احتمال فوز اترامب وتأثيره على المنطقة والعالم!!- المرابط ولد محمد الخديم

نظرًا للأحداث السياسية الحالية في الولايات المتحدة، سأحاول إعادة نشر مقالات كنت قد نشرتها منذ 7 سنين خلت حول الرئيس الأمريكي ترامب تحت عناوين: "العالم على كف عفريت" و"أسرار ترامب العقائدية" و"هل يقود ترامب العالم إلى الهلاك؟"، ما زالت تثير الكثير من التساؤلات والنقاشات...!!

   إعادة نشر هذه المقالات يمكن أن يقدم رؤى قيّمة للجمهور حول تداعيات الوضع السياسي الراهن وتأثيره على المنطقة والعالم. قبل الدخول في التفاصيل يجدر بنا الإلمام بخلفية وأسرار ترامب العقدية. من هذا الرابط: [أسرار ترامب العقدية](https://maurinews.info/opinions/15518/)

   حاولت في هذا المقال أن أشخص الواقع الخطير الذي نعيشه محذرًا بالأدلة القاطعة على ألسنة الدلائل وألسنة الخلائق ما تتعرض له هذه الأمة المغلوبة على أمرها من هجمات لن تكون القدس آخرها. 

     وكون الرجل أعد كثيرًا لمعركة "هرمجيدون" هو وفريقه بعد أن فشل في ذلك سلفه.

    ولا يمكننا فهم القضية حسب رأيي إلا إذا رجعنا إلى التاريخ بصفته سلسلة من الأحداث تفسر بعضها بعضًا. بعد أحداث 11 سبتمبر، قاد المحافظون الجدد حربًا على الإسلام وأخفقوا في أفغانستان في ما يعرف بالضربات الاستباقية في تورا بورا وإرهاب فضائح التعذيب في غوانتنامو.

   الإخفاق الثاني كان ما يسمى بالشرق الأوسط الجديد الذي كشف زيف فلسفة المحافظين الجدد الذين بشروا العالم بالديمقراطية والعالم الحر. لم يشاهد هذا العالم إلا الدمار والخراب طيلة حكمهم وحتى بعد رحيلهم. وما يزال العالم يعيش تداعياته، كما شاهدنا في العراق وأفغانستان وفلسطين والصومال وسوريا وليبيا.

   في إطار مشروع الشرق الأوسط الكبير، يسوق لنا تحت شعار التحديث والإصلاح الديمقراطي والاجتماعي والتربوي واللغوي، لننخرط فيه طوعًا متنازلين عن كل قيمنا وتراثنا وهويتنا وانتمائنا، ونستبدلها بقيم الكاوبوي والكوكاكولا والشذوذ، أو كرهًا طبقًا لنظريات هنتغون وفوكوياما في صدام الحضارات ونهاية التاريخ، تحت وطأة الضربات الاستباقية بالمطرقة الثقيلة، كما في تورابورا والفلوجة، وإرهاب فضائح التعذيب في غوانتنامو وأبو غريب.

    ريغان كان أول رئيس ينتمي لهذه الحركة عندما استلم مفاتيح النووي تساءل إن كان من الجيل الذي سيشهد المعركة الفاصلة المسماة بـ "هرمجدون". 

   ومن بعده بوش الابن عندما استخدم كلمات مثل الحرب المقدسة أو الحملة الصليبية لوصفه ردة الفعل على هجمات 11 سبتمبر 2001م.

     أهم بحث اطلعت عليه في هذا المجال هو بحث للدكتور محمد السماك أمين عام لجنة الحوار الإسلامي المسيحي. 

    في اليوم السادس من شهر ديسمبر من عام 1917 احتلت القوات البريطانية بقيادة الجنرال إدموند اللنبي مدينة القدس من القوات العثمانية. يومها ردد اللنبي عبارته المشهورة «الآن انتهت الحروب الصليبية». 

   بعد مرور مائة عام تمامًا، في السادس من شهر ديسمبر 2017، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل لم يكن التوقيت صدفة ليقول: بدأت الحروب الصليبية.

   في هذا المقال سنركز على السؤال الثاني لأن السؤال الأول تقدم الجواب عليه وأصبحنا نعيش أحداثه واقعًا كان آخرها نقل السفارة الأمريكية إلى القدس والإعلان من طرف واحد القدس عاصمة لإسرائيل. أما عن السؤال الثاني وهو علاقة القرار بالتنبؤات التوراتية وعلاقة هذا كله بالمسيحية الصهيونية؟

   السماك يقول أن هذه الأسباب منسوبة إلى العهد القديم من كتب التوراة وتدّعي أن الله منح هذه الأرض (فلسطين) لليهود. 

من ذلك أن دافيد بن غوريون رئيس أول حكومة إسرائيلية كان يردد دائمًا: «لا إسرائيل من دون القدس. ولا قدس من دون الهيكل (هيكل سليمان)». هذا يعني أنه بعد ضم القدس المحتلة إلى بقية الأرض الفلسطينية المحتلة التي تقوم عليها إسرائيل، فإن الخطوة التالية هي تهديم المسجد الأقصى لإقامة الهيكل. وهو هدف لا ينكره الإسرائيليون.

   توجد في الولايات المتحدة حركة صهيونية- مسيحية تؤمن بالعودة الثانية للمسيح. وبأن لهذه العودة شروطًا أهمها بناء الهيكل اليهودي الذي سوف يعلن المسيح عودته منه، كما فعل في المرة الأولى. 

   وكذلك تؤمن هذه الحركة بوجوب تهديم المسجد الأقصى لبناء الهيكل على أنقاضه وهي حركة تضم أكثر من سبعين مليون أميركي وتتمتع بنفوذ سياسي كبير. 

   وكان من أقطابها الرئيسان السابقان رونالد ريغان وجورج بوش الابن. 

     وتقع هذه الحركة في أساس القوى الناخبة للرئيس ترامب والمؤيدة له.

    تلتقي الصهيونية اليهودية والصهيونية المسيحية على الإيمان بنبوءات وردت في سفر حزقيال، تقول إنه يسبق عودة المسيح (وبالنسبة لليهود يسبق الظهور الأول للمسيح) صراع دام مع الكفرة، أي المسلمين والمسيحيين الذين لا يؤمنون بهذه النظريات كالكنيسة الكاثوليكية والكنيسة الأرثوذكسية والعديد من الكنائس الإنجيلية أيضًا. 

    وهذا الصراع يصل في ذروته إلى ما يسمى «هرمجدون»، وذلك نسبة إلى سهل «مجيدو» الذي يقع بين القدس وعسقلان حيث تدور رحى المعارك. 

   وبنتيجة هذا الصراع سوف يفنى الكفرة جميعًا، ثم يهبط المسيح إلى الأرض ليحكم العالم ألف سنة يسمونها «الألفية»، ويزيح كل الحواجز التي وضعتها الأمم بينها، وستضم مملكة الله، وستكون مملكة الله قائمة على السلام والتقوى، وبعدها تقوم القيامة.

الفيديو: 

https://www.youtube.com/watch?v=mkkdMsphO8k

    وكأن الله يطلب من عباده ذبح الآخرين لكسب رضائه، فالاستيلاء على القدس وهدم الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وإقامـة مكانـه الهيكل المزعوم، هو قمة العبادة ورجاء الخلاص عندهم..

  والذي يستقرأ الساحة اليوم يلاحظ أن الرجل يسير في هذا الاتجاه..

  في كتابه «نار وغضب» يستوحي الصحفي المخضرم مايكل وولف عنوان الكتاب من العهد القديم خصوصًا (الإصحاح: 66 من سفر أشعيا)، في إشارة منه إلى خلفية ترامب الأصولية المسيحية المتصهينة. وترامب يعتقد أن عمله هذا تتم لتنبؤات الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد وتشكل المقدمة لمجيء المسيح الثاني إلى الأرض كملكٍ منتصر.

   نجح الرجل هو وفريقه بعدما توفرت لهم العوامل لضرب العرب والمسلمين في تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ بين الأخوة الأشقاء في دول الخليج. 

  لقد نظر وشارك في حرب على اليمن أكلت الأخضر واليابس وأصبحت دول الخليج المسالمة في سباق تسلح مسعور!! يذهب ريعه إلى الخزينة الأمريكية.

    إذا كانت أمريكا لم تفصح للعالم عن هدفها من وراء هذه الحروب، فإن الثوب الذي ألبسته لتلك الحروب باسم الحرية والديمقراطية بات معروفًا لغير العميان. لكن المعطيات الجديدة على أرض الواقع التي لا يعيها ترامب هي أن إدارة بايدن وتدخلها العسكري المباشر وغير المباشر في أوكرانيا ومجازر غزة واليمن والصين وروسيا وإيران أضعفت إلى حد بعيد النفوذ الأمريكي.

الخلاصة:

    في هذا المقال، حاولت تسليط الضوء على الواقع الخطير الذي نعيشه، محذراً من الهجمات التي تتعرض لها الأمة الإسلامية، خاصة فيما يتعلق بالقدس. تناولت خلفية وأسرار ترامب العقدية، مشيراً إلى تحضيره لمعركة "هرمجيدون" مع فريقه بعد فشل سلفه.

    تطرقت إلى دور المحافظين الجدد في حربهم على الإسلام بعد أحداث 11 سبتمبر، وإخفاقاتهم في أفغانستان والعراق وغيرها. وأشرت إلى مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي يسوق تحت شعارات التحديث والإصلاح، ولكنه يحمل في طياته دماراً وخراباً للمنطقة.

    ركزت على الدور الكبير لحركة الصهيونية المسيحانية في الولايات المتحدة، والتي تؤمن بعودة المسيح وبناء الهيكل اليهودي في القدس. هذه الحركة تتمتع بنفوذ سياسي كبير وكانت وراء قرارات ترامب المتعلقة بالقدس.

  في الختام، تساءلت عما إذا كان العالم سيفيق ويمنع ترامب من تنفيذ معتقداته الخاطئة، خاصة في ظل التدخلات العسكرية الأمريكية الجديدة التي أضعفت نفوذها العالمي.

 

..........................................

 

الهوامش:

  _مقتطفات من محاضرة للدكتور محمد السماك، أمين عام لجنة الحوار الإسلامي المسيحي، 

_كتاب «غضب ونار» لمايكل وولف، ترجمة الجزيرة نت.