غلبة عاطفة الحزن:
ولا أكتم القارئ أني رجل تغلب عليه عاطفة الحزن، أكثر مما تغلب عليه عاطفة الفرح والسرور؛ ولذا تؤثّر في نفسي الحوادث المؤلمة، والمواقف المحزنة، تأثيرًا بليغًا، وتحفر في قلبي حفرة عميقة، بخلاف الحوادث السارة.
طبيعة الشعب المصري:
ويبدو أن هذه طبيعة جمهور الشعب المصري، فهو - رغم ضحكه ومزاحه - نراه شعبًا يبكي طويلًا على موتاه، ويعصره الحزن عصرًا عند وقوع الآلام، وإذا جلس جماعة يومًا وضحكوا كثيرًا لسبب من الأسباب، قالوا: اللهم اجعله خيرًا. كأنما يتوقعون أن الضحك ليس أصلًا في حياتهم، فإذا حدث فهم يخشون أن يعقبه بكاء طويل.
وعندما ذهبنا إلى الخليج، وجدنا الناس هناك يستقبلون الموت بعفوية وسهولة، ولا يبالغون في الحزن كما يبالغ المصريون، ولقد رأيت أحد المصريين يبكي بكاءً حارًا على موت أحد القطريين، وهو والد صديق له، وابن المتوفّى لم يندّ من عينه دمعة، وكأنه يعجب لهذا البكاء من هذا الصديق المصري.
بل أنا في الحقيقة رجل قريب الدموع، أبكي لأيّ موقف إنساني يهزني، حتى لو كان في تمثيلية أو في فيلم في التلفزيون، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من أربع: من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن عين لا تدمع، ومن نفس لا تشبع(1).
وأسأل الله أن يجعل عيني من الأعين الثلاثة التي لا تمسها النار: عين بكت من خشية الله، وعين غضّت عن محارم الله، وعين سهرت في طاعة الله.














