رسالتي إليك أيها المواطن الكريم رغم تفهمي لما أنت فيه من عوز وفاقة هي أنه ليس في الدنيا شيء يستحق التضحية من أجله بالشرف والمروءة فالعمر قصير والرزق مكتوب والأرض واسعة شاسعة وفي مناكبها غنية عن مسح نعال المتنفذين وقرع طبول المذلة والهوان بين أيديهم، وبالنسبة لي فلا يوجد في الحياة طعام أشهى مذاقا عندي ولا أكثر سعادة بتناوله من حليب طازج أحلبه من ضرع معزاة أهلية أو خبز ساخن أشتريه من إحدى مخابز المدينة الهادئة المعطاء مقطع لحجار بعيد أدائي صلاة الفجر بمسجد قباء أو الجامع العتيق ثم أتقاسمه مع والدتي وأفراد العائلة على إدام شاي صباحي ثم أودع صغاري إلى المدرسة بما يتيسر بجيبي من قطع نقدية، لا لبساطة الحال والإقامة بين الأهل بالوطن وحسب، بل لسلامة ذلك الوضع من مناقضة الضمير والسباحة ضد الشرف والكرامة ولكونه غير معكر بتصفيق أو تملق ولم يشب نكهته درهم واحد أدرته مجاملة سلطان أو محاباة ذي سوط ومنحة، إنني كلما ضعفت معنوياتي هنا جراء الغربة وبعد المزار تذكرت ما يعيشه بعض بني جلدتنا من تزلف عن غير اقتناع وزئبقية موارة تؤله كل من يحكم وتتنكر لكل من ولته الحظوظ قفاها فيكيلون له شر التهم وينثرون لخلفه الورود حتى إذا ذبل غصنه وأفل نجمه قالوا لا نحب الآفلين! فتقر عيني ويبرد صدري لما كنت فيه من ظروف صعبة في فارط الأيام ويطيب خاطري لما صرت إليه من هجرة واغتراب وأذكر أن كل فقر تعف يد صاحبه عن فتات موائد التملق والنفاق فليس بفقر ولا عوز، بل هو قمة الثراء القيمي والروحي، وأن كل رحلة يسير المرء فيها مع شرفه وقناعته ويستصحب فيها أشتات عزه وماء وجهه فليست بغربة ولا بجلاء.
إذا عرضت لي في زماني حاجة، وقد أشكلت فيها علي المقاصد
وقفت بباب الله وقفة ضارع، وقلت إلهي إنني لك قاصد
ولست تراني واقفا عند باب من، يقول فتاه سيدي اليوم راقد.
اللهم املأ قلوبنا بالتوكل عليك وأيدينا بالضراعة إليك ونفوسنا بالرضى بقسمك يا رب العالمين.