ما الجديد في خطاب التنصيب؟- محمد الأمين الفاضل

من استمع ـ وبتأمل ـ إلى خطاب فخامة الرئيس في حفل التنصيب، سيخرج بخلاصة سريعة مفادها أن الملفات التي تحدث عنها الرئيس في خطاب التنصيب هي نفسها الملفات التي كان قد تحدث عنها في رسالة إعلان الترشح التي وجهها إلى الشعب الموريتاني ذات أربعاء صادف يوم 24 إبريل 2024، وهي نفسها الملفات التي تكرر ذكرها في خطاب افتتاح الحملة، وفي بقية الخطابات في مختلف ولايات الوطن، وهي كذلك نفس الملفات التي بُوِّب لها و فُصِّل فيها في برنامج "طموحي للوطن". 

من الواضح أن هناك مشروع إصلاح، يرتكز على ملفات شكلت ثوابت وقواسم مشتركة في رسالة إعلان الترشح، وخطابات الحملة، وبرنامج طموحي للوطن، وخطاب التنصيب، ومن تلك الملفات أنه لا مجاملة في الأمن، ولا خذلان للفئات الهشة، ولا مساومة في الوحدة الوطنية، ولا تراجع عن مشروع المدرسة الجمهورية، ولا إخلال بالتهدئة السياسية، وأن يد الرئيس ستبقى ممدودة دائما للحوار.

ويبقى على رأس قائمة تلك الملفات أن الرئيس عاقد العزم في مأموريته الثانية على محاربة الفساد، والتمكين للشباب، وإصلاح الإدارة وتقريب خدماتها من المواطن.     

ويبقى ملف الفساد من بين كل تلك الملفات هو الملف الأكثر إثارة للنقاش والجدل في الفضاءات العامة والخاصة، فهناك من يقول إن محاربة الفساد التي وعد بها الرئيس في مختلف محطات حملته الانتخابية ما هي إلا مجرد شعار انتخابي أطلقه الرئيس في حملته الانتخابية لجلب الأصوات. دعونا نفترض جدلا أن محاربة الفساد ما هي إلا مجرد شعار انتخابي لجلب الأصوات، دعونا نفترض ذلك، ولكن ألا يحق لنا أن نطرح  السؤال : لماذا تحدث الرئيس عن محاربة الفساد في خطاب التنصيب، وهو لم يعد بحاجة إلى أصوات الناخبين؟ ولماذا زاد من قوة الحديث عنها في خطاب التنصيب؟

إن الجديد في خطاب التنصيب هو أن الحديث عن الفساد كان أوضح وأقوى وأشمل في خطاب التنصيب، واللافت أن قوة هذا الحديث ظلت في تصاعد ملحوظ من رسالة إعلان الترشح إلى خطاب التنصيب، مرورا بخطابات الحملة والبرنامج الانتخابي، ولذلك دلالته التي لابد أن يتوقف عندها كل مهتم بالشأن العام، لا يقبل بأن يكتفي بالقراءة السطحية لما يدور حوله من أحداث. 

من الواضح أن هناك إرادة سياسية لمحاربة الفساد بقوة في المأمورية الثانية، ولكن ليس من الواضح حتى الآن أن هناك إرادة شعبية واعية لمواكبة تلك الحرب من خلال عمليتي الدفع والدعم، أي الدفع الشعبي إلى تلك الحرب والدعم لها كلما بدأت معركة هنا أو هناك.

من المعلوم بداهة أن من يُمارس الفساد في الغالب يوجد في صفوف الأغلبية الداعمة للرئيس، فالمعارضة لا تتولى تسيير شؤون البلد، وبالتالي فهي لا تُمارس الفساد، وحصر الفساد في الأغلبية الداعمة يجعلنا نتوقع أن الكثير من داعمي الرئيس لن يتحمس لمحاربة الفساد، وسيعمل على إرباكها، وذلك لخوفه من أن يُصاب برصاصة طائشة أو غير طائشة إن استمرت هذه الحرب. لا يختلف الأمر كثيرا عند المعارضة، فالمعارضة حتى وإن كانت لا تُمارس الفساد، إلا أنها ستشترك مع الكثير من الداعمين في عدم التحمس لمحاربة الفساد، ومحاولة إرباك تلك الحرب، وذلك لكونها تقتات إعلاميا وسياسيا على شعار الفساد، فكلما كان النظام الحاكم فاسدا ازدادت شعبية المعارضة ومصداقية طرحها لدى المواطن، والعكس صحيح، فإذا ما حارب النظام الفساد فإن شعبية المعارضة ستتراجع، ومصداقيتها لدى المواطن ستتآكل، ولذا فسيكون من الطبيعي جدا، أن تشكك المعارضة في أي حرب على الفساد حتى وإن كانت جادة، وذلك دفاعا عن مصالحها الضيقة على حساب المصلحة العليا للبلد، ولذا فمن المتوقع جدا أن تعتبر المعارضة أي ملف يفتح في محاربة الفساد، بأنه ملف يدخل في تصفية الحسابات ولا علاقة له بمحاربة الفساد. هذا عن الأغلبية والمعارضة، ولكن ماذا عن المجتمع التقليدي؟
لا يختلف الأمر كثيرا هنا، فكل قبيلة ستدافع عن ابنها المفسد، وستتضامن معه، إذا ما فُتح ضده ملف فساد، وسيكون من المتوقع أن تطرح السؤال : لماذا ابننا بالذات هو من يُحاسب على فساده، ولماذا يُحاسب هو بالذات ويترك غيره من المفسدين من أبناء القبائل الأخرى؟ 
هذه هي ردود الأفعال المتوقعة عندما يُفتح أي ملف فساد ضد أي مفسد، ومن هنا تبرز أهمية تشكيل ذراع شعبي قادر على أن يدفع إلى محاربة الفساد، وقادر كذلك أن يُوفر ما يلزم من دعم إعلامي وسياسي للحرب على الفساد.

ولقد ألمح الرئيس في خطاب التنصيب على أهمية تشكيل ذراع شعبي من هذا القبيل، وذلك عندما قال : " الحرب على الفساد والرشوة وسوء التسيير حرب الجميع : حرب المنظومات الإدارية والقضائية، حرب أجهزة الرقابة والتفتيش، حرب النخبة من مثقفين وقادة رأي ومجتمع مدني وصحافة ومؤثرين اجتماعيين، ولا سبيل للنصر في هذه الحرب بنحو حاسم، إلا بتضافر جهود الجميع."

نعم لا سبيل للنصر في هذه الحرب إلا بتضافر جهود الجميع، وهذا هو ما جعلنا في "منتدى 24 ـ 29 لدعم ومتابعة تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية"، نوجه منذ أيام قليلة نداءً إلى النخب يدعو إلى تشكيل تحالف وطني واسع لمحاربة الفساد، يضم كل التشكيلات السياسية وهيئات المجتمع المدني والتنظيمات الشبابية والشخصيات المؤثرة المهتمة بمحاربة الفساد.

المقلق في الأمر هو أن النخب الصالحة في مجتمعنا معروفة بالخمول وغياب روح المبادرة، وضعف القدرة على خلق مساحات مشتركة والعمل فيها، ومعروفة كذلك بتضييع الفرص، وبعد أن تضيع الفرص تبدأ في بكائيات بلا أول ولا آخر. 
حفظ الله موريتانيا