نسائم الإشراق الحلقة رقم (1643) 14 يوليو 2021م،03 ذو الحجة 1442هـ، مذكرات الشيخ د.يوسف القرضاوي الحلقة رقم (674)

ومن باب أوْلى: الزكاة، فالأصل فيها أنها تنظيم اجتماعيّ تشرف عليه الدولة، بواسطة {وَٱلۡعَٰمِلِينَ عَلَيۡهَا} الذين نصّ عليهم القرآن [التوبة: 60]. وكذلك كل شعائر الإسلام وأركانه.

أما الأخلاق والمعاملات فلا يتصور أن تقوم - كما ينشدها الإسلام - إلا في ظلال مجتمع ملتزم بالإسلام، يتعبد لله بإقامة حياته على أساس الإسلام.

وقد علّم الإسلام المسلم أن يقول إذا ناجى ربه في صلاته: {إِيَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِيَّاكَ نَسۡتَعِينُ} [الفاتحة: 5]. فهو يتكلم بلسان الجماعة، وإن كان وحده، وكذلك إذا دعا ربه دعا بصيغة الجمع: {ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ} [الفاتحة: 6] ... فالجماعة حيّة في وجدانه، حاضرة على لسانه.

والمجتمع المسلم مجتمع متميّز عن سائر المجتمعات بمكوناته وخصائصه، فهو مجتمع رباني، إنساني، أخلاقي، متوازن.

أهمية إقامة المجتمع المسلم:

والمسلمون مطالبون بإقامة هذا المجتمع، حتى يمكِّنوا فيه لدينهم، ويجسّدوا فيه شخصيتهم، ويحيوا في ظلّه حياة إسلامية متكاملة: حياة توجّهها العقيدة الإسلامية، وتزكّيها العبادات الإسلامية، وتقودها المفاهيم الإسلامية، وتحرّكُها المشاعر الإسلامية، وتضبطها ا لأخلاق الإسلامية، وتجمّلها الأداب الإسلامية، وتهيمن عليها القيم الإسلامية، وتحكمها التشريعات الإسلامية، وتُوجّه اقتصادها وفنونها وسياستها: التعاليم الإسلامية.

تصوير خاطئ للمجتمع المسلم:

فليس المجتمع المسلم، كما يتصوره أو يصوّر كثيرون - هو فقط - الذي يطبق الشريعة الإسلامية في جانبها القانوني، وخصوصًا جانب الحدود والعقوبات، فهذا تصور وتصوير قاصر، بل ظالم لهذا المجتمع، واختصار لكلّ مقوماته المتعددة في مقوم واحد هو التشريع، وفي جانب واحد من التشريع هو التشريع الجزائي، أو الجنائي.

لهذا كان من المهم هنا: إلقاء الضوء على المكوّنات أو الملامح الأساسية لهذا المجتمع الذي ننشده، والذي قامت حركات وجماعات إسلامية في شتى أنحاء العالم العربي والإسلامي تدعو إليه، ليحل محل المجتمعات الحاضرة، التي اختلط فيها الإسلام بالجاهلية، سواء أكانت جاهلية وافدة، مما غزانا به الاستعمار الغربي بشقيه: الرأسمالي والاشتراكي، أم جاهلية موروثة، من رواسب عصور التخلف، التي ساء فيها فهم المسلمين لدينهم، كما ساء تطبيقهم له، حكامًا ومحكومين.

وقد صَدَر لي كتاب منذ سنين، هو: «غير المسلمين في المجتمع الإسلامي» وهو في الحقيقة جزء من هذا الكتاب. وقد تقدَّم الحديث عنه في المذكرات.