سأقترح خطوات عملية لبلوغ ما أسميته بالبناء الحتمي. ولكن قبل ذلك أقول أن لهذا البناء أساسا لا بد منه، وهو البقاء والإتحاد. فالبقاء شرط لإمكانية الإتحاد، والإتحاد أساسي لحدوث البناء، ولا بناء حقيقيا بدون توفر الإثنين. ومن هنا فإنه علي كل سياسي موريتاني أن يتجنب في خطابه التعبوي ما قد يؤدي إلي الإختلاف الحاد المهدد للبقاء. وعلي كل طامح لتبوء مكانة في هذا المجتمع أن يحرص علي ما يوحده ويجعل جهد أهله يسير في بوتقة واحدة تخدم بناءه وتطوير مكتسباته نحو الأفضل. ونحن اليوم، والحمد لله نملك الوجود، وقدرا لا بأس به من الوحدة والتماسك، ونؤمِل البقاء، وتعزيز الوحدة، ونطمح إلي البناء. لكن هذا المطمح الأخير هو الذي ينبغي أن يكون مرتكز الإهتمام الآن، إذ أن البناء الذي نطلب ليس كأي بناء، فهو يشكل طوق النجاة، و الضمانة الوحيدة لصيانة وبقاء ما سواه، وهو بذلك حتمي، وبدون حصول حد أدني منه فلا نأمن علي أي شيئ منما اكتسبنا. ومن هنا فعلينا جميعا، وخاصة من يملكون منا وسائل التأثير بإحدي القوتين: الناعمة، كالمال والجاه، أو الخشنة، كالسلطة والسلاح أن نبذل الجهد المضاعف لفعل شيئ ما لإحداث هذا البناء، وعلي نحو سريع أيضا يُطمئن الخائفين من أبناء هذا البلد علي مستقبله، ويزيل أسباب ريبة المرتابين منهم. ولحسن الحظ فإن هناك مستوا من البناء و التحسين في حياة المواطن اليومية يمكن الوصول إليه دون الحاجة إلي إنفاق مال كثير، أو استخدام تقنيات عالية غير متاحة. بل يكفي فقط قليل من حسن التدبير، وأن تتوفر إرادة جادة نسبيا لذلك. وكي نوضح الفكرة، نقول أن تجويد الخدمات مثلا في مجالات حيوية كالأمن، والصحة، والتعليم، والطرق، والصيد، والإعلام، والثقافة… وغيرها يمكن أن يتم علي نحو أيسر بكثير منما يتصور البعض. ونعطي أمثلة علي ذلك: فمجرد توفير سيارة أمن، علي سبيل المثال لكل مربع سكني تقوم بدوريات ليلية فيه سيكون له أثر علي شعور المواطن بالأمن… وبناء مستوصف نموذجي، أو اثنين لكل مقاطعة، ومستشفا مركزيا متعدد التخصصات لكل ثلاث ولايات تتوفر كلها علي خدمات صحية جيدة، وسهلة، ومتاحة لكل المواطنين بلا حاجة لوساطة أو رشوة، سيتداوله الناس ويبعث لديهم الإحساس ببعض الأمان الصحي… وبناء مركب تعليمي نموذجي، أو اثنين من الإبتدائي إلي الثانوي لكل مقاطعة، يكونان نظيفين ومرتبين شكلا ومضمونا، سيشيع روح الجدية لدي فئة معتبرة من المعنيين بقطاع التعليم والتربية… وإصلاح التقشرات والثقوب في الطرق وإزاحة الرمال عنها، والمواظبة علي صيانة ماهو موجود منها، وإزالة أكوام القمامات عن جنباتها، ومن بعض الأماكن العمومية، سيريح مستخدمي الطرق يوميا، والمارة، ويُطيِب مشاعرهم النفسية… وهلم جرا في بقية القطاعات المذكورة آنفا.
بل إن هناك ما هو أيسر منماذكرنا بكثير، كتنظيف مكاتب المرافق العمومية والإدارات مثلا، وكتابة أسماء الوظائف علي أبواب مكاتب أصحابها، وفرض بشاشة الوجه علي مستقبلي المواطنين من الموظفين العموميين، وإنشاء نظام تتبع ألكتروني لمراحل الملفات…إلخ إجراءات كلها بسيطة، وبلا تكلفة كبيرة، لكنها ذات أثر مهم علي جودة حياة المواطن اليومية، والقيام بها يبعث الأمل في نفوس الشعب، ويُشَجِع علي ما سواها، ومقدمة لما هو أرقي منها. فلا مبرر للتقاعس عن هذا القدر من البناء الذي لا غني عنه، وهو حتمي لصيانة الأساس الذي بحوزتنا، ولكي نستطيع التطلع إلي ما هو أفضل، بإذن الله في مستقبلنا.
حفظ الله بقاء موريتانيا ووحدة شعبها، ووفق وأعان ولاة الأمر فيها، وخاصة الرئيس في هذه المأمورية الجديدة، لما يُصلح به حالها ويُسعد مواطنيها وكل من علي أرضها.