إن أكثرية الوظائف الإدارية العليا تشغل اليوم من طرف أصحاب العشرية وما قبلها في عملية تدوير وتحنيط مستمر لبعض الأطر وتهميش وتعطيل لخدمات الباقين منهم. وبذلك حرمت الإدارة من ضخ دماء جديدة فيها وجعلتها تَسير وتُسيّر بروتين قاتل من الارتجالية و اللامبالاة والزبونية وعدم الشفافية وغياب العمل بالمؤسسية واحترام القوانين والاجراءات الإدارية .
لقد أدى كل هذا إلى خلق مسار من سوء التسيير لامثيل له أفشل جل الخدمات و أغلبية المشاريع وعطل حركة النمو منذ نشأة الدولة إلى اليوم.
كان أملنا وما زال اعتقادنا جازما بأن تكون هذه المأمورية الثانية مفصلية حيث يعمل فيها على التخلص من هذا المسار السيئ ويؤسس لتوجه جديد يطبعه الإصلاح ومحاربة كل مسلكيات الفساد وتجلياته ، طبقا لمتطلبات المرحلة الحالية وتلبية لمناشدة القوى الحية والرأي العام ومطالباتهم الملحة بالأصلاح.
إن تجاوب فخامة الرئيس في تعهداته الواضحة المعلن عنها في خطاب تنصيبه وماقبله من خطابات، كانت هي الأخرى مشجعة وتدفع في نفس الاتجاه .
بعد استقالة الحكومة ارتفع سقف طموحات الرأي العام الوطني في حدود المطالبة بحكومة جديدة خالية تماما من التدوير والشبهات. ولقد فوجئ الرأي العام حقا بتعيين وزير مالية عشرية الفساد وزير أول للمرحلة الجديدة. ما دلالة هذا التعيين وانعكاسه على المسار الإصلاحي المرتقب مدا أو انحسارا ؟
في حقيقة الأمر كلنا نعرف أن المسار الإصلاحي برمته بيدي فخامة الرئيس الذي جمع له الدستور كل الصلاحيات وجعل من الوزير الأول منسقا للعمل الحكومي لا أقل ولا أكثر وجعله مسؤولا أمامه. إن كل الرهان والأمل والمسؤولية معقودة على رئيس الجمهورية ونحترم له خياراته وإن كانت ربما ستربكنا بما ستحمل من الشبهات والتردد .
سيبقى مع ذلك أملنا ثابتا في عزيمة فخامة الرئيس الإصلاحية ووعيه بخطورة المرحلة الحالية واحتمال تطورها إلى الأسوأ. كما على النخبة أن تعمل بكل جدية على تأسيس كتلة إصلاحية قوية ويقظة دافعة الى الإصلاح ومساندة له ومنتظمة حول المطالبة به.
إن كفاءة ونزاهة المسؤولين وولاءهم التام للوطن والجرأة في تذليل الصعاب والقدرة على الانفتاح والحوار كلها معايير ضرورية يجب اعتمادها في انتقاء المسؤولين مستقبلا.
أملنا في أن يتم تشكيل حكومة كفاءات خالية من تدوير من يشتبه في فسادهم و بعيدة من المحاصصة و الزبونية و التأثيرات القبلية و الجهوية و الشرائحية و العرقية و المكافآت السياسية.
والله ولي التوفيق
نواكشوط 2- 8 - 2024