موقع الفكر : ما مستقبل اللغة العربية في الوضع الراهن؟
الأستاذ محمد المختار بن الدمين: مستقبل اللغة العربية خلافا لكل النظرات السودائية مستقبل زاهر ومبشر لأنها من اللغات العالمية ذات النمو أو "النمي" السريع ـ إذا صح التعبير وهي الأفصح ـ ويكفي العربية أنها مرتبطة بحالة الوعي في الأمة سواء على المستوى العربي أو المستوى الإسلامي أوكليهما، فحالة التناطح أو التلاقي أو الحوار العالمي أدى إلى صمود اللغة العربية ووضعها الآن يفوق تماما أوضاعها من قبل، وهو إلى تحسن بشكل دائم، وأذكر أن بعض وسائل الإعلام الغربية تشكو من قلة المتقنين للغة العربية وإن وجدوا فإنها تربطهم باتجاهات أصيلة في المجتمع، مثل الاتجاهات الاسلامية، وهذا وإن كان يزعجهم في الغرب فهو جيد بالنسبة للعرب والمسلمين، وبإذن الله سيكون للغة العربية مستقبلها الزاهر.
صحيح أن واقع مخرجات التعليم الحالي مزعج لكنه مزعج في كل المواد سواء كانت أدبية أو علمية أو لغات أجنبية أو غيرها وحظ اللغة العربية فيه كحظ غيرها، ورغم ذلك فللعربية مستقبل واعد.
ولعل من يذكر نواكشوط في السبعينات وحتى منتصف الثمانينات ويقارن وضع العربية آنذاك مع وضعها الحالي سيدرك الفرق الكبير لصالح العربية وهذا الكلام لا يؤيده واقع التشاؤم السائد لدى الناس لكن الناظر إلى الصحافة المحلية ووسائل التواصل الاجتماعي يدرك أن الثقافة والمثقفين و الرأي العام تصنعه اللغة العربية وأن الفرنسية في بلادنا لا تكاد تشكل شيئا قياسا باللغة العربية في الوسائط وفي النفوذ وإن تخلفت السلطة عنها فذلك شأنها، فهي متخلفة عن الحرية والتنمية ،واللغة الآن هي لغة رأي عام ولغة الصحافة والمثقف.
موقع الفكر: هل المشكل اللغوي سياسي أم تربوي؟
الأستاذ محمد المختار بن الدمين: دائما نخلط بين المقدمات والنتائج ،والسياسيون هم أول من يخلط بين ذلك ونحن الآن في وضعية هي ثمرة لمقدمات ونتائج سيئة لكنها مثل أوضاع المجتمع بصفة عامة والعربية ليست نشازا ولامنفردة.
نظام ولد الطائع خلط ما بين المشكل السياسي للزنوج واللغة العربية ـ والزنوج ليست لفظة قدحية ،والبربر ليست هي الأخرى لفظة قدحية ،وإن كان ناشطو القوميتين ينأون عن هاتين الكلمتين فإنه لا يوجد ما يعبر عن هاتين المجموعتين غير هاتين القوميتين أو هذين الإطارين اللغويين ـ والإشكال الآن هو إشكال سياسي وليس إشكالا اجتماعيا ،ولا أتكلم عن "لحراطين" ولا عن" لكور" ،رغم أن لحراطين هم جزء من الثقافة العربية ،ولكن أقول ذلك انطلاقا من أن اللغة العربية هي اللغة الأصيلة في هذا البلد، وأن اللغة الفرنسية لغة وافدة واختيار اللغة الفرنسية أو محاولة منازعتها للغة العربية، أو منازعتها بالفعل هو جهد ضائع، والسبب فيه سياسي ولكن عندما ننظر بشكل صحيح نجد أن حملة الفرنكفونية في موريتانيا وحماتها من فئة " البيظان" والنظام الموريتاني منذ خطاب الرئيس المختار بن داداه في الاستقلال ،إلى خطاب الرئيس محمد بن الشيخ الغزواني السنة الماضية أمام مجموعة دول الساحل الخمس هو نظام يستخدم اللغة الفرنسية ويعلي من شأنها على حساب اللغة العربية ،والنخب بشكل عام وحتى اللحظات التي يقال فيها إن للنخب القومية صوتا عاليا من أيام الرئيس معاوية بن سيدي أحمد الطائع لم تنتج تقدما نحو اللغة العربية وبقيت اللغة العربية مهمشة حتى في زمن سطوة القوميين العرب، وبالتالي الإشكال إشكال سياسي يتعلق بتعاطي النخبة مع النظام وبنية النظام نفسه وبنية التحالفات السياسية الموجودة فيها ولا يتعلق بوضع اللغة أو إيمان المجتمع بها أو تقدمها في هذا المجتمع وهذا الكلام فيه بعض الإجمالات المزعجة ويمكن أن تكون فيه بعض المعطيات غير المريحة لكنه هو ما أراه ،وأدين الله به ،فالإشكال إشكال سياسي لا يتعلق بالمجتمع ولا يتعلق بالشرائحية ،ولا يتعلق بتعدد قومية وإنما يتعلق بثقافات تنعكس في مواقف سياسية أو مواقف سياسية هي انعكاس لثقافة معينة.