيس الموريتاني تؤكد له ضعف حملته، وفشل إدارتها المركزية، وتتوقع نتيجة مقاربة لما حصل عليه الرجل للمرة الثانية في مواجهة خصمه ولد اعبيدي، وتحملهم الجهات السياسية في المقاطعة المسؤولية عما ستؤول إليه الأمور.

-    خذلان رجال الأعمال:  لم يخف رجال الأعمال، وخصوصا العاملون في قطاع الصيد تذمرهم الشديد من الأسلوب الذي عاملتهم به الوزارة خلال السنوات المنصرمة، وهو نفس التذمر الذي انتقل إلى أغلبية العمال في الموانئ.

التذمر المتصاعد في صفوف العمال: الذين تقوم على أكتافهم حركية اقتصادية هائلة جدا، ويعيشون ظروف فقر شديدة، وخصوصا في قطاعي الصيد والتعدين، زيادة على الارتباك المتواصل في علاقة وزارة الصيد بالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة والبحارة.

وبمختلف هذه الأسباب،  جاءت النتيجة مخيبة للجهد السياسي المتناقض والضعيف الذي بذلته إدارة الحملة، كما أكدت أن العائد السياسي من الاستثمارات والمشاريع الضخمة التي نفذتها الدولة في الولاية والتي ناهزت قرابة 15 مليارجديدة، ما زال بعيدا من المتناول.

ودون شك فإن الخمسية القادمة تتطلب مقاربة جديدة للتعاطي مع هذه المدنية الشاطئية ذات المناخ البارد، والطبيعية السياسية الساخنة